اكتشافات جديدة حول تاريخ سهل جبلة الأثري

17-09-2006

اكتشافات جديدة حول تاريخ سهل جبلة الأثري

أشار الدكتور ميشيل مقدسي مدير التنقيب في سورية حول نتائج التنقيب في سهل جبلة خلال لقائه وذلك أثناء وجوده في تل سيانو بصفته رئيساً لبعثة الوطنية العاملة في الموقع المذكور إلى أن مواقع وتلال سهل جبلة المختلفة ضمت سويات أثرية مهمة تعود للنهضة المعمارية الثانية التي عرفتها مناطق سورية المختلفة وذلك في منتصف الألف الثالث ق.م «حوالي 2600 ق.م» وقد تميزت هذه النهضة بقيام تنظيمات معمارية كان هدفها اقتصادياً وزراعياً وكانت تربط مناطق الشرق الأدنى القديم المختلفة من الساحل السوري واللبناني الفلسطيني وحتى الهضبة الإيرانية مروراً ببادية الشام وبلاد الرافدين وقد تميزت مواقع هذه النهضة في سهل جبلة بتنظيمات عامة على كامل السهل في النصف الثاني من الألف الثالث ق.م، وأهم هذه المواقع هو تل سيانو الذي كشفت البعثة الوطنية خلال الموسمين السادس عشر والسابع عشر للعام الحالي عن أقسام مبنى إداري مهم ضم طبعات أختام تدل على وجود سلطة كانت تسير أمور هذا المبنى ولها علاقة مع مواقع أخرى، كما كشفت أعمال التنقيب عن سويات تعود لنفس الفترة الزمنية وذلك في تلال التويني وسكاس ودروك، ومع بداية الألف الثاني ق.م استوطنت المنطقة مجموعات أمورية تقوم بإعادة تنظيم السهل بشكل عام، ونجد سويات هذه الفترة منتشرة بشكل كثيف في مواقع تل التويني وتل سكاس وتل سيانو وقلعة الروس، أما الشواهد المعمارية والأكثر وضوحاً عن هذه الفترة الزمنية نجدها في تل التويني وتل إيريس حيث أوضحت التنقيبات الوطنية وجود مجموعات من المساكن المتراصة عند الأطراف الشرقية والشمالية من التل والتي أعطت أعمال الكشف عن أرضياتها مجموعة من اللقى والكسر الفخارية والتي تعود إلى تقاليد تصنيع ميثينية «اليونان» وقبرصية ومحلية.

خلال الألف الأول كانت المنطقة برمتها تحت السيطرة الآرامية التابعة لمملكة حماة وبعد ذلك قامت مجموعة من المدن الفينيقية والتي لعبت دوراً تجارياً واقتصادياً من الدرجة الأولى وتمت إعادة تنظيم العديد من المواقع وفق تخطيط معماري وعمراني مهم جداً وتكشف بشكل واضح في موقع تل التويني حيث ظهر وجود شبكة من الطرقات التي كان يتمحور عليها السكن منها الطريق المحوري الكبير وطريق محوري آخر يقطع الموقع من الشرق إلى الغرب، وقد ارتبطت مع هذه السويات الفينيقية مجموعة من المباني الدينية التي تتميز بمساحة متكاملة وذلك في مواقع التويني وسيانو وسكاس، أما خلال العصور الكلاسيكية انحسر الاستيطان على التلال الرئيسية في السهل لتتوضع بشكل رئيسي في مدينة جبلة التي عرفت فترة ازدهار خلال العصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية، ونجد في بعض المواقع عدداً من الأبنية المحدودة التي تعود لهذه الفترات الزمنية نذكر منها ما كشف في تل سيانو ويعود لمجمع ديني من العصر الهلنيستي وبقايا التجمع الزراعي والصناعي «معصرة عنب» في تل التويني والذي يعود إلى العصر البيزنطي. ‏

ہ ألا ترى أن عمليات التنقيب تسير ببطء شديد؟ 
 ‏ أعمال التنقيب في سورية والتي تقوم بها البعثات الأجنبية والمشتركة والوطنية تتم خلال فترات زمنية محددة، والموسم بشكل عام يستمر بين 4 ـ 8 أسابيع وهذه فترة زمنية مهمة جداً لأن أعمال الكشف الدقيقة ودراسة المواد المكتشفة من فخارية وصوانية وزجاجية أو معدنية تتطلب مراحل طويلة تبدأ بالدراسة الأولية لتنتهي بأعمال التوثيق والرسم الدقيق والتصوير والترميم للقطع الأثرية في المختبرات العلمية وكذلك هناك أعمال الدراسات المعمارية والتوثيق المعماري وكتابة التقارير الأولية والنهائية، فكل موسم يتراوح بين الشهر أو الشهرين يتطلب أعمالاً مرادفة تستمر لأكثر من ستة أشهر، وبالتالي فإن التواتر بين أعمال التنقيب ونشر المعطيات يتناسب مع فترة المواسم التنقيبية، وتعد سورية واحدة من أهم الدول من بين دول العالم التي تتم فيها أعمال التنقيب والمسح الأثري، حيث تأتي بالمرتبة الثانية بعد مصر وقبل تركيا وباقي مناطق الشرق القديم. ‏

ہ كيف ترى الاستثمار السياحي للمواقع الأثرية المكتشفة؟ ‏

ـ هناك أنماط عديدة من المواقع السياحية وتجب معالجة كل نمط على حدة واستثماره بطريقة خاصة، مثل تدمر تجب أن تستثمر بشكل متكامل لأنها تضم أوابد ضخمة محفوظة بشكل استثنائي وكذلك فإن القلاع العائدة إلى العصور الوسطى كقلعة الحصن وصلاح الدين والمرقب يجب معالجتها واستثمارها بشكل خاص بتأمين المسارات السياحية والمرافق الخدمية التي تشمل عملية الزيارة والاستراحة. ‏

أما المواقع التي تمت فيها أعمال التنقيب وتكشف فيها سويات أثرية متلاحقة تضم مداميك معمارية لمبان على ارتفاعات بسيطة فإن تخديمها سياحياً يتطلب معالجة خاصة لإظهار هذه المكتشفات من خلال اللوحات الجدارية وعلى الحاسوب بشكل ثلاثي الأبعاد وبالتالي خلق نقطة سياحية تنطلق منها الزيارة عبر شرح مفصل لطبيعة الموقع والسويات والمباني المكتشفة فيها وهذا يتم بشكل فعلي في بعض المواقع المهمة مثل تل مرديخ، إيبلا، المشرفة، قطنا، تل بيدر، نبادا، وهناك مشروعات لإقامة مثل هذه النقاط السياحية في مواقع مثل عمريت، رأس شمرا، أوغاريت، ماري. ‏

وللأسف ما نشاهده حالياً من خدمات في موقع أوغاريت من دورات مياه وخاصة الكرفان الموجود أمام الموقع لا يمت للسياحة بصلة بل يشكل عاملاً منفراً. ‏

ہ أكثر الأحيان نرى بعثات تنقيبية مشتركة أليس لدينا القدرة على التنقيب ونحن الأقدر على فهم طبيعة وتاريخ بلادنا؟ ‏

ـ الإمكانات العامة للبعثات الوطنية والمشتركة كانت قليلة وضعيفة خلال السنوات الماضية وقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بجهود لدعم هذه البعثات وقدمت الأموال بشكل مباشر في السنتين الماضيتين، ولكن الحاجة ضرورية لتطوير هذا الدعم في عدد من المحاور وخاصة تأهيل الكوادر الأثرية والفنية من المتخرجين والقيام بدورات تدريبية بعد أن يتم توظيف الأوائل منهم في المديرية العامة، وبدأت المديرية بوضع المنشورات العلمية لكي تعّرف بشكل واسع المكتشفات الأثرية المهمة ولتأهيل الكادر بشكل علمي صحيح ورفد البعثات الوطنية بهذا الكادر المؤهل. ‏

وقد تشكلت بعثات وطنية متكاملة بعدد من الاختصاصات المتنوعة كما في سهل جبلة، حيث تقوم البعثات الوطنية بأعمال التنقيب بمفردها بمواقع مثل تل سيانو تل إيريس والمصيطبة وجبلة القديمة والنتائج التي تعطيها مشجعة جداً وأغلب عناصر تلك البعثات من المتخرجين والكادر الشاب من الجامعات السورية. ‏

ہ ما عدد البعثات التنقيبية في سورية؟ ‏

ـ تجاوز عدد البعثات التنقيبية خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من 140 بعثة، عملت في مناطق مختلفة في أعمال التنقيب أو المسوحات والدراسات الأثرية. ‏

عاطف عفيف

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...