احتمال تراجع الحكومة عن قرار تعليق الاستيراد
برزت مؤشرات خلال اليومين الماضيين على احتمال تراجع الحكومة السورية عن قرارها المثير للجدل بمنع استيراد المواد التي يزيد رسمها الجمركي عن 5 في المئة والذي اثار استياء كبيرا بين التجار والصناعيين على حد سواء، كما أثار مخاوف كبيرة لدى الشارع من عودة مرحلة الثمانينيات وحالة التقشف وانعدام البضائع التي سادتها، وقال بيان لمجلس الوزراء السوري أمس ان الحكومة «ستعيد النظر ببعض بنود قرار التعليق بما يحقق المصلحة الوطنية».
وارتفعت أمس الأسعار بشكل ملموس، حيث يمكن لمن يجول على المتاجر الصغرى سماع شكوى أصحابها من ارتفاع الأسعار الذي استفاقوا عليه امس الأول من تجار الجملة، وقال صاحب أحد المحلات وهو يجول في محله المتوسط الحجم وقد خلا من الزبائن، إن موزعين أطلعوه أمس أن تجارا ووكلاء مواد تجارية اتصلوا به وطلبوا منه عدم توزيع أي سلعة والعودة بها إلى المخازن، كما كانت ممكنة ملاحظة قيام بعض المتاجر الكبرى بسحب بضاعتها من الكهربائيات وإعادة تعبئتها في صناديق لنقلها.
وكان مجلس الوزراء السوري في جلسة أمس ناقش «وضع السلع والمواد الأساسية في الأسواق المحلية والإجراءات اللازمة لتوفيرها وتأمينها وحماية المستهلكين من التلاعب غير المبرر بأسعارها».
وطلب المجلس من وزارة الاقتصاد والتجارة وفقا لوكالة الأنباء السورية «سانا» اتخاذ «الإجراءات العملية لضبط حركة الأسواق والأسعار ومنع استغلال تعليق الاستيراد الموقت لبعض السلع بقصد رفع أسعارها وخاصة المواد الغذائية والسلع المصنعة والمنتجة محلياً وإعادة النظر ببعض بنود قرار التعليق بما يحقق المصلحة الوطنية».
وقد ركزت وسائل الإعلام الالكترونية أمس على القرار «غير الشعبي» وفقا لما وصفه مسؤول سوري رفيع المستوى لـ«السفير». وقال موقع «الاقتصادي» المتخصص إن غرفة صناعة حلب ناشدت «الحكومة إعادة النظر في قرار تعليق الاستيراد لما يسببه من ضرر بالغ لمعظم الفعاليات الاقتصادية الصناعية والتجارية التي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة جداً وتحاول جاهدةً تجاوز آثار الهجمة الاقتصادية الشرسة وهي حتماً غير قادرة على تحمل المزيد من الخسائر والعراقيل في تأمين مستلزمات انتاجها بالكلف المقبولة وبالسرعة الكلية لكي تتمكن من الاستمرار والحفاظ على عمالتها وتأمين الأمن المعيشي والاجتماعي للوطن».
و«رأت الغرفة أن القرار يلحق الضرر البالغ بالاقتصاد الوطني ويسبب اضطرابا ماديا ومعنويا كبيرا في الشارع ويعرقل النشاط التجاري والصناعي لمعظم الأعمال ويرسل رسالة ضعف للخارج، وهو لا يمكن أن يشكل حلاً مقبولاً لدى الفعاليات الاقتصادية التي ترفض أن تتحمل وزر الأخطاء المتراكمة من بعض الجهات الحكومية المالية والمصرفية التي أدت إلى الخلل في ميزان القطع الأجنبي خاصة بما يتعلق بآلية تمويل المستوردات وتأمين القطع لها».
وقالت مصادر إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ستناقش هذا الموضوع في اجتماعها الاسبوعي اليوم، وذلك بعد أن أعلن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد نضال الشعار بشكل مفاجئ أمس الأول لوكالة «سانا» أن القرار «غير منزل» وأنه «قابل للتعديل». وجاءت الشكوى الداخلية لتتوج بأخبار نقلها موقع «عكس السير» الالكتروني وتناقلتها من بعده الوسائل الأخرى عن أن كلا من السعودية ولبنان ومصر الى بلدان عربية أخرى منعت دخول البضائع السورية إلى أراضيها رداً على قرار منع الاستيراد الذي صدر قبل أيام.
ونقل الموقع عن رئيس اتحاد مصدري الخضار والفواكه محمد غشان كعكة في حلب «تسبب قرار حظر الاستيراد بتوقيف العمل باتفاقية منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، التي تسمح بانتقال البضائع بين الدول العربية برسوم بسيطة جداً، حيث أعاد القرار الرسوم إلى شكلها الطبيعي». وأضاف «كان رد السعودية ولبنان ومصر وغيرها على هذا القرار بمنع دخول بضائعنا إلى أراضيها».
كما بينَّ كعكة أن أكثر من 500 شاحنة محملة بالخضار والفواكه متوقفة الآن على حدود لبنان والسعودية ومصر، حيث ترفض هذه البلدان دخولها إلى أراضيها وفق مبدأ «المعاملة بالمثل». وطالب رئيس اتحاد مصدري الخضار والفواكه في حلب الحكومة بإعادة النظر في القرار وتعجيله باسرع وقت ممكن، وإلا فإن خسائر كبيرة ستلحق بالتجارة السورية، والاقتصاد السوري ككل. وكان وزير الاقتصاد السوري قال في وقت سابق إن «هدف القرار الحفاظ على احتياط القطع الأجنبية ودعم الصناعة الوطنية» مشيرا إلى أنه وقائي وموقت، وأن زمنه مرتبط بظروف الأزمة التي تعيشها سوريا.
لكن محللين محليين رؤوا أن فيه بعض الحسابات الخاطئة، ولا سيما من جهة الحفاظ على ولاء التجار ورجال الأعمال. وقال المؤرخ القريب من دوائر صنع القرار في سوريا سامي مبيض في مقال له «إن رجال الأعمال وقفوا بحزم (في وجه العقوبات الخارجية) وصمدوا وإن اشتكوا. الآن يشعرون بأن السلطة لا تقف إلى جانبهم، وتزيد على بؤسهم بدلا من مساعدتهم للارتياح من العقوبات الأوروبية».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد