الجيش يتصدى لهجوم «اليرموك» في الساحل
الجيش السوري قاب قوسين أو أدنى من قطع طريق كاستيلو الاستراتيجي بعد سيطرته على غالبية مزارع الملاح، ليكمل بذلك الطوق حول مدينة حلب، في أهم إنجاز من نوعه، قد لا تتأخر انعكاساته المحلية والإقليمية كثيراً بالظهور نتيجة الحساسية القصوى التي يمتاز بها الوضع في شمال حلب.
كما تصدى الجيش لهجوم واسع جداً شنته «جبهة النصرة» في ريف اللاذقية، مستهدفةً استنساخ تجربة ريف حلب الجنوبي من أجل إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل التدخل الروسي، بينما تواصلت الاشتباكات في مدينة منبج وسط تقدم بطيء لـ «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) واستعادة تنظيم «داعش» لبعض النقاط التي خسرها.
ومساء امس، اعلنت الفصائل عن بدء موجة جديدة من الهجمات في ريف اللاذقية، ما يشي ان المنطقة قد تشهد تصاعدا في العنف على امل ان تؤدي الهجمات المتكررة الى احداث اختراق ما كما حصل في ريف حلب الجنوبي.
وواصل الجيش السوري، مدعوماً بغطاء جوي كثيف من الطائرات الروسية والسورية، تقدمه في منطقة الملاح شمال حلب، لليوم الثالث على التوالي، حيث توغل في القسم الجنوبي من هذه المزارع وسيطر على ما يقارب الـ90 في المئة من مساحتها بعد اشتباكات عنيفة مع فصائل المنطقة، وعلى رأسها «جبهة النصرة» و»الزنكي»، التي لحقت بها خسائر فادحة نتيجة الاشتباكات.
وجاء هذا التقدم بعد أن ثبّت الجيش مواقعه في القسم الشمالي من مزارع الملاح الذي كان تقدم إليه أمس الأول. وكانت المرة الأولى التي يتمكن فيها الجيش من تثبيت سيطرته في الملاح، إذ كان في الهجمات السابقة، وهي هجمات حديثة لم يمضِ على آخرها سوى أيام قليلة، يضطر إلى الانسحاب من النقاط التي يتقدم إليها نتيجة الهجمات المضادة العنيفة التي تشنها الفصائل المسلحة. وبات الجيش السوري يقف في نقطة تفصله عن طريق كاستيلو مسافة تقدر بأقل من 3 كيلومترات.
ومن شأن السيطرة على الملاح أن تؤدي إلى قطع طريق كاستيلو الذي يعتبر آخر خط إمداد للفصائل المسلحة المتمركزة في أحياء حلب الشرقية، وبالتالي يضع هذه الفصائل بين مطرقة الحصار من جهة وبين سندان الاستهداف الجوي لمعاقلها داخل أحياء المدينة من جهة ثانية، ما يعني استنزافها من الجهات كافة. وقد سعت دول عدة مِن قَبْلُ إلى عرقلة مساعي الجيش السوري وحلفائه لإكمال هذه الخطوة الإستراتيجية، نظراً للحساسية التي تتمتع بها، خصوصاً لدى الجانب التركي الذي سيعتبرها بمثابة النعي لأي نفوذ أو تأثير له في مدينة حلب.
إلى ذلك، أفشل الجيش السوري هجوماً واسعاً شنته «جبهة النصرة» وحلفاؤها، مثل «أجناد القوقاز» و «التركستانيين» و «أحرار الشام»، في ريف اللاذقية الشمالي. وكان لافتاً أن تطلق هذه الفصائل المدعومة من تركيا، أمس الأول ما أسمته «معركة اليرموك» بعد ساعات فقط من رسالة الاعتذار التي أرسلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطوة تستهدف إصلاح العلاقة بين الطرفين بعد تدهورها منذ إسقاط أنقرة الطائرة الروسية في تشرين الثاني الماضي. وقد قتل نتيجة الاشتباكات آدم الشيشاني القائد العام لـ «أجناد القوقاز»، كما قتل وأصيب العشرات من مقاتلي الفصائل.
منبج... مراوحة في المكان
وتواصلت الاشتباكات العنيفة حول مدينة منبج بين «قوات سوريا الديموقراطية» من جهة، وبين «داعش» من جهة ثانية، في ظل مراوحة في المكان أخذت تفرض نفسها على وقائع المعركة مؤخراً، إثر فشل «قسد» في تحقيق تقدم سريع داخل المدينة بعد مرور ثلاثة أسابيع على تطويقها من الجهات كافة، وذلك على عكس التقدم في الريف الذي اتسم بالسرعة والانسيابية وعدم التعرض لأي عراقيل جدية.
وقد كان لحفاظ تنظيم «داعش» على سيطرته على صوامع الحبوب جنوب المدينة، دوراً في تقوية خطوط دفاعه وبالتالي تأخير اقتحام المدينة. وكانت «قسد» قد اقتربت خلال الأيام الماضية من الصوامع وكادت تطرد التنظيم منها، لولا أن الأخير سارع، أمس الأول، إلى شن هجوم معاكس مستخدماً سيارة مفخخة وبضعة انغماسيين، حسم بموجبه أمر السيطرة على الصوامع لمصلحته. عدا ذلك، لا تزال التطورات في الجهات الثلاث الأخرى من المدينة على حالها، حيث تشهد النقاط نفسها معارك كر وفر بين الطرفين. ليبقى الخرق الأساسي الذي حققته «قسد» هو التقدم الجزئي من جهة الغرب في منطقة مكشوفة تربط بين دوار الكتاب ودوار الشريعة، حيث المنازل متباعدة وغير مرتفعة، ما جعل التغطية الجوية فعالةً وتؤتي أكلها بسرعة.
وبالإضافة إلى بعض الهجمات المعاكسة التي يقوم بها التنظيم بين الفينة والأخرى لاستعادة زمام المبادرة وتغيير وجهة الأحداث، كالهجوم الذي قام به، أمس، انطلاقاً من مدينة جرابلس بهدف فك الحصار عن المدينة، وتصدت له «قسد» من دون أن ينجم عنه أي تغيير في خريطة السيطرة، فإن «داعش» يحاول كذلك فتح جبهات قتال جديدة لتخفيف الضغط على ما يبدو عن مقاتليه في منبج، إذ شن هجوماً عنيفاً بعد منتصف الليل على قريتي سويدان والمغارة غرب مدينة عين عيسى بريف الرقة الشمالي، وسيطر عليهما بعد اشتباكات خفيفة مع مقاتلي «لواء ثوار الرقة»، ووسط غياب تام لطائرات التحالف الدولي، وقــد انسحب عناصر «اللواء» إلى بلدتي المدفع ومحمد الرجى، ليقوموا بوضع متاريس ودفاعات جديدة في المنطقة.
وأعلن بريت مكغورك، مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما الخاص في الحرب ضد «داعش»، أنه بمجرد استكمال العملية العسكرية في منبج فإن هذا سيوفر الظروف الملائمة للزحف إلى الرقة. وقال، خلال جلسة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي: «عملية منبج جارية حالياً وتشهد قتالا شرساً، وبمجرد استكمالها فإن هذا سيهيئ الظروف للتقدم إلى الرقة».
معركة لفصل البوكمال عن القائم
وأعلن «جيش سوريا الجديد» عن معركة كبيرة، كما وصفها، تهدف للسيطرة على مدينة البوكمال في ريف دير الزور. وهي مدينة حدودية تحاذي مدينة القائم في العراق، وكلتا المدينتين تقعان تحت سيطرة تنظيم «داعش» الذي ضمهما إلى بعضهما تحت اسم «ولاية الفرات».
وبالتزامن، أكدت مصادر إعلامية أن قوات عشائر الأنبار في العراق تجهز لمعركة قريبة من أجل السيطرة على مدينة القائم. وفي حال صحة هذه المعلومات، فالهدف من هاتين المعركتين المتزامنتين سيكون تأمين الحدود السورية - العراقية، وإعادتها إلى وضعها السابق قبل أن يكسرها تنظيم «داعش» قبل عامين كاملين، وذلك تمهيداً لاستكمال المعارك ضده، سواء في الموصل أو الرقة ودير الزور.
و«جيش سوريا الجديد»، مدعوم من قبل الولايات المتحدة، وهو يتمركز حالياً على امتداد الحدود السورية - الأردنية وصولاً إلى معبر التنف مع العراق، الذي كان سيطر عليه في وقت سابق بدعم من قوات بريطانية وأردنية.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد