الأزمة السورية تعيد تسخين الحرب الباردة
الجمل ـ باسل محمد يونس: لا شك أن العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي في المنطقة و المتمثل في الانسحاب الأمريكي من العراق، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة كحاجة أميركية، قبل وأثناء فترة الانسحاب، خصوصاً أن الولايات المتحدة ستكون بعد فترة مشغولة بالتحضير للانتخابات الرئاسية الأميركية وبتداعيات الأزمة الاقتصادية.
كثر الحديث في هذه الفترة عن حقيقة الموقف الروسي ولأي مدى يمكن أن يصل في دعم سورية؟ والأهم ما الذي يدفع موسكو لاتخاذ هكذا موقف؟ هل هو مجرد المصالح بين تحالف بين الدول أم أن الموضوع أكبر من ذلك ليصل إلى درجة أمن قومي روسي؟ ما هي القراءات و التحليلات لدى موسكو ومن أي منظار تتعامل مع الأزمة السورية؟
الرهان الأميركي على تخلي الحليفين الروسي والإيراني عن النظام السوري هو رهان خاطئ كون سوريا أصبحت مفتاح التحولات في منطقة الشرق الأوسط، إيران تدرك أنها مستهدفة من خلال سوريا، أما روسيا، التي تمنحها سوريا إمكانية العبور إلى الشرق الأوسط، أزماته وثرواته، وفرصة إيجاد تعددية قطبية في ظل تراجع مشروع الهيمنة أو الأحادية الأميركية، لذلك موسكو لا تريد خسارة ورقتها السورية التي تسمح لها بالإطلالة على البحر المتوسط والذي يشكل رافعة إستراتيجية لمعابر النفط والغاز.
من هنا أتى الموقف الروسي الذي يمكن وصفه بأنه يتحرك وفق ذهنية أمن قومي داخلي خاص به، بمعنى إذا سقط الحليف السوري وبالأخص في هذه المنطقة الجغرافية فهو سينعكس سلباً على الوضع الروسي الداخلي.
الأمر لم يعد سراً بأن جزء من المخططات الغربية، واشنطن وأوروبا، على الفيدرالية الروسية "التي تضم تسع جمهوريات إسلامية"، هو في تنصيب تركيا وجعلها رأس الحربة في هذا المشروع، كي تلعب هذا الدور أي بمعنى أن الغرب يقول للأتراك "يا تركيا لا أمل لك في الانضمام إلى أوروبا. عليك الدخول إلى هذا الشرق ولعب هذا الدور لصالحنا ولصالحك في شرق آسيا وشرق البحر المتوسط وبالتالي من هذا المنطلق أو التحليل يفكر الروسي بأن تركيا لا يجب أن تنتصر في هذه المعركة خوفاً على الفيدرالية الروسية وحماية لها.
هذا الترابط في النقاط الأساسية والمشتركة بين الدور التركي والأطلسي في المنطقة، يدفع الروس للاستنتاج بأنه إذا تم إيذاء سوريا فسوف يكون إيذاء مباشر لروسيا ومن ثم الصين... وهو ترابط أخطر من المصالح، فاذا حسمت المعركه حسمت باسم الأطلسي و تركيا ... و الدور بعدها سيكون الى آسيا الوسطى و الجمهوريات السوفيتيية الاسلامية... الموضوع أبعد من المصالح بين الدول وله علاقة مباشرة بتهديد الأمن القومي الروسي في العمق مباشرة لأنه يمثل خطر على روسيا عبر نقل الحركة الاسلامية الاخوانية الى حدودها والى داخلها بنفس منطق الحركة الاسلامية في الربيع العربي والذي ان انتصر كليا ؟ فستتولى تركيا اكماله في روسيا نيابة عن الأمريكيين.
من هذا المنطق أو التحليل، أتت المواقف الروسية المتشددة لمصلحة سوريا، والتي أعقبت أيضاً الفيتو في مجلس الأمن، والتي تؤكد على وجود مقاربة روسية جديدة ومختلفة عما مضى... صانع القرار في موسكو معنيّ بالدفاع عن سوريا، ولن تكفيه في مرحلة التراجع الأميركي حصة افتراضية في واقع افتراضي يراد أن يتحقق أميريكياً في الساحة السورية، لمرحلة ما بعد الخروج من العراق، بكل ما ينطوي عليه من معانٍ وأبعاد وتداعيات استراتيجية في المنطقة.
عملية الكباش هذه سوف تؤدي لعودة اكيدة للحرب الباردة، أو العودة إلى المواجهة على ارض الخصم الاستراتيجية... وهذا ما يبرر توجه عددا من السفن الحربية الروسية باتجاه المتوسط لتعزيز قاعدتها العسكرية في طرطوس، بحيث يبدو أيضاً ان لهذه القاعدة حسابات لا يمكن أن تلتقي مع التي تؤسس لها واشنطن، وهذا ما يعزز الحرب الباردة المفتوحة على الاحتمالات كافة، بما فيها أي تسوية محتملة. واشنطن ترفض حتى الساعة اية مواجهة عسكرية خارج حدود اراضيها، وذلك انطلاقا من حسابات سياسية واقتصادية دقيقة وحساسة.
لسان حال الروس يقول: بأن هناك حصار تحاول واشنطن ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى. فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أميركية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل نصف قرن. لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة. ثم لدينا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط. لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسوريا. ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سوريا الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية.
روسيا تعتبر سوريا منطقة إستراتيجية، ولذلك ترغب في زيادة نفوذها فيها من خلال توسيع قاعدتها البحرية، فهي تشعر بالقلق والاستفزاز وتهديد لها بما يحصل من نشر رادارات الدرع الصاروخي الأطلسي في كل من تركيا وبولندا، لذلك لن تتخلى عن منطقة نفوذها في المنطقة كونه يهدد مصالحها ويعزلها ويؤثر على اقتصادها ومجالها الجيوسياسي. وهنا تبرز أهمية دور موقع سوريا الجغرافي وكلاعب كبير في السياسات الإقليمية والدولية وهى أوراق مهمة وقويه تعتمد عليها سوريا في مساومتها مع الغرب. لكن هل سنشاهد ضغوط دوليه على روسيا وعقد صفقات وإغراءات لتغير موقفها؟
إضافة تعليق جديد