الأردن في مرمى نيران الإرهابيين:عمل منظّم.. أم ذئاب منفردة؟
يجمع كل المحللين والمتابعين في الأردن على خطورة انتقاء إرهابيين فجر أمس لمكان عمليتهم، وهو مكتب المخابرات العامة على مدخل مخيم البقعة، فالمكتب خارج حدود المخيم، أحد أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني في الأردن، وذلك في مستهل شهر رمضان.
وعندما يتقصد تنظيم «داعش» الأردن، فإنه يسعى لزعزعة أمنه عبر خلق فتنة على قاعدة التمييز بين الأردني والفلسطيني، وليس على قاعدة المذهب او الطائفة.
وقتل خمسة من عناصر المخابرات الأردنية في «هجوم إرهابي» على مكتب تابع لدائرتهم شمال عمان أمس. وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام المتحدث باسم الحكومة محمد المومني «تعرض مكتب للمخابرات في مخيم البقعة لهجوم إرهابي دنيء، ما أدى إلى مقتل خمسة من رجال المخابرات». وذكر التلفزيون الاردني انه تم توقيف مشتبه به في العملية.
وحتى اللحظة لم يتم الإعلان عن الجماعة التي ينتمي إليها من نفذ العملية، لكن رمزية المكان تزيد من احتمالية أن يكون المنفذ أحد أتباع «داعش» في الأردن. وعندما نستذكر أحداث مخيم إربد، التي مضى عليها ثلاثة أشهر فقط، يتوجب السؤال، هل بدأت التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» التربص بالأردن، وها هي تطلق نيرانها لتفتيت بنيته الاجتماعية وزعزعة أمنه عبر الفتنة؟
ورغم تتابع المعلومات الأمنية بشكل بطيء من الحكومة والأجهزة الأمنية في الأردن، فإنه لم يظهر حتى اللحظة عدد منفذي العملية ولا كيفية الهجوم، إلا أن الخبير العسكري اللواء المتقاعد فايز الدويري يميل، إلى اعتبار أن منفذي العملية هم ذئاب منفردة، أي أنهم أفراد محسوبون على الطيف الراديكالي ويقومون بالعمليات بقرار شخصي من دون العودة إلى مرجعية أعلى. أي لم يتم التخطيط للعمل من التنظيمات العليا في الجماعات الإرهابية سواء أكانت «داعش» أو غيرها. ويذكّر برسالة المتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني، قبل أسابيع، الى أنصار التنظيم لشن هجمات على الولايات المتحدة وأوروبا خلال شهر رمضان، مضيفاً أن هذا العمل قد يكون ارتداداً لما حدث في اربد.
«تنظيم داعش لا يستهدف الأردن» يدافع الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية عن تلك الفرضية، قائلا «في النهاية فإن داعش تمكن من تنظيم عمليات بدرجة عالية من الدقة في بروكسل وفرنسا، والسياق العملياتي للتنظيم يجعلنا نضع العملية في سياقها الطبيعي، فهي ليست أكثر من خلايا نائمة أو ذئاب منفردة استجابت لرسالة العدناني».
لكن ما سبق لا يقلل من خطورة هذه العملية، من وجهة نظره، فهي تشير الى أن هناك أفراداً تلقوا تدريباً جيداً، نفذوا العملية ولاذوا بالفرار، واختاروا مكاناً حساسا وتوقيتاً دقيقا، وهو قبيل السابعة صباحاً، ما يشير إلى أن المنفذين محترفون وليسوا هواة.
إن أردنا توصيف الحدث الذي آلم الأردنيين، فهو جرح مُحتّم استهدف مكتباً للمخابرات العامة. لكن كيف سيترك أثره على نسيج هذا المجتمع المكون من شرق أردنيين وأردنيين من أصول فلسطينية؟
«في هذا الحادث محاولة لخلق فتنة بين الأردني والفلسطيني في البلد، فغالباً الضحايا هم أردنيون»، بذلك يبدأ المحلل السياسي رئيس تحرير صحيفة «المجد» الأسبوعية فهد الريماوي حديثه، موضحاً أن المسؤولين في الدولة يعون أن «داعش» يتربص بالأردن من هذه الزاوية، لكن الخوف من الناس وتعاطيهم مع المسألة ونظرتهم للأمور.
صحيح أن ثمة فارقا بين عملية اربد وعملية مكتب مخابرات مخيم البقعة، ففي اربد كان الأمن الأردني هو المباغت والمسيطر، لكن في ما حدث في مكتب المخابرات في مخيم البقعة، فإن الإرهابيين هم الذين باغتوا، لكن أبو هنية يشير لفكرة يريد أتباع التنظيمات الإرهابية تكريسها من خلال العمليتين، وهي أن الضحايا أردنيون، بينما المشتبه بهم فلسطينيون. وهنا تكمن خطورة الهجوم من وجهة نظره.
على ارض العمليات، هذا ما تود التنظيمات الإرهابية تثبيته، لكن على ارض الواقع، يُذكّر الدويري بأن البيئة الاجتماعية الحاضنة للأفكار المتطرفة موجودة في السلط، وفي معان وفي الزرقاء وفي إربد وفي المخيم، وهي لا تقتصر على المخيم الفلسطيني وحده.
لا يمكن نفي صحة كلام الدويري بأن البيئة الحاضنة للتطرف لا تقتصر على المخيمات في الأردن وحسب، بل هي موجودة في كل مكان، وبالتالي فالفلسطيني ليس وحده المتهم بالتطرف، لكن الريماوي يميل لتوصيف المخيمات الفلسطينية، سواء في لبنان أو الأردن، بأنها قد «أطالت ذقنها». ومن المعلوم أن المخيمات، كما مجتمعاتنا العربية، قبل عشرات السنين لم تعرف الذقن (بمفهومه الراديكالي) أو «الدشداشة» (بمفهومها الراديكالي أيضاً)، ولا النقاب، وكان الدين بالنسبة لها، كما الجميع وسيلة تقرب إلى الخالق، بينما كان العمل الوطني العلماني هو وسيلة استعادة الوطن، فما الذي جرى؟
يجيب الريماوي «منذ ضربت منظمة التحرير، وتم اختزالها في السلطة الفلسطينية، وذهب المفاوضون إلى أوسلو، تُرِكَ الناس، لأن صوت التنظيمات الفلسطينية العلمانية قد خَفَت في المخيم، وبدأت النزعة الوطنية في المخيمات تُسلم نفسها إلى النزعة الدينية، وبالتالي أصبح الناس في المخيم فريسة سهلة في يد التنظيمات الوهابية والداعشية المتطرفة».
وقال النائب السابق محمود الخرابشة، الذي زار موقع الهجوم لوكالة «فرانس برس»، إن «هذا الحادث الإرهابي يدل على محاولات بائسة من تنظيمات إرهابية لتنفيذ عمليات على الأرض الأردنية». وأضاف إن «اختيار مخيم البقعة دلالة كبيرة على محاولتهم إحداث فتنة في هذا البلد، لكن شعبنا يقف بالمرصاد لهذه المحاولات الإرهابية».
وأشار إلى أن «ما حدث أمر متوقع لا يجب تضخيمه، فالأردن يقع في عين العاصفة في منطقة ملتهبة وحدوده طويلة مع سوريا والعراق».
رانية الجعبري
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد