اطلاق مشروع ولاّدة للكتابة النسوية عبر القارات
يتفاوت الموقف من الأدب النسائي عموما بين معترف بوجوده وبين رافض لفكرة تقسيم الأدب على هذا النحو. لكن أصوات كثيرة ترتفع لتؤكد أنه تعرض للتعسف الذكوري على مر الزمان، فتم عزله وإقصاؤه عن الإنتاج الثقافي الإنساني الواسع، كما تم طمس معالمه. ولا يزال حتى هذه الساعة في موقع المتهم.. فمرة يتهم بأنه لا يزال في مرحلة الحبو الأولى وأخرى بأنه مزيف ورائحة الرجال تفوح منه. حتى الهوية الأدبية فما تزال حكرا على الرجال، في وقت يعترف فيه النقاد والباحثون أن هناك طعما ورائحة مميزة لكتابات نسوية بامتياز تستحق الوقوف أمامها باحترام. "ولاّدة" مشروع أدبي لاحتضان نتاج الكاتبات باللغة العربية، بدأت به "دار قدمس"
قبل نحو عامين وتستعد هذا الأسبوع لإطلاقه عملياً. الثرى التقت د. زياد منى مدير الدار من أجل التعرف إلى طبيعة هذا المشروع وأهدافه.
أرجو أن تحدثنا عن المشروع لماذا أطلقتموه وما الهدف من وراءه؟
فكرة المشروع امتداد لفكرة دار قدمس، فعندما أسسنا الدار رغبنا في ايجاد شيء مختلف، فمن خلال دراستي العليا وأبحاثي اللاحقة في ألمانيا اطلعت على كتابات مختلفة وهامة، فكانت فكرتي التي ناقشتها مع الصديق السوري د زياد إسرب الذي تحمس للفكرة ووضع إمكاناته المادية والفكرية بتصرف المشروع. الفكرة هي أن هناك ثمة أمور في تاريخنا من المهم للقراء العرب أن يطلعوا عليها، فكانت فكرة تأسيس قدمس.
بعد مدة فكرنا في إضافة شيء خاص، للمشروع الأصل ورأينا أن يتم في مجال الأدب. وبسبب الاضطهاد الذي تعانيه المرأة على نحو عام، فكرنا بأن نعطي الفرصة للكاتبات باللغة العربية لتقديم إبداعاتهن عبر دارنا.
والفكرة أساسا كانت أن يقوم مجموعة من الناقدات والنقاد العرب بتقويم الكتب الأدبية المعروضة علينا حيث يقوم كل ناقد يرشح كتاباً للنشر بكتابة أسباب الترشيح وشرح أسباب الموافقة، والمميزات الأدبية، وما إلى ذلك، و يتحمل مسئولية موافقته على النشر. تحدثنا مع فيصل دراج، سيزا قاسم، سعيد يقطين، أمينة راشد، شيرين أبو النجم، ومحمد خضير، ولكن لم يكن هناك استجابة باستثناء فيصل دراج وسعيد يقطين، في حين "تمنى لنا الباقون التوفيق".
الأمر الآخر المميز في مشروعنا هو أننا نتحمل المصاريف كافة. وبعد أن نشرنا إعلان منذ نحو سنة بعض السيدات بدأن بإرسال مواد ونصوص مختلفة نثرية و شعرية، لكن هذا لم يكن ما نسعى إليه، فهناك حد أدنى من المستوى لا نسمح بتجاوزه، كما أننا لا نطالب بأهم الكاتبات. أي أننا أخضعنا كل شيء للتجريب ونقوم بإعطائهن فرصة مجانية، فمن المعروف أن 99% من الكاتبات والكتاب الذين يقومون بالنشر يدفعون من أجل هذا.
نحن نعطيهن الفرصة بلا دفع .. هناك من يدفع كحد أدنى 5000 دولار في الوقت الذي لا تعترف دار النشر بهذا ولا تصرح عنه. من المعروف أيضا أن هناك كاتبات وكتاب بالعربية ينشرون كتاباتهم الأدبية ويتحملون كلفة النشر التي تراوح بين 3000 و10000 دولار، ويتم تجاهله أيضا من قبل دار النشر. وقد جاءتنا عروض للنشر من كاتبات أبدين فيها استعدادهن لتحمل مصاريف النشر، إلا أننا نتمسك بموقفنا وهو تحمل التكاليف والتركيز على النوعية.
في الأسبوع القادم سنطلق المشروع الذي يبدأ بخمسة كتب لخمسة كاتبات اثنتين منهن سوريات هما سوزان خواتمي التي تعيش في الكويت ورواد إبراهيم، وكاتبتين فرنسيتين الأولى هن أنّا غافالدا وماري درايسك والتركية آيفير طونتش. نأمل أن نتمكن من طرح مجموعة السيدة راود إبراهيم في صالتها "عالبال" القائمة في المدينة القديمة.
لدينا نصوصًا أخرى من سورية منهل السراج، ومن العراق كلشان البياتي ومنال الشيخ، ومن الجزائر عائشة بنور، ومن فلسطين المحتلة حواء سكاس، وروايات وقصص قصيرة من فنلندا وتركية وإيران وبلغاريا والهند . .
في عودة لتقييم النصوص ذكرت أنك تركن إلى خبرتك الذاتية وتقييمك الشخصي للعمل ألا تعتقد أن في هذا نوعا من الديكتاتورية والاستئثار بالرأي قد ينعكس على مستوى الأعمال؟
طبعاً ديكتاتورية!. ولكن عندما يطرح علينا عمل لكاتبة مثل "أنّا غافالدا" لا نتردد، ولكن الحال تختلف مع كاتبات أخريات، حيث لابد لي من طلب النص مترجما كي اقرأه بنفسي وأتعرف إلى مستواه الحقيقي. وأراجع ما كتبه النقاد والقراء عن النص، وليس ما كتبه الناشر "الأجنبي". ولا اعتقد أنها دكتاتورية مبالغ بها. وفي ما يخص المبدعات باللغة العربية أطلب رأي أصدقاء متخصصين لي ليساعدونني في التقييم، وأحيانا أقرر بمفردي. كنت أتمنى لو يقوم بهذا العمل أناس متخصصون ولكن هذه لم ينجح.
وهنا لا بد لي من السؤال عن الموقف العام من مسألة الكتابة النسائية فهناك أصوات كثيرة تعتبر الأدب النسائي أدب من الدرجة الثانية أو لنقل يعتبره البعض تجربة جديدة ويعامل على هذه الأساس. ما هو رأيكم في هذه المقولة وهل تأثرتم في دار قدمس بها؟
أنا لست بصدد تقيم أعمال الكاتبات السوريات أو غير السوريات ولكني أتعهد بعدم تقديم مادة رديئة. وهناك فرق بين الكاتبات العربيات والأوربيات، ولدي قصص مذهلة لكاتبات إيرانيات مثلا وكاتبات من زيمبابوي من فنلندة ومن النرويج، لكن المشكلة تكمن في البحث عن مترجمين جيدين. نحن ومن خلال تجربة هذا المشروع "ولادة" نسعى إلى إخراج ما في جعبة الكاتبات الجيدات إلى العلن. أما ما ينشر عموما في الفترة الأخيرة فلا أعتبر أن له قيمة أدبية، بل قيمة غير أدبية واعتبر من المعيب أن يأخذ اسم الأدب ويهلل له في التلفزيونات ووسائل الإعلام. فمثلا ما القيمة الأدبية لكتاب (بنات الرياض)؟. من المؤكد أن هناك أزمة أدب، ولكن ليس ذلك فقط.
وهل توافق على أن هناك سمات خاصة بالأدب النسائي تفرقه عن الأدب الذكوري إن صح التعبير؟
هناك سيكولوجيا خاصة بالمرأة وهذا لابد وان يظهر في الكتابة النسائية، ويمكن تمييزه عن أسلوب الكتابة الذكورية، نظرتها للأمور .. وحتى في أوروبا هناك أشياء خاصة في أسلوب الكتابة النسوية من السهل تمييزها.
هل تعتقد أن المرأة أكثر قدرة من الرجل على التعبير عن حياتها الخاصة ومعاناتها ؟
في الحقيقة ما نحن بصدد إصداره لا يتناول معاناة، بل حياة يومية. لكن وعلى سبيل المثال في التجربة الإيرانية " نساء بلا رجال" حديث عن معانات النساء واعتقد أنهن اقدر على التعبير عن همومهن. الرجل قد يساعد عبر الكتابة الأكاديمية، لكن ليس بعمق الأحاسيس الذي تكتب به المرأة.
تقول بعض الكاتبات أن هناك اضطهادا يمارس على الأدب أو الكتابة النسائية في سورية. ما هو رأيك بالموضوع؟
لا أعرف ولكنا نسمع كل يوم عن عشرين كاتبة جديدة، لكني لا أنكر أن هناك ظاهرة جديدة وهي أنه إذا أرادت كاتب ما الظهور فلا بد من وجود من يتبناها أديب أو كاتب، ولا أتكلم عن سورية بل ربما عن بلدان أخرى.
وعن الجدوى الاقتصادية لمشروع "ولاّدة" قال د. منى:
نحن كمشروع اقتصادي مشروع فاشل.
ولكن هل كل دور النشر فاشلة اقتصاديا؟ أم يوجد هناك من يكسب؟
بالطبع هناك من يكسب بشكل هائل. وكفى.
ما الذي يمكن لمثل هذا المشروع أن يضيفه إلى المشهد الثقافي السوري؟
تشجيع الكاتبات باللغة العربية -سواء أكن عربيات أم لا- من اجل تقديم نتاجهن الأدبي، وربما اكتشاف كاتبات جديدات عبر إتاحة الفرصة لهن للظهور ضمن مشروع ولادة..
لماذا أسميتم هذا المشروع " ولاّدة"؟
لأنها رمز للتكاثر والتجديد ولما لهذا الاسم من إيحاءات تعبر عن ولادة شيء جديد. ولا ننسى ولاّدة بنت المستكفي التي لا تزال في الذاكرة العربية.
وأخيرا تمنى الدكتور زياد منى أن على القراء أن يعطوا هذا المشروع فرصة فهناك نحو 22عنوان في طريقها إلى المكتبات.
مجموعة من التحديات ستكون في انتظار هذه السلسة الجريئة، أولها هو مدى تقبل الناس لفكرة التجربة، وثانيها هو القيمة الأدبية الحقيقية للنصوص المقدمة، في ظل غياب وتملص من يفترض أن يقوموا بتقييم هذه النصوص، وركون صاحب الدار إلى رأيه الشخصي. لكن مجرد التفكير في إعطاء المبادرة للكاتبات النساء في نشر نصوص باللغة العربية يعتبر بنظر الكثيرين خطوة هامة ومحاولة لكسر احتكار الرجال لأسواق الأدب.
المصدر: موقع الثرى
إضافة تعليق جديد