السعودية تحذر رعاياها من السفر إلى لبنان وفرنسا تغلق مركزين ثقافيين
انحسر التوتّر في شوارع بيروت أمس بعد اتفاق الجيش وقوى الأمن مع القوى السياسية على سلسلة من الإجراءات لمنع تجدّد المواجهات في أحياء العاصمة، فيما برز عنصر مقلق إضافي تمثّل بإعلان السعودية، في خطوة هي الأولى من نوعها للمملكة في لبنان، أن لبنان ساحة غير مستقرة، داعية رعاياها الى عدم السفر إليه «في ظل الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة التي يمر بها حالياً». أمّا الاستعدادات السياسية لاستقبال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، فيبدو أنّها لا توحي باختراقات كبيرة.
وعلم أن موسى سيصل الجمعة ليباشر جولة على أركان الموالاة والمعارضة تمهيداً للقاء جديد بين الرئيس أمين الجميّل والنائب سعد الحريري والنائب ميشال عون، وذلك للتوصل الى صيغة توافقية لتنفيذ بنود المبادرة العربية. وتردّد أن الرئيس نبيه بري الموجود في الخارج ينوي القيام قريباً بجولة على دمشق والرياض والقاهرة للبحث مع المسؤولين فيها في إنهاء الخلافات القائمة بين العواصم الثلاث لأنه لن يتوافر أي حل للأزمة اللبنانية ما لم تعالج هذه الخلافات.
وكان التطور المفاجئ أمس البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية السعودية والذي نصحت فيه «المواطنين السعوديين بعدم السفر إلى لبنان في ظل الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة التي يمر بها لبنان حالياً، وذلك ضماناً لأمنهم وسلامتهم وعدم تعرّضهم لأي مكروه لا سمح الله». وأوضح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية في تصريح إلى «وكالة الأنباء السعودية» أن ذلك يأتي انطلاقاً من حرص حكومة السعودية «على سلامة مواطنيها كافة ممن يرغبون في السفر للخارج». وأشار إلى «أن وزارة الخارجية دعت المواطنين السعوديين الموجودين في لبنان إلى توخي الحيطة والحذر في تحركاتهم».
وقال السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة في تصريح بثّته قناة «أخبار المستقبل» إن «من المستحسن ألا يُحمّل هذا التحذير أكثر مما يحتمل». وأضاف: «إن الوضع المؤسف في لبنان يدعو الى بعض القلق. وإن المملكة حريصة على الإخوة في لبنان بمقدار حرصها على رعاياها الذين يحبون لبنان ويرغبون في الإقامة فيه. ومن هنا، رأت وزارة الخارجية أن تدعوهم الى الحيطة والحذر».
وفي السياق نفسه، أغلقت فرنسا «مكاتب المركزين الثقافيّين في صيدا وطرابلس لأسباب أمنية». وأوضحت السفارة الفرنسية أن القرار اتخذ قبل أسبوعين تقريباً. وشددت على أن «غالبية نشاطات المركزين، ولا سيما دروس اللغة الفرنسية، مستمرة في أماكن أخرى في هاتين المدينتين»، مشدّدة على أن «أمن منشآت البعثات الثقافية يمثّل أولوية».
الى ذلك، أنجز الجيش اللبناني خطة انتشار في بعض أحياء بيروت لمنع تجدد المواجهات بين أنصار الموالاة والمعارضة، وذلك في ضوء الاجتماع الأمني الذي عقد أول من أمس في مديرية المخابرات في الجيش. وتقرر أن تكون السلطة على الأرض للجيش فقط، من دون قوى الأمن وفرع المعلومات.
وحسب مشاركين في الاجتماع، فإنه خلص إلى الآتي:
1ـــــ تأكيد ممثلي القوى أن لا قرار بإشعال فتنة مذهبية. وحرص ممثل حزب الله الحاج وفيق صفا على القول إن اغتيال القائد في الحزب عماد مغنية لا يغيّر في القرار. وشارك صفا الى جانب ممثلي «أمل» أحمد البعلبكي و«المستقبل» خالد شهاب في تقديم الضمانات الكاملة للجيش حيال عدم تكرار الحوادث بين أنصارهم.
2ـــــ قرّر الجيش نشر وحدات منه في الأماكن التي شهدت اشتباكات في الأيام الأخيرة وأخصّها السبت الماضي (في البسطة والنويري ورأس النبع وبشارة الخوري والزيدانية ومار الياس) دون الدخول الى قلب الأحياء والشوارع المتفرعة منها، وبما يسمح بتطويق أي حادث ومنع تمدّده من حيّ إلى آخر.
3ـــــ تعهّد ممثّلو التنظيمات الثلاثة احترام وسائل الإعلام التابعة لهم، ولا سيما منها المتلفزة، التهدئة في التعامل مع المواقف السياسية تفادياً لمزيد من الاحتقان الداخلي. ولم يكتم الجيش قلقه من تصاعد وتيرة الاشتباكات التي اتخذت في حوادث السبت الفائت وتيرة خطيرة عندما بدأ كل من طرفي النزاع مهاجمة مقار الطرف الآخر. ولاحظت القيادة أن مهاجمة المقار راحت تقترن بحشد مئات الشبان وبإطلاق نار وبتنقّل المطاردات والمواجهات من حيّ إلى آخر، فتخرج عن سياق حادث فردي لتمسي نزاعاً مذهبياً حقيقياً.
4ـــــ تعززت مخاوف الجيش من مهاجمة المقار الحزبية التي ترمي، على ما يبدو، إلى مباشرة خطة طرد متبادل للمراكز الحزبية في هذا الحيّ أو ذاك. وكانت المعلومات المتوافرة لدى قيادتي الجيش وقوى الأمن تحدّثت عن استحداث مراكز حزبية لدى الطرفين في مناطق مختلطة مذهبياً، ويتجمّع من حولها شبان مستنفرون لأي استفزاز يواجهون به.
ويبدو أن ما سرده ممثلو الأحزاب أمام الأمنيين الرسميين عبّر عن هواجس مشتركة ومتطابقة لدى كلّ منهما حيال الآخر. وتبادلوا الاتهامات بنشر مسلحين واستفزاز المشاعر المذهبية وحشد الشبان وإطلاق الهتافات والشعارات المعادية والتحرّش وتوسّل العنف، وصولاً إلى مهاجمة المقار الحزبية. وفي خلاصة القول وصلوا إلى ما قد يكون أدهى من الحوادث المتنقلة، وهو أن الفتنة المذهبية استحقاق وشيك ما لم يصر إلى تداركه.
5ـــــ أبلغ المسؤولون الأمنيون نظراءهم في التنظيمات الحزبية المتنازعة أن السلم الأهلي يصنعه السياسيون ويحميه الجيش بعد أن يحظى باتفاق وطني عام. تالياً ليس الجيش مَن يصنع السلم الأهلي، ولا يمكن استطراداً التعويل على قدراته في هذا الإطار لأن مواجهة أي اشتباك ذي طابع مذهبي لا تتعدى كونها إجراءً وقائياً لمنع تمدّده، وتحوّله شغباً عاماً قابلاً للتفشّي في أكثر من منطقة. إلا أن الحؤول دون حصوله ينبثق من إرادة المراجع السياسية ومن إعادة النظر في خطابها السياسي المتشنج والبالغ الحدّة، فيبتعد عن التهديد والعنف، ويحظى بحدّ أدنى من الاحترام واللياقة في إبداء الخلاف السياسي.
وفي سياق المعالجة، اتفق على لقاءات في الأحياء بين المسؤولين المحليين من الأطراف كافة، وعلى ضبط الإشكالات في حال حصولها موضعياً، والاتصال مباشرة بالجيش وسحب الغطاء عن المشاركين، والسماح للقوى الأمنية بالقيام بدورها كاملاً، وعدم لجوء أي طرف الى الأعمال العنفية.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد