الأحلام الإسرائيلية في مهبّ الرياح السورية
هنا وبعد انتهاء الحلم الإسرائيلي بإقامة منطقة عازلة، وبعد القناعة الإسرائيلية بأن النصر السوري صار أمراً واقعاً، وفي ظلّ عدّة أمور أخرى بدأت إسرائيل تعيش حالاً من الرعب، ولعلَّ أوّل هذه الأمور هو سياسة الصمت المُطبق التي تمارسها القيادة السورية حيال مسألة فكّ الاشتباك، التي دأب المُحلّلون والخبراء الإسرائيليون ومن دون جدوى على رمي فقاعات إعلامية علّها تستدرج ردّاً سورياً يكشف النوايا المًستترة.
كما كان دخول الحرب على سوريا من بابها الجنوبي فإن خروجها سيكون من نفس الباب، وهذا لا يقضي بأنَّ الحرب قد انتهت، ولكن يُفيد بأن أكبر أبوابها هو قيد الإغلاق، وما تبقّى فلا يُعدّ إلّا نوافذ سيتمّ التعامل معها بسرعة وبسهولة وبذات الخطّين المتوازيين” النار والتفاوض”، فملخّص الأيّام الأخيرة في الشرق والشمال الشرقي السوري، هو أن مَن فتح نوافذ للتدخّل الأميركي قد بدأ هو نفسه بإغلاقها، بعد أن سمع من واشنطن سرّاً ما سمعته الفصائل المسلحة الجنوبية في العلن.
إذا نظرنا إلى الجنوب السوري الذي كان يمثّل خطّاً أميركياً أحمراً، نرى أن واشنطن تراجعت سريعاً عن هذا الموقف بشكل علنيّ وأبلغت الفصائل المسلّحة بألّا تنتظر دعماً منها، بينما كانت تعمل على التقليل من تبعات التقدّم السوري في الجنوب قدر الإمكان، وذلك بالتواصل المباشر مع روسيا حيناً، وبتسريب نواياها في الانسحاب من المنطقة حيناً آخر، ويبدو أنها قد قامت بدفع إسرائيل لكي تستجدي من روسيا ما يمكن استجداؤه، ولهذا بدت الزيارة الأخيرة من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي لروسيا مختلفة بعض الشيء عن زياراته السابقة، ويبدو أن الطلب هذا المرة ليس عدم تزويد سوريا بمضادّات جوية متطوّرة وليس إبعاد حزب الله والإيرانيين عن حدود فلسطين الشماليّة، بل بأن يعمل الرئيس الروسي على إقناع القيادة السوريّة بالعودة للعمل بمعاهدة فكّ الاشتباك الموقّعة عام 1974، هذه المعاهدة التي نسفتها إسرائيل من جذورها وبكل مراحل الحرب على سوريا، وخاصّة عندما ركّبت بالتعاون مع المجموعات المسلّحة مسرحية اختطاف عناصر الأمم المتحدة المُكلّفين بمراقبة تطبيق معاهدة فكّ الاشتباك، وبطبيعة الحال لم يكن هؤلاء العناصر ومرجعيتهم في الأمم المتّحدة إلا جزءاً من هذه المسرحيّة.
هنا وبعد انتهاء الحلم الإسرائيلي بإقامة منطقة عازلة، وبعد القناعة الإسرائيلية بأن النصر السوري صار أمراً واقعاً، وفي ظلّ عدّة أمور أخرى بدأت إسرائيل تعيش حالاً من الرعب، ولعلَّ أوّل هذه الأمور هو سياسة الصمت المُطبق التي تمارسها القيادة السورية حيال مسألة فكّ الاشتباك، التي دأب المُحلّلون والخبراء الإسرائيليون ومن دون جدوى على رمي فقاعات إعلامية علّها تستدرج ردّاً سورياً يكشف النوايا المًستترة. والأمر الأهم هو أن الحشود السورية الضخمة لخوض هذه المعركة، توحي بأن القيادة السورية وضعت ضمن خططها احتمال التدخّل الإسرائيلي لمساعدة المجموعات المسلّحة، ما سيكون سبباً في مواجهة سورية – إسرائيلية شاملة تبدو سوريا ومحورها مستعدين لها.
حال الرعب هذه عكستها تصريحات العديد من القادة الإسرائيليين، بأن الحشود السورية في المنطقة الجنوبية هي إعلان حرب لأنها تساوي ثلاثة أضعاف عدد القوات اللازمة لتحرير هذه المناطق، كما عكستها حال الاستنفار الإسرائيلي ونقل عناصر جبهة النصرة إلى ريف القنيطرة لكي يشكّلوا سدّاً أمام تقدّم الجيش السوري. وهنا جاء تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخّراً بأن أيّ جندي سوري يدخل منطقة فكّ الاشتباك ستكون حياته مهدّدة بالخطر.
في هذه المرحلة وفي ظلّ الفائض البشري والمادّي والخبرة القتالية العالية للجيش السوري، وفي ظلّ الانهيار الكامل في صفوف المجموعات المسلّحة وداعميها، يستبعد أن تترك القيادة السورية منطقة الجنوب لتكون جرحاً مُلتهباً في ظهر جيشها وتتوجّه لتحرير مناطق أخرى سواء كان ذلك شمالاً أو شرقاً، فالجنوب السوري حتى خط وقف إطلاق النار، هو أولوية سورية رغم التصريحات الإسرائيلية ورغم الدعم غير المحدود للفصائل المسلّحة، ورغم الاعتداءات الإسرائيلية التي قد تتواصل حتى انتهاء الجيش السوري من تحرير كامل هذه المنطقة. وبكل الأحوال فالإسرائيليون يتوقّعون ما يتمنّون، وسوريا تعمل على ما تتمنّى، وإن غداً لناظره قريب.
الميادين - غسان الاستانبولي
إضافة تعليق جديد