الختان والفتاوى في خدمة الجميع
«الطهارة سترة للبنت وحماية لها حتى من نفسها». هذا هو التصريح الذي أدلت به «أم هناء» بشموخ وإباء حين توجهت إلى المستوصف الخيري الواقع في المنطقة العشوائية التي تقطنها وبناتها الخمس في قلب مدينة القاهرة على بعد كيلومترات معدودة من معقل وزارة الصحة حيث تخرج التصريحات النارية المعلنة والمؤكدة والجازمة بأن عمليات الختان سيتم التصدي لها بكل قوة. وهي تقع كذلك على بعد أمتار قليلة وليس كيلومترات من مقر دار الإفتاء حيث أفتى مفتي مصر الدكتور علي جمعة قبل نحو أربعة أسابيع بأن الختان عادة لا تمت للإسلام بصلة.
المثير أيضاً أن «أم هناء»، والدة الفتيات الأربع المختونات التي تسعى هذه الأيام لإخضاع «آخر العنقود» للعملية ذاتها، تسكن على مرمى حجر من مقر المجلس القومي للطفولة والأمومة الذي بُح صوته وأضنيت جهوده في مسيرات وندوات وفعاليات تناهض الختان والقائمين عليه.
وسبب حيرة «أم هناء» في العثور على من يختن ابنتها الخامسة هو أنها «على درجة من الوعي» جعلتها تصر على «تختين» ابنتها على يد طبيب وليس حلاق صحة أو داية، لأنها عرفت من الجيران والتلفزيون أن الحلاقين والدايات يمكن أن يتسببوا في مقتل الفتاة أثناء الجراحة أو إلحاق الأذى بها بسبب تلوث آلاتهم وعدم تخصصهم. إلا أن «وعيها» وقف عند هذا الحد، ورفض قلبها وعقلها الاستماع أو الانصياع للإعلانات وبرامج التلفزيون المتخصصة في سرد مخاطر ختان الفتيات، والتأكيد على أنه ليس من الدين في شيء. في الوقت نفسه، فوجئت «أم هناء» بحال من الذعر في المستوصف وعدد من المستشفيات الخيرية المجاورة حين ذكرت كلمة «طهارة»، وهو اللفظ الشعبي المستخدم لكلمة «ختان»، بسبب الإجراءات المشددة المتبعة في كل الجهات الطبية من أكبر مستشفى لأصغر مستوصف، خوفاً من قرار الحظر الصادر عن وزارة الصحة والسكان قبل ساعات والذي «حظر على الأطباء والعاملين في التمريض وغيرهم إجراء أي قطع أو تسوية أو تعديل لأي جزء طبيعي من الجهاز التناسلي للأنثى سواء في المستشفيات الحكومية أو غير الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى».
هذه «الصحوة» المفاجئة جاءت في أعقاب وفاة فتاة اسمها كريمة رحيم سعيد (13 عاما) كانت تخضع لعملية ختان على يد طبيب مخضرم حقنها بجرعة مخدر زائدة. وسبقتها إلى المصير نفسه الطفلة بدور شاكر (11 عاماً) التي توفيت على يد طبيبة في عيادتها في محافظة المنيا (جنوب مصر) قبل أسابيع بسبب جرعة تخدير زائدة أيضاً.
هذا المصير البشع ليس ظاهرة جديدة في مصر، بل إن حالات التشوه والمضاعفات الصحية الكبيرة من تلوث وغيرها تحدث بصفة مستمرة، إلا أن أحداً قلما يبلغ عنها الجهات المختصة، خوفاً من المساءلة من جهة، ولاعتقاد الأهل بأنها مشاكل يمكن علاجها من جهة ثانية. لكن المثير هو أنه على رغم الجهود الدولية والرسمية والأهلية لمكافحة عادة ختان الإناث في مصر على مدى ما يزيد على عقد كامل من الزمان، وعلى رغم عشرات المسيرات والمؤتمرات التي شهدتها مدن وقرى مصرية لتعلن عن أنها «خالية من ختان الإناث»، إلا أن جانباً كبيراً من هذه الجهود يبدو وكأنه نحت في الصخر. ففي آب (اغسطس) قبل عامين، وبينما كان محافظ أسوان وكبار المسؤولين الصحيين والقائمين على المجلس القومي للطفولة والأمومة يشهدون توقيع أهالي قرية بنبان على أن قريتهم خالية من الختان، كانت نساء القرية يتحدثن خارج قاعة الاحتفال مع الصحافيين الحاضرين عن أهمية الختان لأي فتاة، وبأنه شرط لزواجها، ودليل على أنها بلغت مرحلة الأنوثة المرجوة.
وما يزيد من شعور جموع المصريين والمصريات البسطاء، التصريحات والفتاوى المتناقضة الصادرة عن الرموز الدينيين، ففي الوقت الذي سارع فيه مفتي مصر الى إصدار فتوى تحرم ختان الفتيات، انبرى عدد من الرموز الدينية الإسلامية المنتمية لجهات غير رسمية بمطالبة المفتي بالتراجع عن فتواه باعتبار أنها «بعيدة عن نصوص السنة المطهرة وأقوال أهل العلم».
وسبق لرئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب (البرلمان) المصري الدكتور أحمد عمر هاشم وعضو مجمع البحوث الإسلامية التأكيد أن أعضاء المجمع لم يقولوا بتحريم الختان، وإنما تحدثوا عن منعه، لما يترتب عليه من أضرار، لا سيما في ظل غياب أحاديث صحيحة تحلله أو تحرمه. كما أن الكثيرين من شيوخ وأئمة المساجد الصغيرة والزوايا المنتشرة في كل ركن من أركان مصر غالباً ما يفتون بضرورة إخضاع الفتيات للختان.
وبالطبع فإن هذا التضارب في الفتاوى والنصائح الدينية المصاحب بإيمان تاريخي ومجتمعي شعبي بأن الختان «عفة ونظافة للفتاة» يعني استمرار معركة «القط والفأر» بين الحكومة والراغبين في ختان بناتهم. وكان تقرير صادر عن منظمة الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) في العام 2005 اشار إلى أن 97 في المئة من الإناث في مصر بين سن 15 و49 عاماً خضعن لعمليات ختان.
يشار إلى أن موجة رسمية عاتية كتلك التي تشهدها مصر حالياً ضد الختان حصلت قبل 11 عاماً وتحديداً في العام 1996 حين حظرت الحكومة المصرية ختان الإناث، مستثنية «الحالات المرضية» التي يحددها الأطباء ويقرها مسؤول قسم أمراض النساء والتوليد في المستشفى المقرر إجراء العملية فيه. وما زالت عمليات الختان تجري، ومسيرات مناهضة الختان تسير، والمنظمات الدولية تشيد بالجهود المصرية، وقرارات وزارة الصحة في انتظار التفعيل الدائم والمستمر. وما زالت «أم هناء» تبحث عمن يختن ابنتها الصغيرة.
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد