التوقعات المستقبلية للمناورات العسكرية السورية - التركية
الجمل: تشهد مراكز الدراسات الأمريكية هذه الأيام اهتماماً متزايداً لملف العلاقات السورية – التركية وفي هذا الخصوص نشر الموقع الإلكتروني الخاص بمؤسسة بروكينغز الأمريكية ورقة بحثية حملت عنوان «سوريا وتركيا يعمقان العلاقات الثنائية».
* المحاور الأساسية التي ركزت عليها الورقة:
وتتمثل في ثلاثة محاور يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• قيمة المناورات العسكرية السورية – التركية المشتركة: برغم القيمة الرمزية لهذه المناورات فإنها تكسب أهمية فائقة لجهة تداعياتها السياسية على سوريا وتركيا وبقية المنطقة.
• الرسالة الحقيقية التي بعثت بها المناورات العسكرية السورية – التركية: سمحت المناورات لسوريا ببعث رسالة سياسية لواشنطن إضافة إلى رسالة أخرى أقوى لإسرائيل بما جعل تل أبيب تصبح أكثر توتراً إزاء واقع ومستقبل تطور العلاقات السورية – التركية وتدهور العلاقات الإسرائيلية – التركية، إضافة لذلك، فقد سمحت المناورات لتركيا بإرسال رسالة قوية إلى محور واشنطن – تل أبيب مفادها أن أنقرة أصبحت أكثر التزاماً بالتعاون مع جيرانها في حماية حدودها واعتماد التوجهات الإيجابية إزاء بناء وتعزيز روابطها مع البلدان العربية والإسلامية وعلى وجه الخصوص جارتها سوريا.
• البعد الاستراتيجي في المناورات العسكرية السورية – التركية: بدأت علاقات دمشق – أنقرة تتحسن تدريجياً منذ العام 1998 ولكن هذا التحسن كان يفتقر إلى العنصر الاستراتيجي، والآن وبشكل يتوازى مع التطورات السياسية جاءت المناورات لتؤكد بداية دخول العلاقة مرحلة التطورات الاستراتيجية.
بدأت المناورات العسكرية السورية – التركية يوم 27 نيسان 2009 واستمرت ثلاثة أيام، وبرغم أنها تمثل المناورات الأولى فإن من المتوقع أن تعقبها المزيد من المناورات خلال الفترات القادمة.
* المناورات من منظور دمشق:
أشارت الورقة إلى أن قرار دمشق بإجراء المناورات مع تركيا جاء ضمن سياق مساعي دمشق لتطوير علاقاتها مع أنقرة وما يقلق محور واشنطن – تل أبيب أن دمشق أصبحت أكثر قدرة في استخدام دبلوماسية تحويل خصومها إلى أصدقاء وحلفاء بدليل أن دمشق نجحت بشكل تام في قلب طاولة الخصومات السابقة رأساً على عقب بحيث أصبحت أنقرة وبغداد أكثر ارتباطاً وتعاوناً مع دمشق ويمكن تأكيد ذلك من خلال واقعتين، الأولى تتمثل في المناورات العسكرية السورية – التركية الذي تمثل تطوراً استراتيجياً في علاقات دمشق – أنقرة ، والثانية هي قيام دمشق بتوقيع اتفاق مع بغداد نص على تفعيل خط أنابيب النفط العراقي عبر سوريا وهو أمر يمثل كذلك تطوراً استراتيجياً في علاقات دمشق – بغداد.
برغم تصريح رئيس الأركان التركي الجنرال باشبوق بأن المناورات العسكرية السورية – التركية كانت صغيرة مقارنة بحجم المناورات التركية – الإسرائيلية التي سبقتها فإن مجرد القيام بإجراء مناورات عسكرية مع سورية هو أمر يمثل في حد ذاته حدثاً سيظل يفرض نفسه بقوة في إسرائيل والولايات المتحدة.
المناورات العسكرية السورية – التركية إضافة إلى أنها الأولى فإنها أيضاً تمثل المرة الأولى التي يقوم بها بلد عضو في حلف الناتو مع سوريا وبالتالي فإن رسالة المناورات على هذه الخلفية تتخطى حدود محور واشنطن – تل أبيب بحيث تصل إلى حلف الناتو والذي يمثل الجيش التركي ثاني اكبر قوة عسكرية برية فيه بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
* المناورات من منظور أنقرة:
نفذت تركيا مناوراتها العسكرية لجهة تحقيق غايتين الأولى تتمثل في رغبة أنقرة في التأكيد على اهتمامها بالتعاون مع دول الجوار في حماية الحدود التركية والثانية في تأكيد أنقرة على التزامها بانتهاج الروابط الإيجابية مع البلدان الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص سوريا.
نجحت القيادة السورية والقيادة التركية بالانتقال من مرحلة خلافات أنقرة - دمشق إلى مرحلة توافق أنقرة – دمشق وحالياً بدأت مرحلة تعاون أنقرة – دمشق.
ترغب أنقرة في تطوير علاقاتها مع دمشق لجهة إدراك القيادة التركية الحالية أن تعزيز الروابط مع سوريا سيتيح تحقيق الأهداف والغايات الآتية:
• تعزيز القدرة على تفعيل الحوار والتفاهم السوري – التركي حول مستقبل الملف العراقي.
• تعزيز القدرة في تحقيق استقرار منطقة الشرق الأوسط.
• تعزيز حركة التجارة التركية الإقليمية العابرة للحدود السورية.
• التأكيد على أن علاقات خط أنقرة – دمشق تتمتع بالمصداقية وجدوى الفعالية لجهة دعم وتعزيز المصالح التركية الشرق أوسطية وذلك مقارنة بعلاقات خط أنقرة – تل أبيب التي بدأ الأتراك يدركون أنها لن تأتي سوى بالضرر والمخاطر التي ستهدد المصالح التركية الشرق أوسطية.
• إعادة الحيوية لدور أنقرة الإقليمي وبالتالي فإن تعزيز الروابط مع سوريا وحصول أنقرة على مساعدة ودعم دمشق يتيح لتركيا القيام بدور اللاعب الإقليمي الشرق أوسطي الرئيس، وهو أمر في حد ذاته سيعزز وزن تركيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
* التوقعات المستقبلية:
تقييم المحتوى والمضمون الذي تم ضمن سياقه إجراء المناورات العسكرية السورية – التركية يمكن أن يفضي بنا إلى التوقعات التالية:
• تزايد التوافق والتعاون السوري – التركي مقابل تزايد الخلافات والتوترات التركية – الإسرائيلية.
• عززت تركيا روابطها مع سوريا برغم أنها لم تنه روابطها مع إسرائيل ولكن إذا شهدت الروابط السورية – التركية المزيد من التطورات بما أتاح لتركيا الحصول على مزايا أفضل فإن القطيعة على خط أنقرة – تل أبيب يمكن أن تكون أمراً واقعاً.
• لم تتخل أنقرة عن روابطها الاستراتيجية مع أمريكا والغرب وإسرائيل ولكن من الممكن أن تتطور علاقات أنقرة مع دول جوارها الإقليمي بما يتيح لها بناء تحالف إقليمي واسع يفرض قوة وسيطرته على الشرقين الأوسط والأدنى وهو أمر سيتيح بلا شك لأنقرة مكانة ووزناً دولياً أكبر.
تعتبر مؤسسة بروكينغز من المؤسسات البحثية الأمريكية الرائدة إضافة إلى ارتباطها بأوساط الحزب الديمقراطي الأمريكي وبالتالي فإن المنظور الذي اعتمدته هذه الورقة البحثية سيكون له حضوره في تشكيل توجهات إدارة أوباما إزاء سوريا وتركيا وإزاء العلاقات السورية – التركية وتداعيات ملفاتها الحالية والمحتملة في المستقبل.
تميزت مقاربة الورقة البحثية للتطورات الجارية في علاقات خط دمشق – أنقرة بالواقعية النسبية لجهة التكهن بإسقاطاتها المستقبلية بالتركيز على سيناريو أن الممر السوري سيلعب دور البوابة الرئيسية التي ستتيح لتركيا الانطلاق باتجاه بلدان الشرق الأوسط الرئيسية وهو أمر سيعزز قوة الاقتصاد التركي ويفتح الباب لأنقرة إزاء الخيارات الحرجة التي يأتي في مقدمتها احتمالات تخلي تركيا عن إسرائيل!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد