التسوية الفلسطينية: نكهة إسرائيلية وسرية أميركية
استؤنفت المفاوضات رسمياً بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في مقر وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن تحت إدارة المبعوث الأميركي الخاص لشؤون العملية السلمية مارتين إينديك في تمام الساعة الثالثة بعد ظهر أمس بتوقيت بيروت. وبعد ساعة ونصف الساعة من المحادثات، توجّهت الطواقم الثلاثة إلى البيت الأبيض للاجتماع إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، في أول إشارة إلى ضلوعه في العملية التي قادها وزير خارجيته جون كيري. وعقد مؤتمر صحافي مشترك عرضت فيه مواقف الأطراف ورؤيتها لاستمرار المفاوضات، التي وصفها كيري بـ«البناءة».
واختتم كيري الجولة الأولى من المفاوضات بإعلان تفاؤل الطرفين إزاء استمرار المحادثات والتزام الجميع بإنجاحها. وجاء ذلك في مؤتمر صحافي عقد في أعقاب لقاء رئيسي الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي صائب عريقات وتسيبي ليفني بالرئيس الأميركي باراك أوباما. وصرّح كيري أن أوباما كان قد تحدّث في الربيع الماضي بشدة عن القدرة على تحقيق السلام، وقد قال ذلك «ليس فقط للزعماء وإنما أيضاً للشعبين». وأضاف كيري إن «الرئيس يدعم مساعينا، وأنا ممتنٌّ له على ذلك».
وأشار كيري إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) «أبديا شجاعة كبيرة كي نصل إلى هنا. وأنا شاكر لهما تغلّبهما على اعتباراتهما الداخلية. وأعلم أن الأمر كان صعباً. ولكني مقتنع أنه بجهودهما يمكننا بلوغ الهدف. فللشعبين زعيمان يريدان تغيير التاريخ، وللمفاوضات فرصة أن تنجح. لقد قبل الطرفان مواصلة المفاوضات وسيلتقيان في الأسابيع القريبة، داخل إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية لتطوير الاتصالات بينهما».
وشدد كيري على أن كل المواضيع موضوعة على الطاولة، وأن المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين سيتناولون كل القضايا موضع الخلاف، وقد وافقوا على إدارة المفاوضات بسرية. وأضاف «أنا الوحيد المخول بالحديث عن الطرفين».
ومن جهته، أكد عريقات أن الوقت حان لحل النزاع بعدما عانى الفلسطينيون بما فيه الكفاية. أما تسيبي ليفني فاعتبرت أن الفشل ليس خياراً، وشكرت أوباما وكيري على جهودهما.
وأثار استقبال أوباما للطاقمين الإسرائيلي والفلسطيني اهتمام مراقبين سادت بينهم قناعة بأن الرئيس الأميركي غير واثق من احتمال نجاح مساعي وزير خارجيته، فآثر البقاء بعيداً عنها. إذ كانت هذه هي المرة الأولى منذ أربعة أشهر يمارس فيها أوباما أي دور مباشر على صعيد العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. وكانت قد راجت أنباء تفيد بيأسه من جدوى أي جهود تبذل لتحقيق اختراق على هذا الصعيد لدرجة لم يظهر منه خلالها أي تشجيع لكيري. وقد دعا أوباما الطرفين إلى إبداء نيات طيبة وإبداء العزم والتركيز أثناء المفاوضات. وقال إن استئناف المفاوضات «خطوة تضمن التقدم برغم أن العمل الشاق والقرارات الصعبة قد بدأت فقط».
واستبق أوباما لقاءه الطاقمين الفلسطيني والإسرائيلي بالقول «تولد انطباع لدي عن توق الفلسطينيين والإسرائيليين العميق للسلام أثناء زيارتي إلى المنطقة في آذار الماضي. وأنا أعلم أن المفاوضات ستكون عسيرة، لكن إذا لم نحاول فإن النتائج ستكون أعسر».
وكتبت مراسلة «يديعوت» في واشنطن أورلي أزولاي أن يأس أوباما بلغ حداً أدار فيه ظهره لنتنياهو وعباس إلى أن جاء كيري. وشدّدت على المشكلة التي تواجهها المفاوضات هي أنه «إذا بقي أوباما في وضع الحاضر الغائب، فإن فرص نجاح كيري ضعيفة. الشرق الأوسط يحب الأحداث المثيرة ويفهم جيداً لغة القوة والجبروت، ولذلك ينبغي أن يشعر الجانبان أن جناحي الرئيس تحيط بهما. وإلا فإنهما سيعودان بسرعة فائقة لفعل ما فعلاه على مر السنين: المماطلة». وأوضحت أن السلام لن يتحقق من دون أن يقفز أوباما بنفسه إلى البركة، لأن كيري، برغم نياته الطيبة، يعجز عن فعل ذلك.
وتزامناً مع لقاءات واشنطن، تحدث عباس عن رؤيته للوضع النهائي للعلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية. وقال في لقاء صحافي في القاهرة إن الفلسطينيين لا يريدون في أي حل نهائي رؤية أي إسرائيلي على أراضيهم سواء كان مدنياً أو عسكرياً، مضيفاً إن الجانب الفلسطيني يوافق على وجود دولي أو متعدد الجنسيات مثلما هو الحال في سيناء ولبنان وسوريا.
واعتبر عباس أن الجانب الفلسطيني قدّم بالفعل كل التنازلات الضرورية، مؤكداً أن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين وإنه اذا كان من اللازم مبادلة مساحات صغيرة من الأرض فلا بد أن تكون مساوية في الحجم والقيمة.
ومن جهتها، دعت اللجنة الرباعية الدولية للشرق الاوسط (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة) الاسرائيليين والفلسطينيين الى عدم افشال المحادثات و«القيام بكل ما في وسعهما لدفع الظروف التي يمكن أن تؤدي الى نجاح العملية».
وكان وزير الخارجية الأميركية قد استبق تدشين المفاوضات الرسمية بإقامة وليمة إفطار رمضاني للوفد الفلسطيني بحضور الوفد الإسرائيلي لضمان تهيئة أجواء شخصية أفضل لبدء المفاوضات. واجتمع كيري قبل ذلك على انفراد مع كل من ليفني وعريقات في محاولة لتشجيع الجانبين على إبداء أكبر قدر من حسن النيات. وشارك في المساعي الأولية وحفل الإفطار الطاقم الأميركي الذي سيقود المفاوضات، ويضم إضافة إلى إينديك، كلاً من مساعد كيري فرانك ليفنشتاين ومستشار أوباما لشؤون الشرق الأوسط بيل غوردون.
وجرت في مأدبة الإفطار أول نقاشات جوهرية غير رسمية بين إسرائيل والفلسطينيين للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات. وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن «المحادثات كانت جيدة ومفيدة». أما ليفني فقالت إن «الأجواء كانت إيجابية وإن كل المواضيع على الطاولة، لكننا اتفقنا على أن ما يقال في الغرفة يبقى فيها».
وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أن مباحثات واشنطن حاولت أساساً التوصل إلى اتفاق حول جدول أعمال المفاوضات وإمكانية إجراء مفاوضات الحدود والأمن بالتوازي. كما أنها دارت حول سبل إنشاء لجان مفاوضات متخصصة، كما كان الحال في الماضي أم إبقاء النقاش على المستوى الأعلى فقط. وفضلاً عن ذلك، فإن المداولات تناولت جدول أعمال اللقاءات اللاحقة وأماكن إجرائها، وكذلك دور الأميركيين فيها. ويعتقد أن جولة المفاوضات الأولى ستجري قريباً في العاصمة الأردنية.
وحتى الآن هناك خلافات حول موعد إطلاق الدفعة الأولى من الأسرى الفلسطينيين، الذين تقرر الإفراج عنهم في قائمة الـ104 أسرى ما قبل اتفاق أوسلو. والسلطة الفلسطينية تريد أن تضم الدفعة الأولى أكبر عدد من هؤلاء بحيث يترك الأمر صدى إيجابياً عند الجمهور الفلسطيني يقلص العداء لفكرة استئناف المفاوضات. ولكن في المقابل، تريد إسرائيل أن تحوي الدفعة الأولى على أقل عدد ممكن لتقليص المعارضة الداخلية الواسعة للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.
ونشرت «معاريف» ما قالت إنه وثيقة وزعها طاقم الإعلام في رئاسة الحكومة الإسرائيلية على الوزراء لتوضيح قرار العودة إلى طاولة المفاوضات. وتركز الوثيقة أساساً على شرح مغازي الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين والعودة إلى المفاوضات انطلاقاً من مثلث مصالح إسرائيلية هي «محاولة استنفاد فرص التوصل إلى تسوية سلمية، منع وعرقلة تطور ميول سلبية في الحلبة الدولية ضد إسرائيل، وأن نكون مستعدين لمواجهة التحديات والفرص من حولنا».
وتشدد الوثيقة على أن العودة إلى المفاوضات تمت استناداً لطلب نتنياهو وليس استجابة لشروط مسبقة: «من دون إعلان إسرائيلي بأن المرجعية هي خطوط العام 67 ومن دون تجميد الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ومن دون الإفراج عن معتقلين قبل بدء المفاوضات». وتضيف بأن نتنياهو أكد تمسكه بحل الدولتين على أساس دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد