اشتباكات متقطعة تسخن هدنة النهر البارد
بدا أمس، مع دخول أحداث مخيم نهر البارد أسبوعها الثاني، أن الأوضاع تتجه الى مراوحة، مع خشية من أن تمثّل أحداث المخيمات عنصراً متفجراً آخر، يضاف الى العناصر المتفجرة في البلد.
وفي ظل استمرار الاشتباكات المتقطعة على «محاور» المخيم بين الجيش اللبناني ومسلحي «فتح الإسلام»، لفت تراجع الحكومة و«الأكثرية» عن مطلب الحسم العسكري. وقال مصدر حكومي مطّلع على الاتصالات قوله إن «الحكومة أعطت المنظمات الفلسطينية فرصة لمعالجة الأمر»، وإلا «فإن الأمر منوط بالجيش ليجد الطريقة والظروف المناسبة لمعالجته»، مشيراً الى أن الإنذار «ليس مرتبطاً بوقت». وكانت الوكالة نفسها قد نقلت في وقت سابق عن مصدر حكومي قوله إن «السلطات اللبنانية أمهلت الفصائل الفلسطينية حتى منتصف الأسبوع» الجاري لمعالجة الأزمة، وإن الاتفاق يفترض به أن يشمل استسلام مقاتلي «فتح الإسلام» الضالعين في اعتداءات على الجيش لتتم محاكمتهم.
وبعد يومين على مطالبته، إثر لقائه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، بالحسم السياسي والعسكري في موضوع نهر البارد، عارض النائب وليد جنبلاط أمس هذا التوجه بالقول «ما من أحد طرح الحسم، لكننا نريد تسليم القتلة الذين غدروا بالجيش الى العدالة اللبنانية». ورأى، في مؤتمر صحافي في المختارة خصّصه للرد على المواقف التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في كلمته المتلفزة مساء الجمعة الماضي لمناسبة عيد التحرير والمقاومة، أن نصر الله ساوى بين الجيش و«فتح الإسلام». وأعلن في الوقت نفسه أن المحكمة الدولية ستقرّ الأسبوع المقبل، مؤكداً «أننا سنحطّم الخطوط الحمر مهما كانت العقبات، لكن طبعاً الخسائر فادحة».
حملة جنبلاط على نصر الله جاءت بعد يومين من الردود العنيفة من الأكثرية على كلام نصر الله، ما استدعى صدور بيان عن الحزب نُسب الى قيادي فيه قوله إن قوى 14 آذار «شوّهت عمداً نصوصاً بالغة الوضوح والدلالة عرّت سلوكها المشبوه فلجأت إلى لغة الشتيمة بدل مقارعة الحجة بالحجة والمنطق».
واستعاد المصدر قول السيد نصر الله من «أن الجيش خط أحمر ولا يجوز المس به ومن قتل ضباط وعناصر الجيش يجب أن يحاكم وتتوافر له محاكمة عادلة ويجب ألّا يُتسامح معه» متسائلاً: «أين هنا المساواة بين الجيش ومنفذي الاعتداء عليه وأين هو الزعم بالدفاع عنهم أو عدم محاسبتهم؟!». ورأى المصدر نفسه «إن المزايدة بالدفاع عن الجيش تصبح مفضوحة وخصوصاً عندما تأتي من أطراف تاريخها مشبع بالعداء والتنكيل والتحريض على الجيش اللبناني وأجهزته وضباطه».
وتواصلت أمس المساعي السياسية بحثاً عن حل، فيما سجّل ليل أمس تجدّد الاشتباكات في المخيم ما أدى الى إقفال الطريق الدولية التي تربط طرابلس بعكار.
وأعلن ممثل حركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية في لبنان أبو عماد الرفاعي أنه تبلّغ أمس من النائبة بهية الحريري رداً على أفكار كان قد عرضها معها لحل أزمة مخيم نهر البارد، مشيراً إلى أن خيار الحسم العسكري ضد «فتح الإسلام» قد استُبعد وأن الأوضاع تتّجه الى المعالجة السياسية.
وعلمت «الأخبار» أن من بين الأفكار المطروحة للحل توقف «فتح الإسلام» عن أي نشاط في مخيم نهر البارد، وتسليم 11 لبنانياً من عناصرها إلى الدولة، أما العرب فتتولّى حركة «فتح» أو مجمل الفصائل الفلسطينية معالجة وجودهم في المخيم في مرحلة لاحقة.
وكان وفد من «تجمّع علماء فلسطين» قد دخل الى مخيم البارد والتقى قائد منظمة «فتح الإسلام» شاكر العبسي. وقالت مصادر اطّلعت على ما دار في هذا اللقاء إنه كان فاشلاً ولم يتم الاتفاق على أي مقاربة للأفكار المتداولة لحل الأزمة وإنهائها.
وقال مصدر قيادي في حركة «حماس»، إن «جملة من المساعي ما زالت قائمة على مستويات عديدة ومن الصعب الحديث عما ستؤول إليه أو التنبؤ بنتائجها، وعما اذا كنا سنصل الى نتيجة سعيدة وبأقل الخسائر الممكنة سريعاً أم لا». وأضاف «صحيح أن الأجواء السائدة متشائمة، لكننا نصرّ على الاجتهاد في اتجاه التهدئة، وتحقيق ما يصبو إليه الجميع وإنهاء هذه القضية، مخافة أن تتحوّل المعركة على باب المخيم الى حرب استنزاف لا يريدها إلا المتربّصون شراً بلبنان والفلسطينيين». وختم قائلاً «ليس هناك مهلة محددة ولا حديث جدي عن لجنة رباعية او غيرها، لكن المهم أننا نقرّ جميعنا بأن القرار في يد الحكومة اللبنانية وهي ما زالت تتريث، ولم تقرر بعد ما تريده».
ونفت مصادر فلسطينية مطّلعة، المعلومات التي تردّدت عن إعطاء فرصة جديدة للمنظمات الفلسطينية لمعالجة الوضع في مخيم نهر البارد و«استئصال» مجموعة «فتح الإسلام». وقالت «إن الحديث في هذا الاتجاه طُرح مرة واحدة وبالتحديد يوم الثلاثاء الماضي، بعد 48 ساعة على اندلاع أحداث المخيم إثر تطويق وانتهاء أحداث طرابلس بشكل كبير، حيث نالت الحكومة اللبنانية موافقة أطراف فلسطينية بشكل جزئي وكذلك السلطة الفلسطينية عن دور ما للكفاح المسلح الفلسطيني يمكن أن يؤديه من داخل المخيم، عبر الاتصالات التي جرت بين السرايا الحكومية ورام الله».
وأضافت المصادر «ليس في الأمر سر، الموقف الفلسطيني الرسمي كان مؤيداً لعملية محدودة ينهي خلالها الكفاح المسلح ظاهرة فتح الإسلام في المخيم، لكن الأمر تبدّل في اليوم التالي وتوسعت رقعة الرفض على مستوى قادة الفصائل في الداخل والخارج حتى من جانب السلطة التي لم تكن على علم واضح بالمتغيّرات داخل المخيم وتحديداً لجهة انضمام فصائل فلسطينية أخرى، لها وجود عسكري داخل المخيم إلى عناصر المجموعة الإرهابية، وهذا ما جعل المهمة أصعب من اليوم الذي سبق، إن لم تكن مستحيلة، وبات من الخطأ أن يُعطى الرأي العام العربي والدولي صورة عن انتقال الصراع الفلسطيني ــــ الفلسطيني من الداخل ــــ أي من الضفة الغربية وقطاع غزة ــــ إلى مخيمات الخارج، وقد لا يبقى الموضوع محصوراً بالساحة اللبنانية أو بمخيم نهر البارد وحده».
وعلى الصعيد الأمني تجدّدت الاشتباكات في مخيم نهر البارد ليلاً. وأكد المتحدث باسم «فتح الإسلام» أبو سليم طه، في حديث خاص لـ «الأخبار»، مقتل 25 عنصراً من الحركة (10 في البارد و15 في طرابلس)، بينهم أبو يزن وأبو مدين الرجل الثاني في الحركة. كما نفى أبو سليم أن تكون للحركة أي صلة بالتفجيرات المتنقّلة بين المناطق اللبنانية. وأضاف «ليس لدى حركة فتح الإسلام أي زوارق»، في إشارة إلى نفي صحة المعلومات عن إطلاق الجيش اللبناني النار على مقاتلين للحركة كانوا يحاولون الهروب عن طريق البحر.
وحتى ساعات متأخرة من ليل أمس كانت تُسمع أصوات طلقات نارية ودوي انفجارات تشتد من حين لآخر ثم تعود لتنحسر لفترة تتخلّلها رشقات متقطعة. وكان الجيش قد استقدم تعزيزات من لواء المغاوير إلى أطراف المخيم.
ودوّى انفجار في محلة البربير في بيروت مساء أمس تبيّن أنه ناجم عن قنبلة صوتية ألقاها مجهول كان يقود سيارة قرب فرع بنك البحر المتوسط. وأُفيد أن جنديين وعنصرين من قوى الأمن قد أُصيبوا بجروح طفيفة.
وفي صيدا دوى انفجاران في محلة التعمير، نجم الأول عن قنبلة صوتية كان الفلسطيني حسن أبو دبوس يلهو بها، فيما نجم الثاني، الذي وقع أيضاً في محلة الجورة الحمراء في حي التعمير، عن مفرقعات، بحسب مصادر لبنانية وفلسطينية.
وفي طهران، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن «ما يحدث في لبنان خلال هذه الأيام يبعث على قلق الجميع وأن إيران تولي أهمية لاستقرار لبنان ومستعدة لتقديم الدعم بهذا الشأن». وأشار إلى المحادثات الهاتفية بين وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشأن لبنان»، وإلى الاتصال الهاتفي الذي جرى بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ومتكي، وقال إنه «من المقرر أن يجتمع وزيرا الخارجية الإيراني والسعودي (سعود الفيصل) قريباً للبحث في موضوع لبنان».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد