الاجتماع الأمني العراقي ولعبة تبادل الاتهامات
الجمل: أدت التفجيرات التي وقعت مؤخراًَ في العاصمة العراقية بغداد إلى سقوط مئات القتلى الجرحى, وقد سارع هذه المرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى التعامل بشكل مختلف مع الحدث, بحيث لم يسعى إلى توجيه الاتهامات المباشرة ضد أطراف خارجية بعينها, فما هي خلفيات موقف نوري المالكي؟ وما هي محفزاته, وهل لمشهد رد الفعل الرسمي العراقي الجديد جانب آخر غير معلن؟
* معالم رد الفعل الرسمي العراقي الجديد:
لاحظنا خلال التفجيرات الماضية, أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وكبار رموز حكومته, يسعون على عجل لجهة توجبه أصابع الاتهام للأطراف الخارجية, وضمن سياق يتميز بقدرٍ كبير من الانتقائية, وقد درجت هذه الانتقادات إلى السعي من أجل استهداف خصوم أمريكا, والذين هم بالضرورة خصوم إسرائيل في المنطقة, ولا حاجة بنا إلى أن نشير إلى الانسجام النوعي والكمي الذي تميزت به التصريحات الأمريكية والعراقية الرسمية, و التي سبق وأن حاولت تحميل سوريا المسؤولية عن تدهور الأوضاع الأمنية في العراق.
أكدت التقارير بأن رد فعل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي, قد تضمن الخطوط والمعطيات الآتية:
• توجيه بيان للشعب العراقي.
• توصيف المسؤولين عن الانفجارات على أساس اعتبارات أنهم يمثلون عدواً مدرباً ومزوداً بالإمكانيات والموارد والسند الخارجي.
• تحميل بعض الأطراف الداخلية مسؤولية التقصير, وبالذات الجهات المعنية بالملفات الأمنية.
• المطالبة بالمصادقة على تنفيذ أحكام الإعدام بحق الذين تمت إدانتهم بارتكاب العمليات المسلحة وأعمال العنف.
هذا وأشارت التقارير إلى أن بعض أعضاء البرلمان العراقي قد وجهوا المزيد من الانتقادات لقيادات الأجهزة الأمنية, والقيادات التنفيذية المعنية بالشأن الأمني العراقي, وعلى هذه الخلفية أشارت التقارير إلى أن رئيس الوزراء نوري المالكي, قد قرر عقد اجتماع طارئ موسع مع وزير الدفاع, ووزير الداخلية, إضافةً إلى قادة ورؤساء الأجهزة الأمنية العراقية.
* الاجتماع الأمني العراقي: هل من خارطة طريق أمنية جديدة؟
تتميز الأزمات الأمنية بأدائها السلوكي الضاغط, وتأسيساً على ذلك, فإن التعامل مع الأزمات الأمنية, يتطلب أولاً, وقبل كل شيء القيام بالمهمات الآتية:
• التعرف بشكل دقيق على القوى الصانعة للأزمة, فهل يا ترى سوف تسعى السلطات العراقية إلى التعرف بشكل صحيح .. أم إلى اعتماد الشكل المغلوط الذي ظلت تستخدمه والقائم على معطيات لعبة "إلقاء اللوم" ذات الطابع الانتقائي المتحيز كما حدث في تعامل هذه السلطات مع أزمة انفجارات شهر آب "أغسطس" 2009م الماضي.
• تحديد كيفية التعامل مع القوى الصانعة للأزمة, وفق الخيارات التي لا تخرج عن ثلاثة: التهدئة-التصعيد-الإبقاء على الوضع القائم.
ومن الواضح أن لكل واحد من هذه الخيارات ثمنه الباهظ التكلفة, والذي يتوجب على السلطات العراقية, التعامل معه بمصداقية وشفافية.
المشكلة الرئيسية التي سوف تواجه عملية التعامل مع أزمة الانفجارات والعنف السياسي الدامي العراقي, تتمثل معطياتها في الآتي:
• وجود واشنطن كلاعب رئيسي مسيطر على العملية السياسية العراقية.
• وجود الحكومة العراقية كلاعب ثانوي يقوم بدور الواجهة السياسية.
• وجود المنطقة الخضراء العراقية, كمنطقة لإدارة "الشراكة السياسية الأمريكية-العراقية".
هذا وإزاء هذه المعطيات, فهل يا ترى سوف تتعامل السلطات العراقية مع أزمة التفجيرات بواقعية باعتبارها أحد مكونات الأزمة الأمنية العراقية الشاملة الناشئة بسبب استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق أم بـ(مثالية)باعتبارها أزمة تم تصديرها بواسطة دول الجوار؟
* جدلية العلاقة بين متغير الأزمة الأمنية العراقية ومتغير الاحتلال الأمريكي:
تعتبر العلاقة الارتباطية بين "متغير" الأزمة الأمنية العراقية, "ومتغير" الاحتلال الأمريكي بمثابة المحفز الأساسي لكل التدهور السائد في العراق, وما هو لافت للنظر أن حكومة نوري المالكي تتفادى الاعتراف بهذه العلاقة الارتباطية, وبدلاً عن ذلك, فإن هذه الحكومة ظلت تسعى دائماً إلى استخدام لعبة "إلقاء اللوم" إما على خصومها العراقيين أو على الأطراف الخارجية, وتحديداً دول الجوار العراقي, وقد كان "نصيب سوريا" كبيراً خلال الفترة الماضية في لعبة التحامل المصنوع ضدها بواسطة رموز المنطقة الخضراء العراقية.
تمثل العلاقة الارتباطية المشار إليها "الحلقة المفقودة" في الإدراك السياسي الأمني الوطني العراقي, وتفادياً لذلك, فإنه يتوجب هذه المرة على حكومة نوري المالكي العراقية, أن تثبت مصداقيتها أمام الرأي العام العراقي والعربي والعالمي, عن طريق اعتماد الخطوات الصحيحة, والتي تبدأ أولاً وقبل كل شيء بـ(الاعتراف) بأن الاحتلال الأمريكي هو السبب الرئيسي المباشر في تدهور الأوضاع الأمنية العراقية.. وليس هو دول الجوار العراقي.. وأيضاً ليس هو المقاومة العراقية, طالما أنها مقاومة تمارس حقها الذي كفله لها القانون الدولي في اللجوء لاستخدام كل ما هو متاح وممكن من أجل القضاء على الاحتلال الأمريكي للتراب الوطني العراقي, فهل يا ترى سوف يسعى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى التفاهم والتنسيق في اجتماعه الطارئ مع وزير الدفاع ووزير الداخلية وقادة ورؤساء الأجهزة الأمنية إلى خيار إلقاء اللوم على الاحتلال الأمريكي باعتباره السبب الرئيسي.. أم على دول الجوار العراقي باعتبارها المسؤول الرئيسي.. أم على خصومه العراقيين.. العازمين على خوض غمار المنافسة الانتخابية العراقية ضده, والتي كلما اقترب موعدها, كلما تم تأجيلها, بما جعل الرأي العام العراقي والعالمي ينظر بالكثير من الشكوك و اللا يقين إلى الانتخابات العراقية, باعتبارها"قادمة" و"غير قادمة"..في آنٍ معاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد