الحكمة في عدم شنّ الهجوم على سوريا

17-12-2013

الحكمة في عدم شنّ الهجوم على سوريا

الجمل ـ بول ر. بيلار ـ ترجمة وتقديم عبد المتين حميد:  مقدمة – الحملة الإعلامية الضخمة المتعلقة بوضع اللاجئين السوريين ما هي إلا لعبة جديدة يقوم بها المحافظون الجدد في أمريكا بهدف جلب التدخل العسكري الأميركي في سوريا تحت ذريعة الأسباب الإنسانية هذه المرة. و لكن على ما يبدو فإن إدارة أوباما متمسكة بقرارها بعدم ضرب سوريا, لذلك نجد العديد من الشخصيات الأمنية و السياسية تكتب مدافعةً عن ذلك القرار.
بول ر. بيلار – أحد كبار المحللين في وكالة الاستخبارات المركزية الـ"سي آي إيه" لمدة 28 سنة. هو الآن أستاذ زائر في جامعة جورج تاون للدراسات الامنية.
منذ فترة ليست ببعيدة كانت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى على وشك شن ضربات عسكرية على سوريا, بهدف تقديم المساعدة إلى عناصر المعارضة. و الآن و بعد مرور عدة أشهر, توضحت أكثر صحة الادعاءات حول الخطأ الكامن في القيام بالتدخل العسكري لصالح المتمردين في هذه الحرب. و كما اكتسبت المناقشات حول الاستخدامات المستقبليّة للقوة العسكرية المزيد من وجهات النظر القيّمة؛ و بعض المواقف كانت مشحونة بالعاطفة و الإدانة. هنا ما كان يدور في هذه المناقشات بشأن الحرب في سوريا.
بيلار: تسود الفوضى بين عناصر المعارضة التي ستُمَد لها يد العون, التي تتميّز بالتواصل الرخو ما بين السياسيين في خارج سوريا و المسلحين في الداخل. المعارضة الموصوفة بأنها معتدلة هي ضعيفة وغير فعالة. بينما أقوى مجموعات المعارضة فتشمل العديد من الجماعات المتشددة التي تلتقي مع الغرب في القليل من النقاط أو بالأحرى لا وجود لأي نقاط تقاطع مع الأهداف الغربية على الإطلاق, فهذه الجماعات الجهاديّة تشنّ حروبها في داخل المعارضة نفسها بالإضافة إلى مقاتلتها للنظام.
المنعطف الأحدث في هذه القصة هو تعليق المعونات غير القاتلة من قبل الولايات المتحدة إلى المعارضة غداة قيام ائتلافٍ من المقاتلين الاسلاميين يدعون أنفسهم "الجبهة الإسلامية" باقتحام أحد المستودعات و السيطرة على المعدات التي أرسلتها الولايات المتحدة لفصيلٍ آخر.
لقد ساهمت تصرفات القوى المعارضة الأكثر نفوذاً بتوضيح الصورة لدى أغلب المتحدثين في الغرب ليقولوا بأنّ المعارضة أسوأ بكثير من نظام الأسد. فقد قال السفير الأمريكي السابق في العراق ريان كروكر: "يجب علينا أن نبدأ الحديث مع نظام الأسد مرة أخرى... فمهما كان سيئاً, إلا أنّه لن يصل لدرجة السوء التي يتمتع بها الجهاديون الذين سيملؤون الفراغ بعد غيابه". و كما علّق جوشوا لانديس, مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما, بقوله: "إنّ سياسة تسليح المتمردين السوريين عادت علينا بنتائج غير ما كنّا نتوقعها... و يتوجب على شخصٍ ما أن يتجرّع الغصة و أن يقول إنّ الأسد باقٍ".
لو أنّ الهجوم الغربيّ على سوريا قد وقع بالفعل في وقت سابق من هذا العام, لانجرفت الولايات المتحدة عميقاً في صراعٍ يبدو أنه بلا نهاية. فبقدر ما كان هذا الهجوم سيؤدي إلى ترجيح كفة التوازن, إلا أنّه كان سيصب بالدرجة الأولى في صالح الطرف, الذي كما وصفه كروكر, الأكثر سوءاً من النظام السوري. لم يكن لدى أمريكا و الغرب من بديلٍ لخطة الهجوم, و السياسات و الطرق الدبلوماسية التي أدّت إلى إلغاء الهجوم كانت بشكل رئيسي ارتجالية نتيجة عدم توقّع الفشل في تنفيذ الخطة الرئيسية. و لكن وبلا شك فإنّ قرار التراجع أقلّ سوءاً من التورّط في الحرب في سوريا, بل إنّ هناك تطوراً إيجابياً يكمن في القدرة على التحكم بالأسلحة عبر الاتفاق الخاص بتدمير الأسلحة الكيميائية السورية.
سيبقى ذلك الخليط الذي يضمّ المتبلّدين و المصابين بالتنافر المعرفي – الذين يؤمنون بشيء و يقومون بنقيضه– و أولئك الذين يؤمنون و بشدة بالكفاءة المطلقة للقوة العسكرية للولايات المتحدة, هؤلاء جميعاً سيجادلون بأنّه لو تصرّفت الإدارة الأمريكية بشكل أسرع لكانت الأمور أفضل, فقد كان عليها أن تتدخل مباشرةً و أن تدعم الـ"معتدلين" في المعارضة.
يغفل هذا الموقف عمّا غفل عنه دائماً, بدءاً من صعوبة التمييز في هذا الظرف ما بين المعتدلين و المتطرفين, و استحالة ضمان بقاء المعونة في يد المعتدلين, و العديد من الحقائق الأخرى في الصراع السوري مثل هيمنة المتطرفين على جسم المعارضة.
من المفيد جداً مقارنة ما نعرفه الآن بما كان يقال قبل عدة أشهر ليس فقط لفهم درب الحكمة الواجب اتخاذه للتعامل مع المشكلة السوريا, بل أيضاً لتقييم نقاشات أوسع  حول استخدام القوة العسكرية. معظم تقييماتنا للحادثة– أي التراجع عن ضرب سوريا – بعد وقوعها مبنيّة على حالات استخدمت الولايات المتحدة فيها القوة. فعلى سبيل المثال يمكننا أن نستخلص الدروس من حرب العراق و خصوصاً التكلفة الباهظة التي تكبدتها الولايات المتحدة نظير حملتها المضلَّلة.
ولكن استخلاص العبر من هكذا أحداث سوف يورّطنا في مشكلة منهجية يدعوها علماء الاجتماع " الاختيار وفقاً للمتغيّر التابع". إلا أنّنا نمتلك قاعدة بيانات كاملة إذا ما أخذنا في الاعتبار الدروس المستفادة من الحالات التي أصبح فيها استخدام القوة هو القضية الرئيسية, بغض النظر ما إذا كان أو لم يكن قرار السياسة النهائي هو استخدامها.
ثلاثة أنواع من " التقييم " يمكن استسقاؤها عبر هذه الدروس. التقييم الأول هو السؤال العام متى يكون أو لا يكون التدخل العسكري ميّالاً إلى الصواب. أما التقييم الثاني فيتعلق بأداء صانعي السياسات؛ ففي حالة تعامل إدارة أوباما مع الأزمة في سوريا, و منذ البداية, كان هناك استخدام مضلّل لقضية الأسلحة الكيماوية و من ثمّ الاعتماد على الحظ و الحصول على مساعدة الروس في الخروج من الحفرة, بيد أنّ القرار المصيري النهائي في استخدام القوة كان في الاتجاه الصحيح – أي عدم القيام بالضربة. وثمة نوع ثالث من التقييم يتعلق بمصداقية و بحكمة, أو عدمهما, أولئك الذين يشاركون في هذه المناقشات.
الخليط المذكور أعلاه سوف يسوّق حججه لضرب سوريا وفقاً لقاعدة جديدة و هي: " إنّ استخداماً خاطئاً للقوة قد لا يؤذي الجمهورية ". هكذا حجج تعكس مقدار سوء من يسوّقونها.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...