التوازنات السياسية العراقية ما بعد الانسحاب الأمريكي
الجمل: تزايدت حدة التوترات السياسية الداخلية العراقية مساء أمس الاثنين بين الزعيم نوري المالكي الذي يتولى منصب رئيس الوزراء العراقي، والزعيم طارق الهاشمي الذي يتولى منصب نائب الرئيس العراقي. وفي هذا الخصوص يبرز التساؤل الهام القائل: لماذا انفجار الخلافات وما هي دلالة هذه الخلافات لجهة تزامنها مع انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي، وتزامنها مع تحركات الوساطة العراقية على خط الملف السوري، وما علاقة هذه الخلافات مع تزايد حدة التنافس الاستراتيجي الجاري حالياً في منطقة الشرق الأوسط؟
* التوترات السياسية الداخلية العراقية: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت التقارير والتسريبات عن اشتعال شرارة الخلافات العراقية الداخلية، وفي هذا الخصوص شهدت الساحة السياسية العراقية التطورات الآتية:
• سعى رئيس الوزراء العراقي لجهة مطالبة البرلمان العراقي برفع الحصانة عن الزعيم طارق الهاشمي الذي يتولى منصب نائب الرئيس العراقي، والزعيم صالح المطلك الذي يتولى منصب نائب رئيس الوزراء العراقي.
• جاء المطلب برفع الحصانة بسبب مذكرة التوقيف التي أصدرتها السلطات الأمنية العراقية على خلفية اعتراف عناصر الحماية التابعين لطارق الهاشمي بأنهم نفذوا عمليات اغتيال وعمليات إرهابية وفقاً للتعليمات والأوامر المباشرة الصادرة من الزعيم طارق الهاشمي.
• أثارت واقعة إصدار مذكرة توقيف الهاشمي، والمطلك المزيد من الخلافات، وعلى وجه الخصوص في أوساط نواب كتلة القائمة العراقية التي يتزعمها إياد علاوي.
• برزت المزيد من التوترات ومشاعر العداء المتبادل على الخطوط الإثنو ـ طائفية العراقية.
هذا، وتقول المعلومات والتقارير بأن السلطات العراقية قد سعت مؤخراً إلى منع الزعيم طارق الهاشمي والزعيم صالح المطلك من مغادرة الأراضي العراقية، إلى حين اكتمال الإجراءات القانونية المتعلقة بقرائن التورط في العمليات الإرهابية والاغتيالات.
* معطيات فعاليات التوتر العراقي: المحفزات الداخلية والخارجية
رصدت التقارير والتحليلات السياسية فعاليات التوترات السياسية العراقية، على خلفية المزيد من المعطيات الداخلية والخارجية، وفي هذا الخصوص نشير إلى عوامل التأثير الآتية:
• العامل الأول: سعت الحكومة العراقية إلى اعتماد مبادرة لحل أزمة الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، الأمر الذي وجد معارضة خصوم دمشق العراقيين المرتبطين بمحور الرياض ـ الدوحة.
• العامل الثاني: سعت القوى السياسية العراقية التابعة للزعيمين الهاشمي والمطلك، لجهة حث واشنطن على ضرورة تمديد فترة الوجود العسكري الأمريكي في العراق. وذلك من أجل تأمين السنة العراقيين من مخاطر خصومهم العراقيين.
• العامل الثالث: سعت القوى السياسية العراقية التابعة للزعيمين الهاشمي والمطلك لجهة إشعال الخلافات الداخلية. وبالذات فيما يتعلق بإثارة ملف إعطاء محافظة ديالا ومحافظة صلاح الدين وضعية الإقليم السياسي المتمتع بنظام الحكم الذاتي. الأمر الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى نشوء إقليمين سنيين على غرار إقليم كردستان العراقي.
• العامل الرابع: يوجد ارتباط وثيق بين طارق الهاشمي وصالح المطلك لجهة الروابط التحالفية الوثيقة مع محور الرياض ـ الدوحة، وعلى خلفية تزايد الحرب الباردة على خط الرياض ـ طهران، فإن الزعيم نوري المالكي قد أدرك مدى أهمية إخراج محور الهاشمي ـ المطلك من الائتلاف الحاكم، طالما أن استمرار المزيد من وجودهما معناه المزيد من الخلافات والتعقيدات في عملية صنع القرار السياسي العراقي.
• العامل الخامس: على أساس اعتبارات روابط محور الرياض ـ الدوحة مع أمريكا، وأيضاً روابط أربيل الكردستانية مع أمريكا، فقد بدأت تلوح في الأفق بوادر تعاون بين محور الهاشمي ـ المطلك والقوى الكردستانية الحاكمة في أربيل، الأمر الذي نظرت إليه القوى السياسية العراقية الأخرى وتحديداً دولة القانون، والائتلاف الوطني العراقي، باعتباره مصدر تهديد محتمل لاستقرار العراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي.
برغم تعدد العوامل، فإن اللافت للنظر يتمثل في أن الحكومة الائتلافية العراقية التي تم تشكيلها مؤخراً على خلفية الضغوط الأمريكية، لم تعد صالحة لإدارة توازنات المصالح الإقليمية والدولية العراقية، وبالذات فيما يتعلق بحسابات الأوضاع الشرق أوسطية الجارية.
* التوازنات العراقية في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي: تأثير العامل السوري
لم يعد خافياً على أحد أن انطلاق فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، قد أدى إلى العديد من التداعيات السياسية داخل العراق، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• التأثير على خارطة التحالفات السياسية العراقية: الأغلبية العظمى من العراقيين أدركت دور العامل الخارجي في تحريك فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، بينما نظرت أقلية عراقية (الإخوان المسلمين) بشكل مختلف، وذلك على أساس اعتبارات علاقاتها مع محور الرياض ـ الدوحة، إضافة إلى مواقفها الداعمة لمواقف واشنطن إزاء طهران ودمشق.
• التأثير على سلوكيات السياسة العراقية: برز القليل من الفعاليات السياسية والإعلامية العراقية الداعمة لفعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، الأمر الذي وسع شقة الخلافات العراقية حول الموقف من الحدث السوري.
• الأداء السياسي المتعاكس: يدرك قطاع واسع من العراقيين مدى خطورة العمليات السرية التي تمت بالتنسيق بين أطراف مثلث واشنطن ـ الرياض ـ الدوحة بالتعاون مع حلفائه العراقيين، لجهة استغلال الساحة العراقية كمنصة انطلاق لاستهداف دمشق، وبالذات فيما يتعلق بتهريب الأسلحة والمسلحين بما يتيح إشعال مناطق الحدود السورية ـ العراقية، على غرار النموذج الذي حدث في منطقة تلكلخ السورية المتاخمة للحدود السورية ـ اللبنانية.
يدرك الخبراء السياسيون بأن العراق وسوريا يشكلان نطاق جيو ـ سياسي شديد الترابط، وذلك على أساس معطيات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا السكانية، إضافة إلى النسيج الاجتماعي وشبكة المصالح الاقتصادية والتجارية والثقافية، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى الآتي:
• تتميز توجهات العراقيين بالنزعة العروبية بما يتطابق تماماً مع توجهات السوريين العروبية.
• قيام بعض الأطراف الإسلامية السنية العراقية، بالمضي قدماً في دعم توجهات محور الرياض ـ الدوحة، أدت إلى إحداث حالة انقسامية داخل المجتمع السني العراقي، وتحديداً إلى نشوء أقلية سنية مرتبطة بتوجهات الحركات الأصولية الإسلامية السنية الداعمة لفعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، وأغلبية كبيرة سنية تنظر إلى فعاليات هذا الحدث باعتباره صنيعة غربية أمريكية تهدف إلى ضرب استقرار سوريا وتدمير قدراتها.
تقول آخر المعلومات، بأن عناصر مكتب طارق الهاشمي قد أدلوا باعترافات قضائية دامغة لجهة تورطهم في عمليات الاغتيال والعمليات الإرهابية، الأمر الذي أسفر عن توريط الهاشمي نفسه باعتباره الذي أصدر الأوامر والتعليمات. والآن، تقول المعلومات بأن الهاشمي (نائب الرئيس العراقي)، وصالح المطلك (نائب رئيس الوزراء العراقي) قد غادرا العاصمة العراقية بغداد، وأشارت التسريبات إلى أن الاحتمالات أصبحت واردة بأن تخرج كتلة القائمة العراقية من الائتلاف الحاكم، الأمر الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى الآتي:
• صياغة خارطة تحالفات سياسية جديدة من أجل بناء تحالف ائتلافي حاكم عراقي جديد.
• حدوث المزيد من الخلافات والانشقاقات في كتلة القائمة العراقية، بما سوف يؤدي بالضرورة إلى تشظي مكونات هذه القائمة وتحولها إلى كيانات سياسية صغيرة.
الأكثر احتمالاً، هو أن تتعرض كتلة القائمة العراقية إلى الانشقاقات الآتية:
• العناصر المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وعلى الأغلب أن تسعى إلى التعاون مع قطر.
• العناصر المرتبطة بالجماعات السلفية ـ الوهابية، وعلى الأغلب أن تسعى إلى التعاون مع الرياض.
• العناصر المرتبطة بالتوجهات المدنية العلمانية، وعلى الأغلب أن تسعى إلى التعاون مع أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ تل أبيب.
• العناصر ذات التوجهات الوطنية والقومية العربية والقومية الاجتماعية، على الأغلب أن تسعى إلى الاستمرار في بقاء الروابط والعلاقات مع كتلة القائمة العراقية، وكتلة التحالف الوطني العراقي.
خرجت القوات الأمريكية من العراق، وبكلمات أخرى، انتهى الاحتلال العسكري الأمريكي، وبقي النفوذ الدبلوماسي ـ الاقتصادي الأمريكي حاضراً يلقي بتداعياته على واقع ومستقبل السياسة العراقية، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى أن الأيام القادمة سوف تشهد حراكاً سياسياً متزايداً باتجاه إعادة ترتيب جدول أعمال السياسة الخارجية العراقية، وعلى وجه الخصوص إزاء دول الجوار العراقي، وبكلمات أخرى، فإن الحضور السوري والإيراني سوف يكون هو الأكثر فاعلية في مواجهة الحضور السعودي ـ القطري ـ الخليجي، وتأسيساً على ذلك، سوف تواجه كل من تركيا والأردن إشكالية إعادة النظر في أسلوب تعاملها مع الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، طالما أن الأمر سوف لن يقف على مجرد علاقاتهما المتدهورة مع سوريا، وإنما سوف تمتد تأثيراته إلى مصالحهما في الساحتين العراقية والإيرانية وأيضاً اللبنانية. فهل سوف تمتد عدوى مواجهة نوري المالكي مع حلفاء المحور السعودي ـ القطري إلى الساحتين الأردنية والتركية، أم أن الأمر سوف يظل محصوراً داخل العراق ؟
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد