السوريون وفيروز حب من طرفين
صباح فيروز، فرض يومي يؤديه السوريون منذ سنوات، الإذاعات الخاصة والرسمية، الشوارع والمواصلات تمارس «طقوس فيروز» التي لا يحق لسواها أن يغني حتى الساعة 10 صباحاً، وبعدها يعود سائقو الميكروباصات وسيارات الإجرة إلى سارية السوّاس... ووفيق حبيب.
«وللتصدّي لمقولة أن فيروز لا تُسمع إلا في الصباح»، خصصّت لها إذاعة «شام إف إم» فترة مسائية عنوانها «فيروزيات المسا»، كما يقول مدير الإذاعة سامر يوسف.
من «الإدمان» الشخصّي لصاحبها على أغاني فيروز وفكر الرحابنة وألحانهم، أعلنت إذاعة «شام إف إم» منذ انطلاقها قبل 3 سنوات تنصيب فيروز أيقونة للإذاعة. يقول يوسف: «كان من الطبيعي أن نختار اسماً لا يختلف عليه أحد ليرتبط باسم إذاعتنا، وبما أن اسمنا «شام» فمن الطبيعي أن يكون الأسم الآخر هو فيروز».
وأثبتت الأرقام أنه كان محقّاً، ففترة «فيروزيات المسا، أصبحت الأهم في الإذاعة، ولما حققته من شعبية تولت رعايتها إحدى أكبر الشركات الخاصة في سورية»، يوّضح يوسف.
يتفق سامر مع مؤسس تجمع «أصدقاء فيروز» ناصر منذر في أن «عدم حب» فيروز خطيئة يستنكرها السوريون، ويذهب ناصر إلى أبعد من ذلك، فبالنسبة إليه: «أي شخص يحب فيروز ويفهمها أكثر من العادة، يصبح صديقي بشكل أتوماتيكي».
لم يكتف ناصر باستخدام شغفه بأغاني فيروز كمقياس لعلاقاته الإنسانية، وإنما نظّمه ليخرج بهذا التجمع عام 2003، والذي بدأ بجمع أرشيف أعمال فيروز كتابةً وألحاناً. وإلى اليوم توصّل تجمع «أصدقاء فيروز» إلى 1000 عمل، أكثر من نصفها ليس منشوراً. الخطوة الثانية للتجمع كانت عند عودة فيروز إلى سورية عام 2008 في احتفالية «دمشق عاصمة للثقافة العربية»، بعد غياب 21 سنة، إذ جمع 3500 بطاقة حب سورية لفيروز، وأقام لها معرضاً للصور في دار الأوبرا في دمشق.
خطوة التجمّع في تلك الأيام كانت مجرد تعبيرٍ إضافي عن شوق السوريين إلى فيروز. فطوابير المنتظرين منذ الساعة 3 صباحاً على شبّاك حجز تذاكر حضور مسرحيتها «صح النوم» كانت الأبلغ.
اليوم يخطط تجمع «أصدقاء فيروز» لإقامة مهرجان تكريم لفيروز والأخوين رحباني، شبيه بالذي أقاموه في «صافيتا» ريف طرطوس العام الماضي، يتضمن حفلات موسيقية وأمسيات شعرية ومحاضرات عن فيروز ودمشق، إضافة إلى عرض مجموعة من أفلامها، علّه يجذبها، فـ «ترجع بكرة توقف معهم وإذا مش بكرة البعدو أكيد»، كما يأمل منذر.
لا تعيش فيروز في الذاكرة السمعّية للسوريين فحسب، إذ دخلت إلى حياتهم وأحاديثهم من خلال لافتات غالبية مقاهي ومطاعم دمشق القديمة التي حُفرت عليها كلمات أغانيها «سلينا، بعد سهار، دروب الهوا، صباح ومسا، بيت ستي...».
أما فيروز فاعترفت بحبها بشآميات «سائليني، أحب دمشق، ياشام عاد الصيف، قرأت مجدك، خذني بعينيك، نسمت من صوب سورية الجنوب، مرّ بي، خذني بعينيك، وبالغار كللت»، هي مجموعة من أصل عشرين أغنية غازلت فيها فيروز السوريين، وهي برهان السوريين على مبادلة فيروز حبهم.
«لدمشق وقع خاص في أغاني فيروز وحفلاتها مختلف عن وقع المدن الأخرى التي غنّت فيها أو لأجلها، شآميات لم تغني مثلها حتى لبيروت»، يقول الدكتور مازن علوش صديق زياد الرحباني.
ويروي علوش حكاية ناظم الحافظ، مدير معرض دمشق الدولي، عندما سألوه لماذا دائماً فيروز، فقال: «هذا مسرح فيروز، ومعرض فيروز، وبردى هو نهر فيروز»، مضيفاً: «يعني أصبحت الشام فيروز وفيروز الشام».
ويختم علّوش بـ «الخلاصة الجمهور السوري يحب فيروز في شكل مختلف، وفيروز تحب الجمهور السوري في شكل مختلف». حكاية فيروز مع الشام بدأت عام 1952 عندما أطّلت من إذاعتها على الجمهور العربي، و لسنوات كثيرة كانت أغاني فيروز حدثاً إذاعياً ثابتاً كل أحد في معرض دمشق الدولي الذي احتضها منذ 1962 حتى 1977 دون انقطاع.
يأتي الصيف «متّئداً ويعود بها الجناح فتضع عيناها على دمشق التي ينهمر منها الصباح»، ينتهي، فتودّعهم على أمل اللقاء «شـآمُ أهلوكِ أحبابي، وَمَوعِدُنا أواخِرُ الصَّيفِ، آنَ الكَرْمُ يُعتَصَرُ نُعَتِّقُ النغَمَاتِ البيضَ نَرشُفُها».
زينة ارحيم
المصدر: الحياة
التعليقات
الموضوع أكبر
إضافة تعليق جديد