التلفزيون اليمني والليبي بين الحقيقة والخيال
يبدو أن وزير الإعلام اليمني حسن اللوزي لم يسمع بعد بمصير زميله وزير الإعلام المصري السابق أنس الفقي. ويبدو أيضاً أنه لم يعرف أنّ هذا الأخير دخل سجن طرّة الشهير بسبب اتهامه بقضايا عدة بينها التحريض على المتظاهرين من خلال إدارته معركة دعاية سوداء لمصلحة حسني مبارك ضد الثورة. لكن قد يكون اللوزي مختلفاً عن نظيره المصري. لم يكتفِ وزير الإعلام اليمني بالتحريض على المتظاهرين على «الفضائية اليمنية الرسمية الأولى»، بل زوّر كلامهم أيضاً. غداة سقوط قتيل وأكثر من 25 جريحاً أمام «جامعة صنعاء» على أيدي «بلطجية» الرئيس علي عبد الله صالح، قرّر التلفزيون الرسمي النزول إلى الشارع. هكذا جال أحد مراسليه على الشباب المشاركين في الاحتجاجات، واستطلع آراءهم. لكن المفاجأة القاسية كانت عند عرض التقرير: عرضت المحطة صور الشباب الذين أدلوا بآرائهم، لكن مع دبلجة أصواتهم. أي ظهرت صور الشباب لكن الكلام لم يكن كلامهم، بل حديث سُجِّل في الاستديو ليناسب توجهات المحطة. هنا سمع الجميع تعليقات تُلقي اللوم على المتظاهرين، وتحمّلهم مسؤولية سقوط الضحايا. وقد دفع ذلك اللجنة الإعلامية التابعة للشباب المعتصمين إلى إصدار بيان أشارت فيه إلى «التجاوز غير المهني الذي وقع في «تلفزيون اليمن»».
ولم تقف حدود تزوير الحقيقة عند هذا الحدّ، إذ عمد التلفزيون إلى إنتاج برامج خاصة وفلاشات دعائية، هدفها تشويه صورة المعتصمين. هكذا رأينا لقطات مأخوذة من الشوارع، تخضع لعملية مونتاج كي تظهر مشاهد تصوّر المعتصمين مجموعةً من المخربين والبلطجية. إلا أن نظرة دقيقة إلى المشاهد المعروضة تؤكّد أنها مأخوذة من أكثر من شارع ومدينة، وأنها رُكبّت لتخدم رسالة التلفزيون. ويبقى الخطير أنّ قسماً كبيراً من المواطنين لا يملكون القدرة على شراء صحون لاقطة ومشاهدة الفضائيات، وبالتالي فإن مصدر أخبارهم الوحيد هو الشاشة الرسمية.
وفي مقابل هذه اللقطات، نشاهد فلاشات أخرى ليمنيين هادئين يرفعون أعلام بلادهم وصور الرئيس في إشارة إلى رقيهم في التعاطي مع الأحداث، ولجوئهم إلى الحوار لحل كل مطالبهم. وبين هذه الصور وتلك، يخيّر التلفزيون الرسمي المشاهد بين التظاهرات الحضارية المؤيدة للرئيس، وتلك «الهمجية» لمجموعة «ضالة»، لا تدرك بعد مصلحتها، ولا بد من إعادتها إلى الطريق المستقيم أي حب الوطن... والرئيس.
طبعاً هذا الأسلوب لا يعدو كونه وسيلة تقليدية وقديمة، لجأت إليها الأنظمة الاستبدادية، وهي تذكّرنا بالأفلام العربية القديمة التي تلجأ إلى تصوير الصراع على شكل مواجهة بين «الخير» و«الشرّ»، ينتهي دوماً بفوز الفريق الأوّل. وقد لا يبدو هذا الأسلوب التقليدي مفاجئاً، خصوصاً إذا علمنا أن وزير الإعلام حسن اللوزي مرابض في الحكومة اليمنية منذ منتصف الثمانينيات، فيتنقل من منصب إلى آخر من دون أي تحديث أو تطوير لأفكاره. يتحرّك الزمن ولا يتحرّك هو.
جمال جبران
... وتلفزيونات ليبيا معمّر «قاعد في قلوبها»
الإعلام الليبي الرسمي يواجه الإعلام العربي. هذه هي الخلاصة التي سيخرج بها كل من يراقب أداء القنوات الرسمية في ليبيا منذ اندلاع الثورة حتى اليوم. وهذه المحطّات هي «الجماهيريّة»، و«الليبيّة»، و«الشبابيّة». وقد انضمّت إليها شاشة «ليبيا الرياضية» التي تحوّلت إلى محطة إخبارية لمواكبة التطوّرات في الشارع. ولعلّ القاسم المشترك الأول بينها جميعاً هو أنها تستضيف محلّلين وسياسيين ومواطنين مهمّتهم الأولى والأخيرة مهاجمة وسائل الإعلام العربيّة «الحاقدة على ليبيا والطامعة في ثروتها وبترولها». كذلك تذيّل أسفل شاشاتها بأخبار عن «الأمان، والاستقرار، والهدوء السائد في المدن الليبية». طبعاً إلى جانب تركيزها على خطورة «حبوب الهلوسة الموزّعة على الشباب المتظاهرين»، مع تكرار مبتذل لخطابات معمّر القذافي. وفي ظل هذه التغطية «الببغائية»، لا ينسى الإعلام الرسمي نقل الأجواء المصاحبة لـ«التظاهرات والمسيرات الشعبية والشبابية والنسائية تأييداً والتحاماً مع الأخ قائد الثورة». وهنا تمكن ملاحظة التركيز على الشعارات المرفوعة في هذه التحركات مثل: «معمّر قاعد في قلوبنا»، و«عدد نجوم السما نحبك يا معمر»...طبعاً مع اتهام كل المعارضين للقذافي بالعمالة لإسرائيل.
وفي إطار معركتها مع الإعلام العربي، كان لـ«الجزيرة» الحصّة الأبرز من الهجوم. رغم التشويش المستمرّ على بثّ المحطة، استمرت القنوات الحكومية بمهاجمة الفضائية القطرية لأنها «تبثّ الأكاذيب وتلفّق التهم». هكذا شاهدنا تقارير ومقابلات مع مواطنين أكدوا أن «ما تبثه «الجزيرة» كذب وافتراء ولا ندري ما الغرض منه» يقول أحد المواطنين لكاميرا «الجماهيرية». ليسانده آخر بالإعلان أنّ ««الجزيرة» كذابة، وتحيا ليبيا». كذلك نالت «العربية» حصتها، إذ أكّد مراسل «الجماهيرية» في المنطقة الوسطى أن ما أعلنته الفضائية السعودية عن سقوط خمسة قتلى نتيجة قصف جوي هو كذب «والصحيح أن خمسة مواطنين قتلوا في حادث سير بين سيارتَين»!
لم يكن الوضع أفضل على قناة «الليبية» التي أرسلت أحد صحافييها إلى الحدود ليؤكد أن الذين يغادرون البلاد ليسوا ليبيين بل أجانب. هنا نشاهد مقابلة مع أحد المصريين الموجود على الحدود. يبدأ الرجل بمغازلة «الأخ قائد الثورة» ليتّهم في النهاية الأوروبيين والأميركيين والإسرائيليين بالسعي لهدم ليبيا كما فعلوا في العراق.
- مع انطلاق الثورة، ظهرت محطّات إذاعيّة وصحف جديدة في القسم الشرقي من ليبيا، وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة الثوّار. ومن مدينة بنغازي، انطلقت صحيفة باسم «ليبيا»، رافعة شعار «ليبيا الحرة» وتدعو في بياناتها ونداءاتها إلى الانضمام للثورة. كذلك بدأت محطتان إذاعيتان بثهما باستخدام محطات الإرسال الحكومية التي وقعت في أيدي المعارضين. ويستخدم مناصرو الثورة محطات إذاعيّة، عبر الإنترنت لبث مكالمات هاتفية تساند المعارضة. وتنشر وسائل الإعلام البديلة بيانات الثورة وصور الذين يسقطون في الاحتجاجات، والشعارات المرفوعة ومنها «نموت ولا نستسلم». وقد أدى الإنترنت دوراً بارزاً في نقل الأخبار خصوصاً على موقعَي «فايسبوك»، و«تويتر».
باسم الحكيم
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد