التخمين الاستخباري الدوري لمستقبل الأمن القومي الإسرائيلي:وصف وتحليل
الجمل: نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التخمين الاستخباري الدوري ويكتسب هذا التقرير أهميته لجهة أنه يرصد ويحلل المؤشرات الاستراتيجية الهامة بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي وبرغم أن معظم التخمينات الاستراتيجية التي سبق أن أصدرها المعهد تركز على موضوع محوري واحد فإن هذا التقرير يتصدى بالرصد والتحليل للعديد من المواضيع وهو أمر يحمل حد ذاته مؤشراً يفيد لجهة أن ملفات انشغالات الأمن القومي الإسرائيلي أصبح أكثر تنوعاً وتعقيداً.
* توصيف التخمين الاستراتيجي:
يقع التخمين الاستراتيجي في 109 صفحات من القطع المتوسط ويمكن الإشارة إلى محتوياته على النحو الآتي:
• التجريد (ملخص تنفيذي).
• التشريع النووي الإسرائيلي: الخبير أفنير كوهين.
• الحرب – الأحلاف – العلاقات العامة: اقتراحات للتحسين: الخبير رون بارت.
• استراتيجية إسرائيل في الانسحاب من طرف واحد: الخبير شموئيل إيفين.
• وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية: تخمين الموقف 2008-2009: الخبير عيران إتزيون.
• انعكاس في علاقات إسرائيل – الاتحاد الأوروبي: الخبير عوديد عيران.
• إسرائيل ومصر: ما الخطأ؟ الخبير شلومو غازين.
• سوريا ومقاومة إسرائيل: الخبير إيعال تزيسر.
• الصفائح الزلزالية المتقلبة: افتراضات أساسية حول مراجعة عملية السلام.
يتم الإشراف وإخضاع محتويات التخمين الاستخباري الاستراتيجي بواسطة نخبة من كبار الخبراء الإسرائيليين المعنيين بالشؤون السياسية وشؤون الأمن والدفاع والمخابرات ومن أبرزهم: عوديد عيران – إيهودا بن مائير – جوديث روزين – دان ميريدور – وغيرهم.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن التخمين الاستراتيجي السابق الذي أصدره معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي كان ينصب على عملية "الرصاص المسكوب" التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة.
* المحتوى التحليلي للتخمين الاستراتيجي:
جاءت طريقة ترتيب مكونات المحتوى التحليلي الخاص بالتخمين الاستراتيجي بما يعكس مكانتها الحالية ضمن جدول أعمال اهتمامات الاستراتيجية الإسرائيلية وعلى خلفية ذلك يمكن استعراض هذه المحتويات على النحو الآتي:
• التشريع النووي الإسرائيلي: يقول الخبير أفنير كوهين بأن السياسة النووية الإسرائيلية تمثل أحد أهم مكونات وعناصر السياسة الأمنية الإسرائيلية إضافة إلى أنها تتمتع بالإجماع والدعم الشعبي الكبير الذي يصل إلى حد الإجماع ويقول كوهين أن السياسة النووية الإسرائيلية يطلق عليها الإسرائيليون سياسة التعتيم النووي لأن التعتيم في حد ذاته يمثل جانباً مهماً في المذهبية النووية الإسرائيلية وحتى الآن ما تزال إسرائيل أكثر التزاماً لجهة التمسك بمبدأ عدم الإفصاح وعدم الشفافية في قدراتها النووية على النحو الذي يتضمن الجمع بين الجانبين: عدم التأكيد وعدم الإنكار. ويطالب الخبير كوهين بالتخلي عن سياسة التعتيم النووي طالما أن امتلاك إسرائيل للقدرات النووية أمر معروف للجميع ويشير كوهين إلى أن قيام إسرائيل باعتماد التأكيد والإفصاح النووي يتيح للإسرائيليين الفرص التالية:
- الحصول على اعتراف الأمر الواقع بإسرائيل دولة نووية.
- إصدار القوانين والتشريعات التي تتيح دمج لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية في القوام المؤسساتي الإسرائيلي.
إضافة لذلك فقد لمح الخبير كوهين إلى ضرورة إصدار التشريعات والقوانين التي تضفي الطابع المؤسسي للقدرات النووية الإسرائيلية بما يعزز قدرة الإسرائيليين في رفع أي محاولات محتملة لإرغام إسرائيل على تفكيك قدراتها النووية.
• الحرب – الأحلاف – العلاقات العامة: اقتراحات للتحسين: يقول الخبير رون بارت أنه برغم صدور العديد من الإجراءات والترتيبات الحمائية التي وضعها الجيش الإسرائيلي وأوقعت عدداً كبيراً من الضحايا الفلسطينيين بالاعتماد على ذريعة الدفاع عن النفس، فإن إسرائيل لم تشهد حتى الآن حواراً عاماً حقيقياً حول مدى أخلاقية ما حدث بواسطة القوات الإسرائيلية في قطاع غزة وما يمكن أن يحدث مثله في بقية المناطق. ويطالب بارت بضرورة إجراء حوار إسرائيلي – إسرائيلي وحوار إسرائيلي مع حلفاء إسرائيل لتوضيح مشروعية قيام إسرائيل بالدفاع عن نفسها بغض النظر عن حجم الضحايا قائلاً بأنه يتوجب على الحكومة الإسرائيلية القيام بتحديد الموجهات والخطوط العامة التي تدعم وجهة النظر الإسرائيلية وفقاً للآتي:
- صياغة الأسس القانونية والتشريعية التي تعطي إسرائيل حق القيام بالدفاع عن النفس دون الأخذ في الاعتبار ما يمكن أن يترتب على ذلك من ضحايا.
- صياغة خطوط ومكونات عناصر العلاقات العامة الإسرائيلية مع حلفاء إسرائيل والمؤسسات والمنظمات والإعلام والصحافة بما يتيح لإسرائيل استخدام الخطاب السياسي والتسويق السياسي الاستباقي المناسب لحماية صورة إسرائيل الرمزية.
ويخلص بارت إلى أن نجاح إسرائيل في إضفاء الطابع الأخلاقي على حقها في الدفاع عن نفسها بغض النظر عن حجم الضحايا سيتيح لها تقليل الأضرار والمخاطر السياسية والإعلامية التي ظلت إسرائيل تواجهها كلما قامت بعملية عسكرية في المنطقة.
• استراتيجية إسرائيل في الانسحاب من طرف واحد: يقول الخبير شموئيل إيفين أن إسرائيل انتهجت استراتيجية الانسحاب من طرف واحد عندما وجدت أنه من المستحيل التوصل إلى الحل السياسي الملائم وأشار إلى أن الأطراف الإسرائيلية التي قامت باعتماد مبدأ الانسحاب من طرف واحد قد قدمت المبررات والذرائع التي دفعتها إلى سحب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000 ومن قطاع غزة عام 2005 ويؤكد إيفين أن النتائج التي ظهرت حالياً تؤكد صواب من عارضوا استراتيجية الانسحاب من طرف واحد حينما تم تطبيقها ويضيف شموئيل أن الوقائع الجارية حالياً إضافة إلى النتائج الماثلة جميعها تؤكد على ضرورة عدم قيام إسرائيل بأي عملية انسحاب من طرف واحد وبأن أي انسحاب إسرائيل يجب أن يتم فقط في حالة التوصل إلى اتفاق سلام يتناسب مع المصالح الإسرائيلية البعيدة المدى.
• وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية: تخمين موقف عام 2008 – 2009: يقول الخبير عيران إتزيون أن وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية اعتمدت لأول مرة في تاريخها القيام بإعداد تخمين الموقف الاستراتيجي السياسي الواسع النطاق ويشير إلى أن التخمين يهدف إلى الآتي:
- تعزيز التوجهات المحلية والإقليمية والدولية.
- تخمين مدى أهمية التوجهات المحلية والإقليمية والدولية.
- صياغة توصيات السياسة الخارجية.
ويضيف عيران قائلاً بضرورة التركيز على تكامل جهود السياسة الخارجية الإسرائيلية إضافة إلى دعم الإسناد المتبادل بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية الإسرائيلية.
• انعكاس في علاقات إسرائيل – الاتحاد الأوروبي: يقول الخبير عوديد عيران بأن مطلع عام 2009 الحالي قد شهد نهاية النمو الإيجابي في علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي ويضيف قائلاً أن عملية "الرصاص المسكوب" التي نفذتها القوات الإسرائيلية ضد قطاع غزة كانت هي السبب الرئيس لجهة تدهور علاقات إسرائيل مع الاتحاد الأوروبي. وأكد عيران أن تدهور هذه العلاقات أصبح يشكل خطراً كبيراً بسبب قيام الاتحاد الأوروبي بتبني سياسة تؤكد على ربط تحسن علاقته مع إسرائيل بتحقيق التقدم في العملية السياسية الجارية بين إسرائيل وجيرانها إضافة إلى ضرورة أن تتراجع حكومة نتينياهو عن ترددها إزاء التأكيد علناً عن تأييدها لحل الدولتين وخلص الخبير الإسرائيلي إلى أن مواقف الاتحاد الأوروبي الحالية تتطلب قيام إسرائيل بإطلاق حملة دبلوماسية واسعة النطاق تستهدف حث الدول الأوروبية على ضرورة عدم الربط بين العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية وعلاقات إسرائيل مع جيرانها.
• إسرائيل ومصر: ما الخطأ: يقول الخبير شلومو غازين أن اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية التي تم توقيعها عام 1979 أدت إلى الآتي:
- برغم التفاؤل الإسرائيلي – الأمريكي بأن تكون الاتفاقية مدخلاً للسلام الشامل فإن شيئاً من ذلك لم يحدث برغم مرور ثلاثين عاماً.
- السبب الرئيس في عدم النجاح في قيام الاتفاقية بإحداث تحول جذري في علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب هو سبب ما زال ماثلاً ويتوجب وضعه موضع البحث والتدقيق والدراسة الفاحصة.
- يجب الاعتراف بأن الاتفاقية ومنذ لحظتها الأولى لم تسع لأن تقدم لإسرائيل شيئاً سوى السلام البارد وحالة اللاحرب.
- النقطة الإيجابية التي حققتها الاتفاقية هي الحفاظ على تفوق إسرائيل في صيغة توازن القوى ولولا اتفاقية كامب ديفيد لما نجحت إسرائيل في تحقيق ذلك.برغم حالة السلام البارد بين مصر وإسرائيل فإنه لا توجد حتى الآن أطراف مصرية ساعية بجدية وقوة من أجل إلغاء الاتفاقية.
إضافة لذلك، فقد لمح غازين قائلاً أن على الإسرائيليين التدقيق أكثر فأكثر باتجاه تجديد التطبيع الذي يرغبون في تحقيقه مع العرب وفقاً للشروط الإسرائيلية وليس الشروط العربية.
سوريا ومقاومة إسرائيل: يقول الخبير إيعال تزيسر بأن سوريا اختارت على مدى سياسة عدم الاستجابة لمحاولات إسرائيل استدراج سوريا إلى المواجهة المباشرة ويضيف تزيسر قائلاً أن دمشق طبقت الآتي:
- استراتيجية المقاومة السلبية.
- استراتيجية المقاومة الإيجابية.
ويصف تزيسر أن المقاومة السلبية والإيجابية اللتان طبقتهما دمشق ضد تل أبيب كانتا تتميزان بالفعالية بما أتاح لدمشق الاحتفاظ بموقع الزعامة على العالم العربي وتعزيز القدرة على حرمان إسرائيل من مزايا. إضافة لذلك يلمح تزيسر قائلاً أن سياسة المقاومة السلبية والإيجابية التي طبقتها دمشق قد جعلت من التفوق الإسرائيلي فاقداً للقيمة العملية وعلى وجه الخصوص إزاء المقابلة بين التفوق الكمي السوري كمعادل للتفوق النوعي الإسرائيلي.
• الصفائح الزلزالية المتقلبة: افتراضات أساسية حول مراجعة عملية السلام: يقول الخبير رون تيرا أن إسرائيل سبق أن انتهجت في مطلع التسعينات عملية تهدف إلى تطبيع علاقاتها مع العالم العربي على خلفية الاستفادة من وجود عاملين:
- صعود قوة الولايات المتحدة الأمريكية لجهة الهيمنة والنفوذ على الشرق الأوسط.
- الإدراك الإسرائيلي المتزايد أن صيغة توازن القوى تؤكد بشكل متزايد التفوق الإسرائيلي.
وحاول الخبير رون تيرا اختيار الآتي:
- مدى مصداقية هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط.
- مدى مصداقية وجود صيغة توازن القوى والتي تؤكد تفوق إسرائيل.
وعلى خلفية النتائج التي توصل إليها البحث والتدقيق سعى الخبير تيرا إلى تحديد مدى تأثيرات هيمنة أو عدم هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط وتفوق أو عدم تفوق إسرائيل في صيغة توازن القوى السياسية في إسرائيل. وتأسيساً على ذلك ألمح تيرا إلى ضرورة وضع الخطط السياسية والاستراتيجية الإسرائيلية بما يكفي لمواجهة ومقابلة كل الاحتمالات الممكنة.
وعموماً، تتميز تخمينات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بالحضور القوي في دوائر عملية صنع واتخاذ القرار الاستراتيجي الأمني السياسي العسكري الإسرائيلي، ومن أبرز ما يميز هذه التخمينات هو التركيز على التطورات الجارية فيما يتعلق بتطور الأحداث والوقائع ورصد السيناريوهات المحتملة وإعداد التوصيات لجهة مقابلة كل سيناريو وعلى وجه الخصوص السيناريو الأسوأ وإضافة لذلك نلاحظ سيادة النزعة البراجماتية المتطرفة التي تسعى لاستغلال الفرص بأكبر ما يمكن وتقليل المخاطر بأقل ما يمكن مع التركيز على استراتيجية الهروب للأمام.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد