اعتدال رافع: سيرة أدبية
اعتدال رافع قاصة وكاتبة مقالة، وصحفية ساخرة، ولدت عام 1937 في مدينة " عالية" بلبنان، وحصلت على الإجازة في التاريخ من جامعة دمشق، عملت في حقل التعليم، ثم في مديرية الآثار والمتاحف، وجريدة "البعث" حيث كانت تكتب زاوية "حديث الصباح" (1982-1990) وجريدة " تشرين"، حيث كانت تكتب زاوية " آفاق ثقافية"، كما عملت في مجلة " الأزمنة العربية" (1989- 1991) وجريدة " صوت الكويت" (1990-1991) انتسبت إلى اتحاد الكتاب العرب بدمشق (جمعية القصة والرواية)، وتزوجت من الفنان الكوميدي أنور البابا (1915-1992) وأنجبت منه ابنتين...
آثارها الأدبية :
1- مدينة الاسكندر (قصص ) وزارة الثقافة - دمشق 1980
2- امرأة من برج الحمل ( قصص) وزارة الثقافة - دمشق 1986
3- الصفر (قصص) دار إيبلا - دمشق 1988
4- بيروت كل المدن شهرزاد كل النساء (مقالات) دار الزاوية 1989
5- يوم هربت زينب (قصص) وزارة الثقافة - دمشق 1996
6- رحيل البجع (قصص) وزارة الثقافة - دمشق 1998
7- أبجدية الذاكرة (قصص) وزارة الثقافة - دمشق 2000
8- بوح من زمن آخر (قصص) وزارة الثقافة - دمشق 2006
تمتاز كتابات الأديبة اعتدال رافع بالجدة وعدم المهادنة، وتعد مجموعاتها القصصية السبع تحدياً للكتابة النسائية، ويأتي هذا التحدي من أسلوب السخرية المرة من التقاليد البالية التي عفى عليها الزمن، كما في قصة (النذر) من كتابها "مدينة الاسكندر" التي تدور أحداثها حول سيدة نذرت خروفاً للشيخ محيي الدين بن عربي، إذا هو باركها وأصبحت امرأة ولوداً، وبعد أن حملت قادت الخروف ليذبح عند ضريح الشيخ فينطحها وهي تجرّه، ويؤدي ذلك إلى إسقاط الجنين!..
أما في قصة «ثأر» وهي أولى قصص مجموعتها «بوح من زمن آخر» فتتحدث عن سبّابتها اليمنى التي أخذت تفقد جاذبيتها ومرونتها مع الزمن، وصارت (تنطعج) باستمرار وتميل نحو الوسطى مثل سبّابة أمها وجدتها، بعد أن كانت مستقيمة ومشدودة كوتر، وبلغ من شدة خوفها عليها،أنها لم تتجرأ يوماً على رفعها احتجاجاً أو تهديداً، لذلك انكفأت السبابة على نفسها حزينة ومحبطة...لكنها مرة واحدة فقط أرادت أن تبين لها أهميتها الوجودية والمصيرية والتاريخية، حين رفعتها مع الوسطى راسمة بهما اشارة النصر المفتوحة على السماء، وذلك أمام سور البيت الأبيض في واشنطن، احتجاجاً على سياسة أمريكا العرجاء التي تكيل بمكيالين، رغم يقينها بعدم جدوى هذه (المنفخة)، وصارت بعد ذلك اليوم تخبئها خلف ظهرها كلما شاهدت نشرات الأخبار في التلفزيون، لكنها غافلتها مرة وارتفعت الى خدها لتمسح دمعة!..
لقد أحسنت الكاتبة توظيف سبّابتها المعطوبة، واستطاعت أن تجعلها ذات قيمة مرة واحدة في العمر، وفي ذلك مغزى عميق، ودلالة كبيرة واضحة ولقطة ذكية.
هي تعرف في قرارة نفسها أنه لا جدوى من رفع السبابة والوسطى معاً، للاستنكار والرفض والاحتجاج الذي لا طائل وراءه، وكذلك الخطابات المجلجلة، والهتافات التي تصدع آذان المشاهدين في كل الفضائيات العربية وما أكثرها!..
والى جانب المغزى العميق الذي حملته هذه القصة المؤثرة، هناك الاسلوب التصويري الجميل الذي اعتمدته، فالسبابة مشدودة كوتر، ناعمة وبيضاء مثل الشرنقة (دودة القز)، وتنزلق كقطرة ندى على البراعم الغضة..اضافة الى السخرية اللاذعة والمبطنة التي يحس بها القارىء في كل كلمة، بل في كل عبارة، والى البساطة في السرد كقولها:«يدي قصيرة بالكاد تصل الى نقرتي التي تتعرق باستمرار وتحكني....».
وفي قصة «قيلولة التعب» من المجموعة السابقة نفسها، استطاعت الكاتبة بمهارتها الفائقة ان تحبك قصة لطيفة من تسعة أسطر وأربعين كلمة، بطلاها رجل وامرأة يجلسان على مقعد في الحديقة العامة «لينقعا جسديهما في الشمس» ضبطتهما الشرطة وهما متلبسان بالصمت...جرجروهما الى مخفر الشرطة، لان الرجل لم يكن يحمل في جيبه عقد النكاح، وحبذا لو قالت عقد الزواج.
هذا الاسلوب البرقي المفعم بالسخرية المبطنة، والتهكم اللاذع، قد تميز به كل من حسيب كيالي، وزكريا تامر، ومحمد الماغوط أيضاً، ويقوم على رصد ما يجري في الحياة من مفارقات غريبة عجيبة ومدهشة، والكاتب الموهوب هو الذي يعرف كيف يلتقطها ويصوغها في قالب قصة، تحمل في تضاعيفها كل مقومات الفن والابداع.
من يقرأ قصص اعتدال رافع يكتشف حرفيتها ومهارتها وموهبتها المتميزة في فن القص، فهي قادرة على ان تجعل من كل حدث تراه أو يقع أمام ناظريها، موضوع قصة جذابة مكتملة العناصر، مهما كانت هذه القصة قصيرة وموجزة ومكثفة.
لقد كتبت الاديبة اعتدال رافع القصة الطويلة نسبياً، والأقصوصة، والقصة القصيرة جداً(البرقية)، دون ان تهمل قواعدها وعناصرها الرئيسة: البداية والعقدة، والحل والنهاية او الخاتمة، بأسلوب هو السهل الممتنع، وما أكثرما يمتع القارىء فيها ويجعلها قريبة من نفسه، هو استخدامها بعض الكلمات والتعابير والمسميات القديمة التي أوشكت ان تندثر من حياتنا ولغتنا مثل: اليوك، والبشنوقة، وخلنج من إبرته، ولبطته تهد الحائط، وتشحيل،وتنطعج، ومزقوق بالهموم وغيرها...
عيسى فتوح
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد