السياسة الخارجية اليونانية في ظل صعود قوى يسار الوسط
الجمل: تتميز الدولة اليونانية بمحدودية قدراتها مقارنة بقدرات الدول الأوروبية الاستراتيجية كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، ولكن برغم ذلك فإن توجهات السياسة الخارجية اليونانية تفيد لجهة القيام بدور المؤشر لاحتمالات حدوث التغييرات في السياسات الخارجية الأوروبية.
* السياسة الخارجية اليونانية في ظل صعود قوى يسار الوسط:
أسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن هزيمة تيار المحافظين اليوناني بشقيه المتمثل في المحافظين الجدد والمحافظين التقليديين، وصعود القوى الاشتراكية المتمثلة بيسار الوسط وأقصى اليسار إلى السلطة.
على خلفية نتائج الانتخابات وشكل الحكومة الجديدة يبرز التساؤل الرئيسي القائل: إذا انتهت حكومة المحافظين الحليفة لأمريكا وإسرائيل والمعادية لتركيا فهل سيؤدي صعود الحكومة الاشتراكية إلى إنهاء السياسة الخارجية اليونانية السابقة، وبكلمات أخرى هل ستشهد السياسة الخارجية اليونانية تحولاً باتجاه:
• دعم ملف الحقوق العربية وبالتالي إضعاف الروابط على خط أثينا – تل أبيب والدخول في خلافات مع واشنطن.
• إصلاح الروابط والعلاقات مع تركيا يتطلب قيام أثينا بتقديم التنازلات لأنقرة في ملف الصراع القبرصي وملف الصراع على جزر بحر إيجه وممراته البحرية، وقيام الحكومة الاشتراكية الجديدة بأي من هذه التنازلات سيجعلها على علاقات طيبة مع أنقرة ولكنه سيغضب الرأي العام اليوناني الذي سينقلب عليها مثلما انقلب على حكومة المحافظين السابقة.
• انفتاح حكومة الاشتراكيين على بناء الروابط مع روسيا والصين سيتيح لها الحصول على المزيد من المكاسب الاقتصادية ولكنه في الوقت نفسه سيجلب لها غضب الولايات المتحدة وصقور حلف الناتو وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا كالدانمارك وهولندا وبلجيكا.
• تسيطر قوى يمين الوسط وقوى اليمين الأوروبي على البرلمان والمجلس الأوروبي وبالتالي على الاتحاد الأوروبي، ومؤخراً اضطر الإيرلنديون لابتلاع الإهانة والقيام رغماً عنهم بالموافقة بأغلبية ساحقة على معاهدة لشبونة بعد أن سبق ورفضوها في استفتاء العام الماضي تفادياً للدخول في مواجهة مع البرلمان والمجلس الأوروبي فهل ستخوض حكومة الاشتراكيين المواجهة مع البرلمان والمجلس الأوروبي أم أنها ستحني رأسها للعاصفة الأوروبية وتقبل سراً ما سبق ورفضته علناً؟
سيكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل على الحكومة اليونانية الجديدة الجمع بين سياسة داخلية يونانية تقوم على أساس اعتبارات توجهات مذهبية يسار الوسط وسياسة خارجية تقوم على أساس اعتبارات توجهات مذهبية يمين الوسط ولكن لما كانت السياسة هي فن الممكن فمن الممكن لهذه الحكومة أن تسعى لاعتماد قدر كبير من البراغماتية السياسية في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية ولكن: كيف؟ وهنا تكمن المشكلة التي ستتمثل في المفارقة التي ستنشأ بين معطيات تخطيط السياسة الخارجية اليونانية إزاء العالم الخارجي وعملية التنفيذ الفعلي لهذه السياسة على أرض الواقع.
* السياسة الخارجية اليونانية إزاء الشرق الأوسط:
على أساس الاعتبارات الشرق أوسطية توجد أربعة محاور لعمل وأنشطة السياسة الخارجية اليونانية وهي:
• السياسة الخارجية اليونانية إزاء تركيا وتقوم على أساس اعتبارات ملفات الصراع القبرصي وجزر بحر إيجه وممراته البحرية.
• السياسة الخارجية اليونانية إزاء إسرائيل وتقوم على أساس اعتبارات التعامل مع إسرائيل كبلد صديق وحليف للأوروبيين والأمريكيين.
• السياسة الخارجية اليونانية إزاء بلدان الشرق الأوسط وتحديداً سوريا ولبنان ومصر والأردن تقوم على أساس اعتبارات التعامل مع كل طرف على حدة.
• السياسة الخارجية اليونانية إزاء بلدان المغرب العربي وتقوم على أساس توازن المصالح الاقتصادية والتجارية مع التجاهل التام لملف الصراع العربي – الإسرائيلي.
لكن، على خلفية صعود قوى يسار الوسط إلى السلطة فإن المطلوب هو القيام بعملية تغيير حقيقية في توجهات السياسة الخارجية اليونانية الشرق أوسطية ولكن عملية التغيير هذه ستصطدم بالمزيد من العراقيل والعقبات وبرغم ذلك فإن حدوثها ممكن ويتوقف في هذه الحالة على مدى قدرة بلدان الشرق الأوسط صاحبة المصلحة في تعزيز ودعم الحكومة الاشتراكية اليونانية الجديدة عن طريق السعي من أجل تعزيز المبادلات التجارية والاقتصادية بما يساعد الحكومة الاشتراكية في التغلب على المشاكل الاقتصادية وهذه المساعدة ممكنة ومتاحة وعلى وجه الخصوص بواسطة البلدان الخليجية والنفطية العربية وهنا تكمن مشكلة أخرى لا تقل أهمية عن مشكلة الحكومة اليونانية الاشتراكية فإلى أي مدى سيتعامل العرب بجدية ووعي مع الأطراف الأوروبية الداعمة والمساندة للموقف العربي في الصراع العربي – الإسرائيلي؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد