إشعال فتيل الطائفية في سوريا وزعزعة الدولة العلمانية

19-06-2013

إشعال فتيل الطائفية في سوريا وزعزعة الدولة العلمانية

الجمل- فيل غريڤز- ترجمة: د. مالك سلمان:

يشن السياسيون الغربيون ونظراؤهم الغربيون حملة شرسة لتصوير تدخل حزب الله الأخير في سوريا على أنه السبب الرئيسي للطبيعة الطائفية المعلنة ﻠ "المعارضة" السورية, كما يستخدمون حزب الله للتعتيم على جذور المعارضة وإيديولوجياتها الطائفية. لذلك يجب مناقشة العوامل العديدة التي تقف وراء هذه الحملة المسعورة, والأسباب التي تدفع الدول الغربية والخليجية لشيطنة حزب الله بهذا الشكل في الشرق الأوسط. إذ يمكن فهم هذه الحملة كجزء من سياسة الولايات المتحدة/السعودية/إسرائيل التي تهدف إلى "خنق المقاومة". وهذه المقاومة مشكلة من: إيران, وسوريا, وحزب الله, أو ما يطلق عليه – بشكل مزيف – "الهلال الشيعي".
عندما ينظر المرء إلى النزاع السوري في واقعه الجيوسياسي الحقيقي – وهو عبارة عن جهد دولي تقوده الولايات المتحدة لتغيير النظام بهدف إضعاف حليف إيران القوي – يتضح سبب الرغبة في توريط حزب الله الحتمي الناتج عن محاولات حلفاء الولايات المتحدة لزعزعة الاستقرار في المنطقة. فقد انخرط هؤلاء الحلفاء (قطر والسعودية, وبالتالي معسكر حركة الحريري/المستقبل في لبنان) في سياسة دعم وتمكين تمرد مسلح يهيمن عليه السلفيون في سوريا. فمن السخرية حتى التفكير في أن السعودية وقطر تحاولان نشر "الديمقراطية" أو "الحرية" أو حتى التعددية في بلد عربي علماني, بينما تعتنقان عقائدَ سلفية/وهابية في بلديهما. فببساطة شديدة, قامت السعودية وقطر بتشجيع وتحريض المتطرفين الإسلامويين المتعصبين على شن الحرب في سوريا لأنهم الأقرب إيديولوجياً إلى العقائد القمعية السائدة في كلا البلدين.
إضافة إلى ذلك, حالما يتم إسقاط أكذوبة أن الحرب السورية اندلعت نتيجة قمع "المحتجين السلميين", والاعتراف بالواقع القاسي للطبيعة الطائفية ﻠ "المعارضة" السورية, تتضح الأسباب الكامنة وراء استهداف القرى والبلدات الشيعية الواقعة على طول الحدود اللبنانية- السورية من قبل المتطرفين السلفيين منذ بداية النزاع تقريباً. إن القادة الغربيين والخليجيين يدينون تدخلَ حزب الله ويتهمون أطرافَ المقاومة بتأجيج التوتر الطائفي, متجاهلين – عن عمد – أن الأغلبية الساحقة في "المعارضة" السورية قد تبنت في السنتين الأخيرتين إيديولوجيا طائفية سلفية, وأنهم تدفقوا بأعداد كبيرة عبر الحدود اللبنانية مدججين بالسلاح والمال.
هناك مثال بارز على هذا التجاهل المتعمد يتعلق ببلدة القصير التي تم الحديث عنها مطولاً. فقد تحدث العديد من السياسيين الغربيين عن التداعيات الطائفية لهجوم حزب الله على القصير التي كانت تحت سيطرة المتمردين, لكن نفس هؤلاء السياسيين (والإعلام التابع لهم) تجاهلوا ثم أخفوا حقيقة أن المتمردين, بعد "تحريرهم" لبلدة القصير من سيطرة الحكومة في سنة 2012, سرعان ما أخذوا على عاتقهم تطهير المنطقة عرقياً من كافة المسيحيين. ومن الواضح أن لا أهمية لهذا فيما يتعلق بالدينامية الطائفية بالنسبة إلى السياسيين الغربيين. كما أطلق عدد ضخم من المشايخ السنة المتشددين الفتاوى ضد الشيعة والعلويين بصفتهم موالين للحكومة خلال السنتين الماضيتين, حيث تم تتويج هذه الفتاوى الأسبوع الماضي في إعلان الشيخ البارز يوسف القرضاوي, عبر الإعلام القطري, بأن على كافة الشباب السني أن يحمل السلاح ويقاتل ضد حزب الله "حزب شيعة الشيطان" والأقلية العلوية في سوريا الموالية لحكومة الأسد.
في سياق النزاع, ألقت عدة تقارير الضوء على الدور الطائفي الذي لعبته بعض الفصائل داخل الحكومة اللبنانية (الحريري/14 آذار/حركة المستقبل) من خلال العمل كقناة للسياسة السعودية في زعزعة الاستقرار في سوريا. فمعسكر سعد الحريري مرتبط بشكل وثيق بمشاريع السعودية والولايات المتحدة المريضة الهادفة إلى الهيمنة على المشرق العربي, في محاولة للحد من المد الإيراني وتحقيق الهدف السعودي المتمثل في الهيمنة الأمريكية على المنطقة. وبالمقابل, تعمل السعودية لصالح حلفائها الكونيين الرئيسيين, أي الغربيين, وعلى الأخص الولايات المتحدة وبريطانيا التي تربطها معهما "علاقات خاصة" منذ زمن بعيد. ولكن تم التعتيم على هذه الديناميات الهامة وإخفاؤها عن أعين الشعوب الغربية, ومع ذلك هناك تركيز دائم حول دور حزب الله في دعم حكومة الأسد. ولكن لا أحد يأتي على ذكر حقيقة أن حزب الله يدافع عن الشيعة والمسيحيين والسنة, على حدٍ سواء, من الجهاديين/السلفيين الذين يعملون على "تطهير" سوريا والمناطق القريبة من الحدود اللبنانية منهم.
إن الاعتراف بالديناميات الجيو- سياسية لهذه "العلاقات", وآثارها على سوريا ومحيطها, شرط ضروري لفهم المستنقع الطائفي الذي يهدد بإغراق المنطقة برمتها. إذ إن الولايات المتحدة وحلفاءَها الخليجيين منكبون منذ سنوات على حملة تهدف إلى زعزعة استقرار سوريا وإغراقها في الفوضى لإضعاف إيران. كما تهدف هذه الخطط لضرب حزب الله بهدف إزاحة هذه العقبة أمام القمع والتوسع الإسرائيلي وخلق قوة سياسية جديدة في جنوب لبنان تستجيب للمطالب الغربية وتكون خاضعة لإسرائيل. وقد تمثلت السياسة المختارة لتنفيذ هذه الحملة في تشكيل وتمكين القوى الطائفية المتطرفة وخلق الانقسامات الاجتماعية, مما أفرز الطبيعة الطائفية للنزاع والتي نراها تنتشر في كافة أرجاء المنطقة اليوم.
وبالمقابل, فقد انتبه اللبنانيون وحزب الله إلى هيمنة المؤدلجين السنة المتطرفين الذين يحملون كراهية كبيرة للشيعة, والذين تمكنوا من تحقيق رغبات السعودية وحلفائها. إذ تزايدت الهجمات الطائفية على البلدات والقرى الشيعية في المناطق الحدودية. ونتيجة التهديد الدائم والفعلي للشيعة والأقليات [الدينية] الذي عبرت عنه عناصر المعارضة السلفية, وتمركز المتطرفين بالقرب من البلدات والقرى الشيعية على الحدود اللبنانية لشن هجماتهم على سوريا, وجد حزب الله نفسَه محشوراً في زاوية بلا أي خيار سوى الدفاع عن وجوده وحماية خطوط إمداده الحيوية. إن اعتمادَ حزب الله على حكومة الأسد لا يقوم على أية روابط طائفية (كما يرغب المسؤولون الغربيون والإعلام الغربي في تصوير هذه العلاقة, متناسينَ أن الكثير من الشيعة ينظرون إلى العلويين بصفتهم هراطقة, إضافة إلى أن إيديولوجيا البعث علمانية صرفة), بل يستند إلى علاقة سياسية واستراتيجية [يستحق هذا الصحفي الغربي المسيحي الشكر لتوضيحه للعرب المسلمين غياب أي رابط طائفي بين الشيعة والعلويين, واللهِ !] . إذ ليس بمقدور المقاومة في لبنان أن تستمر مع كل هذه التهديدات الحالية دون دعم حكومة الأسد والمعابر البرية واللوجستية الحيوية إلى إيران, مما يكمل "محور المقاومة".
يقوم الغرب, وخاصة "مجلس التعاون الخليجي", بتصوير حزب الله الآن بصفته العدوَ الطائفي, زاعمين أنه مجرد مجموعة شيعية متطرفة تقاتل نيابة عن حكومة الأسد بسبب الرابطة الشيعية مع العلويين في سوريا والشيعة في إيران. ومرة أخرى, لا علاقة لهذه التوصيفات التبسيطية لحزب الله بطبيعته التعددية. فجناحه العسكري يقاتل الآن إلى جانب الشيعة والمسيحيين, في جيش يهيمن عليه السنة. (أجل, الأغلبية الساحقة من الجيش العربي السوري من السنة, صدقوا أو لا تصدقوا!). وفي لبنان, يقدم حزب الله الخدمات إلى, ويتعايش مع, الشيعة والسنة والمسيحيين. ومع ذلك يقول السرد المهيمن الصادر عن الغرب والخليج إن حزب الله مسؤول عن إشعال فتيل الطائفية. وليس هذا سوى قلب للدينامية الطائفية في النزاع السوري رأساً على عقب, وكل ذلك بهدف تسعير الوحش المتعصب العنيف الذي خلقته الولايات المتحدة والسعودية وقطر وآخرون لشن الحرب نيابة عنها.
في مثال آخر حديث ومثير للقلق عن الإيديولوجيا الطائفية للمتمردين السوريين من قرية حطلة في دير الزور, تم قتل حوالي 60 من السكان الشيعة بتهمة أنهم من مؤيدي الحكومة (المؤيدون الذين يصفهم الإعلام الغربي على أنهم "ميليشيات", على الرغم أن من بين الضحايا نساء وأطفال). وقد نشر بعض عناصر "جبهة النصرة" – القوة المقاتلة ‘المعارضة’ البارزة في سوريا – أشرطة فيديو للهجوم يقولون فيها: "لقد رفعنا راية ‘لا إله إلا الله’ فوق منازل الرافضين الكفرة, الشيعة". فاللغة التي يستخدمها "المتمردون" أمام الكاميرات لغة طائفية بشكل فاضح, وهي شائعة في كافة الأشرطة التي تنشرها مثل هذه المجموعات المتطرفة على الإنترنت: "هذه هي الشيعة, هذه جيف الشيعة, هذه نهايتهم," يعلن المصور وهو يشير إلى الضحية المتكومة على الأرض. كما أن عمليات القتل الطائفية في سوريا ليست ظاهرة شاذة. فخلال احتجاجات سنة 2011, سرعانَ ما تحولت الهتافات المطالبة بالإصلاح والديمقراطية إلى هتافات طائفية مثل "المسيحية عبيروت, والعلوية عالتابوت".
إذا أخذنا بعين الاعتبار تقديرات الضحايا المقدمة من المجموعة المعارضة "المرصد السوري لحقوق الإنسان" (وهي عبارة عن رجل واحد مقيم في مدينة كوڤنتري ينقل معلوماته الإعلام الغربي برمته) والتي تقول إن 43% من القتلى هم من عناصر الجيش السوري والميليشيات الحكومية, سرعان ما نلاحظ زيفَ السرد المتحيز لمقولة "الأسد يقتل شعبَه". فمن الصعب جداً أن نتصورَ هذا النزاع إلا كحرب ممولة من الخارج ضد الدولة السورية, إلا إذا صدقنا أن الجيش السوري قد قام خلال سنتي النزاع بقتل الآلاف من جنوده وضباطه. إنها حرب قادها منذ البداية زبانية الولايات المتحدة من البلدان الإقليمية, زبانية يشجعون على نسخٍ وحشية وعنيفة ومتعصبة من الإسلام, زبانية لهم تاريخ موثق من دفع سياساتهم السرية عبر تشكيل وتسليح وتمويل "قوات الصدمة" المتطرفين لشن حروب طائفية وزرع الانقسامات الاجتماعية لتحقيق أهدافهم الجيو- سياسية.
هناك طرفان رئيسيان مسؤولان عن النزاع الطائفي في سوريا وعن توسيعه خارج الحدود السورية: السعودية وقطر. كما أن داعم ومحرضَ هاتين الدولتين, الذي يدفع بسياساتهما المدمرة, ليس سوى إمبراطورية العصر, كالعادة؛ المستفيد الأكبر من زعزعة كافة المناطق الغنية بالموارد لمصالحها الشخصية. وخلال الستين سنة الأخيرة, فإن هذه الإمبراطورية هي الولايات المتحدة الأمريكية.

http://www.globalresearch.ca/triggering-sectarianism-in-syria-destabilizing-the-secular-state/5338945

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 13 حزيران/يونيو 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...