الحرب والفرصة: الحزب الإسلامي التركستاني والصراع في سورية (1 من 3)
الجمل ـ أنتوان فانيور-جون ـ ترجمة مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد):
لقد أصبح الحزب الإسلامي التركستاني (TIP)، وهو حركة جهادية تنتمي غالبية أفرادها للويغور، وتتبنى فكرة استقلال إقليم شينجيانغ في الصين، متورطاً في الحرب "الأهلية السورية" على نحوٍ كبير.
لقد نشط الحزب مدةً طويلة في المناطق القبلية في باكستان، ما ساعده في أن يوطّد علاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة و"إمارة أفغانستان الإسلامية" (المعروفة سابقاً باسم طالبان). ويحارب معظم مقاتليه الآن في سورية تحت لواء "جبهة فتح الشام"، وهي تنظيمٌ جهادي يسيطر على مناطق واسعة من الأراضي في شمال غرب سورية. وقد جمع الحزب الإسلامي التركستاني بين التزامه العسكري بالصراع في سورية وجهوده المتناسقة لنشر نشاطاته على شبكة الانترنت،ويعودُ سبب ذلك إلى نشره جنوداً في شمال اللاذقية، ومن ثم مشاركته في معركة حلب؛ غير أن هناك مجموعة من التطورات تهدد وجود الحزب الإسلامي التركستاني، إذ عززت الصين من تدابيرها المتخذة في مكافحة الإرهاب، وشُنّت حملة عسكرية في مناطق الحزب القديمة في باكستان، كما تراجع الدعم التركي للنزعة الانفصالية للويغور. بيدَ أنه أمام هذه العوائق، فإن انخراط الحزب الإسلامي التركستاني في الحرب في سورية يُظهر كيفيّة تقوية الحركات الجهاديّة لشبكاتها، وتعزيزها لوجودها، بفعلِ شن الحروب خارج أراضيها.
لم يعد بمقدور الحكومة السورية، بعد أن فقدت السيطرة على كل المنافذ الحدودية فيما عدا حدودها مع لبنان، أن تمنع تدفق المقاتلين الأجانب نحو الداخل السوري. ورغم جذورها المحلية، وحقيقة أن المجموعات التي تقاتل "النظام" مازالت في غالبيتها سورية، غير أن "الحرب الأهلية" السورية جذبت أعداداً كبيرة من المقاتلين الأجانب المختلفين فيما يتعلق بدوافعهم وأصولهم، ففي أيار/مايو 2016 أعلن رئيس لجنة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، أن هناك ما يقرب من ثلاثين ألف مقاتل أجنبي يوجدون في سورية والعراق[2]. كما يعتمدُ معظم اللاعبين الفاعلين في الصراع على وجود هؤلاء[المقاتلين الأجانب]–إذ يُعتقد أنهم يشكلون ما يصل إلى نصف عدد عناصر "داعش" من المقاتلين[3]. لقد قام الإعلام الغربي والأكاديميون الغربيون، كرد فعل على انتشار الخوف فيما يتعلق بخطر وقوع هجمات محلية ينفذها الجهاديون العائدون من ساحات القتال، بالتركيز بشكل كبير على المقاتلين الذين يخرجون من الدول الأوروبية، وكذلك على المقاتلين القادمين من الدول العربية (إذ حظي كلُّ من تونس والأردن باهتمام خاص فيما يتصل بهذه المسألة).
لكن، يبدو أن الدراسات الحديثة أغفلت بشكل كبير دور المواطنين الصينيين من الويغور الذين يقاتلون في صفوف الحزب الإسلامي التركستاني في سورية الذي يُعدُّ إحدى القوى الموحدة والكبيرة الوحيدة ممن يسمَون بالمهاجرين غير العرب (المجاهدون الأجانب) الذين يقاتلون "النظام" السوري. إذ إن التقرير الذي أصدرته مؤسسة صوفان (Sufan)، والذي تم الاستشهاد به على نحو كبير، لم يولِ الحزب الإسلامي التركستاني الأهمية التي يستحقها[4]. ويُرجّحُ أنّ ذلك يُرَدُّ إلى الصعوبات المنهجية التي تبرز فيما يتعلّق بتحليلِ دور مقاتلي الحزب في سورية، نظراً إلى شح الإحصاءات التي يمكن الاعتماد عليها فيما يتصل بأعدادهم وضآلة المصادر التي تتطرق لنشاطهم على الأرض، إلا أن تمدد نشاطاتهم في مدن عديدة، وحقيقة أن هناك مسلمين في الإقليم الذي ينحدرون منه في الصين أكثر مما يوجد مسلمون في تونس (وما يزيد عن ضعفي العدد في الأردن)[5]، كل ذلك يجعل من [دراسة [وجودهم في سورية أمراً جديراً بالاهتمام.
لعب مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني في سورية المنتمون للويغور في إقليم شينجيانغ، دوراً فاعلاً على عدد من الجبهات، فقد اضطلعوا بدورٍ مؤثر في الهجوم على قوات "النظام" في مدينة إدلب عام 2015، قبل أن ينتقلوا للعب دور أكبر في القتال في شمال اللاذقية وحلب في أواخر 2016[6].
لقد تمكّن الحزب فور وصوله إلى سورية من تعزيز ارتباطاته مع مجموعة من الحركات الجهادية تحت قيادة "جبهة فتح الشام" (المعروفة بجبهة النصرة سابقاً). وبينما تستهدف ضرباتُ الولايات المتحدة الجوية، وكذلك قواتُ "النظام" التنظيماتِ المتموضعة في محافظة إدلب، الواقعة تحت سيطرة المعارضة، فإن تركيا باتت تحت ضغط صيني متزايد من أجل أن تتخذ موقفاً حازماً تجاه النزعة الانفصالية للويغور. ولذا، فليس هناك من يقين حول مصير الحزب الإسلامي التركستاني في المستقبل. وبالنظر إلى ما تقدّم، ورغم حقيقة أن مشاركة الحزب في الصراع في سورية –بالمعنى العام للكلمة–هامشية، غير أن انخراطه في الحرب رفع من أهمية دوره في دوائر الجهاديين، ووسّع من شبكته. وهذا يزيد من احتمالية أن يستمر في الانخراط بالنشاطات الجهادية خارج حدوده إلى درجة تتعدى نتائج "الحرب الأهلية" في سورية.
النزعة الانفصالية عند الويغور وصعود الحزب الإسلامي التركستاني
ينحدر الويغور من إقليم شينجيانغ المتمتع بالحكم الذاتي، وهو إقليم يقع في شمال غرب الصين، سيطرت عليه أسرة شينج في عام 1759. يبلغ تعداد ويغور الصين ذوي الأصول التركية والمنتمين للمكون الإسلامي السني، أحد عشر مليوناً، ويشكلون ما يقرب من 0.8% من عدد سكان الصين[7]. وبشكل عام، فإن مستوى معيشتهم أدنى مما هو عليه الحال في معظم المناطق التي تسيطر عليها سلالة الهان*. فالرسوم والأجور المدرسية وآفاق العمل المحدودة وسياسات اللغة التي تجعل من أولئك الذين لا يتقنون الصينية في وضع غير جيد، وقد أسهم هذا كلّه في انخفاض مستوى المؤهلات في مدارس الويغور[8].
بالإضافة لذلك، تزداد التوترات فيما يخص العلاقة مع الحكومة المركزية، ومؤسسات حقوق الإنسان التي تستهجن المواقف المتخذة في مبادرات مكافحة الإرهاب[9]. لقد انتقدت منظمات حقوق الإنسان سلسلة الهجمات التي شنتها الحكومة الصينية التي هدفت إلى محاربة التطرف العنيف، في أيار/ مايو 2014[10]. إذ تتراوح المزاعم–التي تم نشرها على نطاق واسع من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهاديين الويغور–من فرض قيود على الصيام إلى حوادث تعذيب خارج سياق الإجراءات القانونية[11].
يأسف البروفيسور كيليج بوغرا كانتا من جامعة بنسلفانيا لغياب آلية اتصال فعّال بين الحزب الشيوعي الصيني والويغور، إذ يرى أن ذلك يمنع ظهور أي شكل من الحوار بين كلا الطرفين[12].
هذا، ورغم أن مجموعة من الخلايا الانفصالية للويغور تنشط على طول إقليم شينجيانغ، إلا أن الدرجة التي يمكن القول معها: إن حركةً موحدة انفصالية ناشطة في الإقليم ماتزال موضع تساؤل، إذ يطالب معظم الانفصاليين بتأسيس "تركستان الشرقية" التي من المفترض أن تضم أراضيها مناطق إقليم شينجيانغ الويغوري، أي ما يشبه محاولات سابقة لتأسيس دولة مستقلة. وفي حين إن "جمهورية تركستان الشرقية الأولى" لم تدم لوقتٍ طويل، إذ انهارت بعد أشهر من إعلانها في تشرين الثاني/نوفمبر 1933، إلا أن جمهورية ثانية، كانت مدعومة هذه المرة من قبل الاتحاد السوفياتي، ظهرت في عام 1944 قبل أن يتم ضمها إلى جمهورية الصين الشعبية التي أُعلن عن تأسيسها عام 1949. وكما جاء في تقرير وضع مسودته مجلس العلاقات الخارجية، فمن الهام إدراك الطبيعية غير المتجانسة للتمرد الويغوري في إقليم شينجيانغ[13].
سكان توربان المقيمون في الشمال الشرقي من إقليم شينجيانغ، بمعاملة أكثر ليناً مما هو عليه الحال مع سكان المدن الجنوبية ككاشجغار، ذلك نظراً لعدم مقاومتهم تاريخياً للحكم الصيني[14]. ولذلك تتفاوت المواقف بين مكونات الويغور، على امتداد الإقليم، تجاه الحكومة الصينية، وكذلك الدرجة التي يجب أن يتم معها التماهي مع الوحدة التركية* أو مع الأمة الإسلامية الأكبر.
يشدد فان في ديفيس من مركز آسيا-المحيط الهادئ للدراسات الأمنية، في معرض إشارته إلى الأغلبية من الويغور الذي يسعون إلى التخلي عن الصين، على أنه لا توجد «أجندة واحدة للويغور» إذ إن أهداف هذه المجموعات تتفاوت بين سعيهم للحصول على درجة أكبر من الحكم الذاتي إلى تأسيس دولة مستقلة[15].
كانت دائماً قيادة الحزب الإسلامي التركستاني التي تأسست في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان** على أيدي الويغور الذين هربوا من الصين في التسعينيات من القرن العشرين، تقيم خارج إقليم شينجيانغ[16]. وفي حين لا يوجد ما يشير بوضوح إلى نشأة الحزب الإسلامي التركستاني، غير أن الحكومة الصينية تصف هذه المجموعة بأنها ظهور جديد لما تسميه حركة تركستان الإسلامية الشرقية (ETIM) التي نُسِبَ إليها ما يزيد عن مئتين من الهجمات التي وقعت بين عامي 1990 و2010[17]. لكن هناك تشكّكاً في العلاقة بين الحزب الإسلامي التركستاني وحركة تركستان الإسلامية الشرقية. ويرى "عمر كانتات" كبير المحررين في راديو الحرة-قسم الخدمة بالويغورية الذي يستشهد به مجلس العلاقات الخارجية، أن الحزب الإسلامي التركستاني ربما تطور في الواقع من الحزب الإسلامي في تركستان، وأعيد تسميته من حركة أوزباكستان الإسلامية[18]، وهي حركة جهادية تنشط في مناطق حكم القبائل في باكستان التي تتم إدارتها فدرالياً (FATA)، إذ ظهرت في الحرب الأفغانية- نتيجة للدعم الذي وفرته مرافق بن لادن للتدريب والتمويل[19]، وفي حين إن المعلقين ووكالات الإعلام، والحكومات والأمم المتحدة يميلون إلى الخلط بين كلا التنظيمين، إلا أن غالبية الويغور الذين يقاتلون في سورية إنما يقاتلون تحت راية الحزب الإسلامي التركستاني.
ومنذ أن هدد الحزب الإسلامي التركستاني باستهداف الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008، وضع نفسه في مقدمة المطالبين بقضية الانفصال. ووقعت عشرات الهجمات باسمه، بما في ذلك تفجير سيارة مفخخة في ساحة تيانامين، بالإضافة إلى موجة من عمليات الطعن في كونمينغ. لقد انتشرت أنشطة الحزب الإسلامي التركستاني إلى ما وراء الحدود الصينية، حيث حُمّل الحزب مسؤولية التفجير الانتحاري الذي استهدف السفارة الصينية في قرغيستان، والذي وقع في الثلاثين من آب/أغسطس 2016[20]. إن الهدف الرئيس للحزب الإسلامي التركستاني، كما ورد في منشوره الإلكتروني التاسع عشر الصادر بالعربية في نيسان/أبريل 2016 هو تأسيس "خلافة" إسلامية وفقاً للكتاب والسنة[21]. وفي الجزء الثاني من سلسلته "بارك الله في الغرباء"، يميز الحزبُ نفسَه عن كل أخلاقيات الديمقراطية والقومية والوطنية[22]. وينشر نشرات إخبارية وأشرطة فيديو بالعربية، وبالويغورية، والصينية، وفي بعض المناسبات بالأردو، إذ يتراوح مضمون هذه النشرات، التي ينشرها صوت الإسلام، وهو وسيلة إعلام الحزب، بين التغني بالإنجازات التي يحققها مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني ومرتكبو الأعمال الإرهابية باسمه من ناحية، وانتقاد أعداء الحزب (وأبرزهم الحكومات الصينية والروسية والسورية)، من ناحية أخرى.
يتعاطى صوت الإسلام والمنظمات الإعلامية المرتبطة به (كنشرة دوغو تركستان باللغة التركية) مع الحقائق دون إيلائها العناية والاهتمام اللازمين، بدءاً من ادعاء أنه يتم بيعهم في الصين "لحم خنزير حلال"إلى الزعم أن مسالخ اللحم في الصين تعالج أجنة النساء الويغريات ليتم بيعها للاستهلاك العام[23].
الجمل بالإشتراك مع مركز دمشق للأبحاث مداد
[1]صدرت هذه الدراسة عن مؤسسة البحث الاستراتيجي، مذكرة رقم 7/2017، 2 آذار/مارس 2017 بعنوان:
"War and opportunity: the Turkistan Islamic Party and the Syrian conflict"
https://www.frstrategie.org/publications/notes/web/documents/2017/201707.pdf
[2]Cynthia Koet, "UN: 30.000 foreign fighters in Syria and Iraq", Politico, 7 Nov 2016.
[3]Zachary Laub, "The Islamic State", Council on Foreign Relations, 10 August 2016.
[4]Richard Barret et al, "Foreign Fighters: An Updated Assessment on the Flow of Foreign Fighters into Syria and Iraq", The Soufan Group, Dec 2015.
[5]DV Buyarov et al, "Demographic Situation in Xinjiang-Uigur Autonomous Area in the Last Quarter of the Twentieth Century", Global Media Journal, 24 June 2016.
[6]Aymenn, Jawad Al Tamimi, "the Faction of the North Lattackia", Syria Comment, 10 Dec 2015.
[7]Yitzhak Shichorm "see No Evil, Hear No Evil, speak No Evil: Middle Eastern Relations to Rising China's Uyghur Crackdown", Griffith Asia Quarterly 3 (1): 62-85, 2015. P.62.
*سلالة الهان هي إحدى أكبر السلالات الرئيسة التي حكمت في الصين، والسلالة التي ينحدر منها أهم قادة البلاد وقادة الحزب الشيوعي الصيني، (المترجمة).
[8]Timothy A. Grose, "The Xinjiang Class: Education, Integration and the Ughurus", Journal of Muslims Minority Affairs30 (1): 97-109, 2010. p. 106.
[9]" China: Religious Repression of Uygur Muslims", Human Rights Watch, 12 Apr 2015.
[10]"China 2015/2016,"Amnesty International,2016.
[11]"China: Religious Repression of Uygur Muslims",Human Rights Watch, 12 Apr 2015.
[12]Kiliç Buğra Kanat, “The Securitization of the Uyghur Question and Its Challenges”, Insight Turkey18 (1): 191-218, p. 215.
[13]Beina Xu et al, “The East Turkestan Islamic Movement (ETIM)”, Council on Foreign Relations, 4 Sep 2014.
[14]Colin Mackerras, China's Ethnic Minorities and Globalisation, London,RoutledgeCurzon, 2003, p. 118.
*“Pan-Turkism”الوحدة التركية، أي الإيمان بوحدة الشعوب الناطقة باللغة التركية والتي يجمعها تاريخ وأصول مشتركة مع تركيا، (المترجمة).
[15]Elizabeth Van Wie Davis, “Uyghur Muslim Ethnic Separatism in Xinjiang, China”, Asia-Pacific Center for Security Studies, Jan 2008.
** استخدم المؤلف تعبير Af-Pak وهو كلمة منحوتة من كلمتي أفغانستان وباكستان استخدمتها الولايات المتحدة للإشارة للمنطقة الحدودية بين البلدين فيما يبدو مساواة في التهديد الذي تتسبب به الحدود الباكستانية والأفغانية، (المترجمة).
[16]Beina Xu et al, “The East Turkestan Islamic Movement (ETIM)”, Council on Foreign Relations, 4 Sep 2014.
[17]Andrew McGregor, “Will Xinjiang’s Turkistani Islamic Party Survive the Drone MissileDeath of its Leader?”, The Jamestown Foundation, 12 Mar 2010.
[18]Beina Xu et al, “The East Turkestan Islamic Movement (ETIM)”, Council on Foreign Relations, 4 Sep 2014.
[19]David Malet, Foreign Fighters: Transnational Identity in Civic Conflicts,Oxford University Press, 2013, p. 190.
[20] Olga Dzyubenko, “Kyrgyzstan says Uighur militant groups behind attacks on China’s embassy”, Reuters, 7 Sep 2016.
[21]“Who are we?” [Manual], Islamic Turkistan [Turkistan al-islamia], 19 Apr 2016, p. 2.
[22]“Blessed Are the Strangers #2”, Jihadology, 26 May 2016.
[23]“Blessed Are the Strangers #2”, Jihadology, 26 May 2016.
إضافة تعليق جديد