الحوار الأمريكي – الإيراني: من سيخدع الآخر؟
الجمل: زار الرئيس الإيراني أحمدي نجاد العاصمة العراقية بغداد وبقي فيها لمدة يومين قضاهما متجولاً بين أروقة المنطقة الخضراء التي لا تسيطر عليها القوات الأمريكية وحسب بل وتمثل "بؤرة" و"قلب" الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق.
* ماذا تقول التسريبات الجديدة؟
برغم لهجة الرئيس أحمدي نجاد المتشددة ضد الولايات المتحدة وبرغم معارضتها لزيارته، فإن بعض التسريبات الواردة اليوم تقول:
• إن حضور الرئيس الإيراني لبغداد وتواجده في المنطقة الخضراء كان إجراءاً محسوباً بعناية فائقة.
• الهدف غير المعلن لزيارة الرئيس الإيراني هو إعطاء دفعة جديدة لحوار واشنطن – طهران الذي بدأ قبل سبعة أشهر بواسطة السعودية.
• الحوار الإيراني – الأمريكي المعلن ظل دائراً في المنطقة الخضراء في بغداد بالتوازي مع حوار إيراني – أمريكي غير معلن في واشنطن.
* بعض المؤشرات المثيرة للاهتمام:
خلال زيارة الرئيس الإيراني كانت وحدة خاصة من قوات البشمركة الكردية تقوم بمهام حمايته، ولم يلاحظ أي وجود لحماية من قبل قوات الأمن العراقية أو حتى المليشيات الشيعية التابعة لأخلص حلفائه العراقيين، والمفارقة تمثلت في أن مواقف الرئيس الإيراني والحركات الكردية كانت تتميز بالتباين والتعارض، فالحركات الكردية تتحالف مع أمريكا وإسرائيل وتهدف إلى إقامة دولة كردية على الأطراف التي يتم فصلها من إيران والعراق وتركيا، والرئيس الإيراني يعارض ذلك وظل دائماً أكثر تشدداً في انتقاداته للحركات الكردية وزعمائها واتهامهم بدعم الاحتلال الأمريكي ومساعدة القوات الأمريكية ومخبراتها في استهداف إيران. ولكن المفارقة الثانية جاءت اليوم عن طريق الحكومة الإيرانية نفسها، فقد أوردت صحيفة زمان اليوم التركية تصريحاً جديداً لنائب وزير الخارجية الإيراني أكد فيه على أن الزعيم الكردي مسعود البرزاني لا يقوم بدعم الإرهاب، وتقول تسريبات الصحيفة التركية بأن تركيا التي تسعى برغم الضغوط الأمريكية لبناء علاقات طيبة مع إيران، لن تقبل بهذا التصريح الذي يتنافى مع نظرة تركيا الرسمية للحركات الانفصالية الكردية. المفارقة الثالثة جاءت من موسكو، حيث ظلت روسيا تقف إلى جانب إيران في أزمة برنامجها النووي، وبعد صدور تقرير التخمين الاستخباري الأمريكي الأخير حول القدرات النووية الإيرانية، أعلنت موسكو عن اتفاقها مع إيران لتزويدها بالوقود النووي، ولكن لاحقاً وردت تسريبات تقول بأن الأمريكيين اتفقوا مع روسيا على شراء كل فائض إنتاجها من الوقود النووي بحيث لا يتبقى شيء لإيران. وبرغم وقوف روسيا إلى جانب إيران في مشروع قرار العقوبات الأخير، فقد جاء اليوم تصريح روسي جديد طالبت فيه موسكو إيران بضرورة الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي. وعلّق وزير الخارجية الروسي قائلاً بأن القرار الجديد هو إشارة سياسية جادة وحازمة لطهران حول ضرورة أن تتعاون مع مجلس الأمن الدولي.
* تفاهم واشنطن – إيران: لغز "الأمر الواقع":
تقول المعلومات بأن الرئيس بوش يريد الحصول على دعم إيران في المحافظة على استقرار العراق، وبالفعل نجح التفاهم الإيراني – الأمريكي في:
• إيقاف الأنشطة العسكرية التي كانت تقوم بها المليشيات الشيعية العراقية.
• إيقاف القوات الأمريكية لعملياتها العسكرية ضد المناطق والمليشيات الشيعية العراقية.
حالياً المسار المتوقع لطهران هو الدفع باتجاه التفاهم مع واشنطن حول البرنامج النووي الإيراني، أما مسار واشنطن فسوف يركز على الاكتفاء حصراً بالمساعدة الإيرانية في الحفاظ على الوضع الحالي في العراق. إن الحوار على خط طهران – واشنطن قد يتطرق إلى الآتي:
• ملف جنوب العراق.
• ملف النفط العراقي وتحديداً نفط جنوب العراق.
وتقول المعلومات بأن الاهتمام الإيراني بجنوب العراق يقوم على ثلاثة اعتبارات:
• وجود المدن الشيعية المقدسة: كربلاء – النجف – سامراء.
• نفط البصرة.
• السكان الشيعة.
والموقف الميداني إزاء هذه الاعتبارات الثلاثة يتمثل في الآتي:
• يشكل جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر القاسم المشترك الأعظم في هذه الاعتبارات الثلاثة.
• لن تستطيع الحكومة العراقية الحالية إنجاز أي شيء في جنوب العراق إلا بموافقة الصدر الذي أصبح مستعداً لتلبية مطالب حكومة بغداد لأنه يهدف أولاً وقبل كل شيء إلى إضعاف منافسيه مثل عبد العزيز الحكيم وجماعة حزب الدعوة والفضيلة الشيعي الذي يتزعمه نوري المالكي وغيرهم من الجماعات الشيعية التي استطاع مقتدى الصدر إخراجها من جنوب العراق.
• حاول نوري المالكي استخدام الإيرانيين في إضعاف مقتدى الصدر عندما قدم لإيران عرضاً بأن يتم بناء خط أنابيب لنقل النفط العراقي وتصديره عبر ميناء عبادان الإيراني بدلاً من البصرة، وتقول المعلومات بأن هذا الاقتراح قد تم إعداده بالترتيب بين نوري المالكي والأمريكيين الذين تسيطر قواتهم على حقول نفط جنوب العراق، وعلى ما يبدو ما زال الإيرانيون أكثر تشكيكاً في احتمالات أن يكون الهدف الحقيقي ليس هو التعاون الإيراني – العراقي، وإنما هو تقويض علاقة الصدر – إيران، مما يؤدي إلى إضعاف النفوذ الإيراني في جنوب العراق بما يترتب عليه كذلك أن لا تجد إيران أي طرف عراقي إلى جانبها عند مواجهة الضربة الأمريكية المحتملة.
الحوار الدائر بين واشنطن وطهران والحوار المحتمل افتراضاً بأنه يدور بين واشنطن وطهران في الولايات المتحدة، هي حوارات لا تقوم على ما يبدو على تحقيق أهداف إستراتيجية واضحة تتعلق باعتبارات الوصول إلى تعاون طهران – واشنطن، وإنما هي حوارات تسعى لتحقيق أهداف تكتيكية مرحلية مؤقتة تركز فيها الإدارة الأمريكية على محاولة خداع إيران وضربها عندما تحين الساعة، أما إيران فتعمل على إستراتيجية كسب الوقت وإغواء أمريكا بأن عليه مواجهة الخيارات التالية:
• خيار البقاء في العراق ويتطلب التعايش مع إيران.
• خيار ضرب إيران وسيترتب عليه خروج أمريكا من العراق وتعرضها للمزيد من الخسائر الفادحة.
أما مناورة إيران على الخطوط الخارجية فتتمثل بوضوح في ملف حزب الله اللبناني الذي يدرك الأمريكيون والإسرائيليون أنه سيجلب لإسرائيل الكارثة الإيرانية التي تسعى إسرائيل حالياً إلى تفاديها عن طريق الضغط على أمريكا لضرب إيران، وتكمن الكارثة المفارقة في أنه إذا قامت أمريكا بضرب إيران لحماية إسرائيل من الكارثة، فإن الكارثة ستأتي لإسرائيل عبر حدود جنوب لبنان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد