الصادرات الزراعية تتحدى الحرب: ظلم «ذوي القربى» أشد مرارة
بحسب البيانات الإحصائية لهيئة تنمية الصادرات الحكومية فإن الصادرات الزراعية استحوذت على 50% من قيمة الصادرات السورية عام 2014، إذ وصلت قيمتها إلى نحو 800 مليون دولار، لكن التوقعات ترجح انخفاضها هذا العام برغم مواسمها الجيدة، والسبب يكمن في تفاقم الصعوبات أمام حركة التصدير.
«يواجه مصدرو الحمضيات مشاكل معقدة أبرزها إغلاق المعابر البرية، أجور النقل، وقرارات الحكومة العشوائية كتعهد قطع التصدير، وبسبب ذلك هناك 21 شاحنة مبردة متوقفة عن العمل»، يقول المُصدّر نزار درويش. ويضيف: «إن هذا الواقع جعل الفلاح والمُصدّر يشعران بوجود مؤامرة من كل الاتجاهات على موسم الحمضيات، ما دفع بعض المزارعين لقطع أشجار بساتينهم بسبب الخسائر المتتالية». وهو أمر يجد فيه مدير التسويق في وزارة الزراعة، مهند الأصفر، مبالغة كبيرة، «فالفلاح لم يصل لمرحلة قطع أشجار عمرها 35 عاماً، فهو أذكى من ذلك».
مُصدّر آخر استغرب معاملة جميع السلع بالسوية نفسها بموجب تعهد القطع، ليطالب بمعاملة خاصة للحمضيات لانخفاض أسعارها، «فالشاحنة المبردة التي تصل حمولتها لنحو 25 طن تكلف نحو 8500 دولار، وهي تكلفة تعد مرتفعة على المصدرين». رأي يتفق معه المصدر بسام علي، ويزيد عليه بالقول: «يعد الترفيق أبرز المشاكل، فهو يكلف مع النقل قرابة 300 ألف ليرة بسبب المنافسة بين الشركات الخاصة، ما يوجب توحيد السعر تحت غطاء الحكومة بحيث تكون الأجور رمزية»، بينما يرى مُصدر رفض ذكر اسمه أن «أجور النقل كارثية وخاصة عند دفع الأتاوات لإرهابيي داعش لضمان وصول البضاعة إلى الحدود العراقية»، إنما يتفق جميع المصدرين على أن هذه العقبات جعلت منافسة المنتج المحلي ضعيفة أمام التركي، الذي لا يتحمل هذه التكاليف ويباع بأسعار معقولة.
اتهام وعتب
يحمل المصدرون الحكومة مسؤولية خسائرهم، وأقلها بسبب عدم التواصل مع الدول المجاورة لحل المشاكل الحدودية، وهنا يقول درويش: «بداية كل موسم تأتي وفود حكومية وتكرر سيناريو الشعارات نفسه، لتكون النتيجة تضرر نحو 70 ألف عائلة منها 8 آلاف عائلة شهيد»، ليتساءل: «أيعقل إلا تقدر الحكومة على فتح المنافذ الحدودية مع العراق، بينما نجح اتحاد المصدرين في تحقيق ذلك، فالمصدر يعاني الآمرين لوصول منتجاته إلى معبر التنف، وعند بلوغه يرفض التاجر العراقي أخذها إلا بعد إفراغها ببراد آخر، فأين الحكومة؟».
وبنبرة اللوم ذاتها، يرفع علي صوته عالياً ليؤكد امتلاكه عام 2012 منشآة كانت ترفد خزينة الدولة أسبوعياً بنحو 600 ألف دولار، لكنها اليوم خاسرة بسبب إجراءات الحكومة، ليبين أن «جميع الدول تدعم المصدر بإعطائه مثلاً 50 دولارا على كل طن مرتجع، بينما الحكومة لدينا تأخذ 250 دولارا بموجب تعهد القطع»، مطالباً إياها «بدعم المحاصيل الاستراتيجية وذلك عبر تحملها 25-30% من التكاليف، علماً أن المصدرين رفعوا كتابا إلى مجلس الوزراء لتقليل قيمة تعهد القطع ليأتي الجواب أن ذلك خط أحمر تُمنع مناقشته».
توصيف... ولا حلول
الكميات المصدرة بالحدود الدنيا بسبب النقل وإغلاق المعابر الحدودية بحسب ما يؤكده رئيس اللجنة القطاعية في اتحاد المصدرين، إياد محمد، ويشير إلى أنّ «التكلفة مرتفعة عبر البحر، فالنقل إلى إربيل عبر تركيا يكلف حوالى 9 آلاف دولار، وهذا ينطبق على دول الخليج للمرور بقناة السويس، ما يعني تحميل المنتجات المرتفعة الثمن فقط». ويضيف: «حالياً مصر هي المنفذ الوحيد للصادرات بتكلفة 6 آلاف دولار، مع محاولات لتجزئة خط العراق ليصل إلى القيمة نفسها كون التجارب الأولى كانت تكلف 8 آلاف دولار».
بدوره، يحمّل رئيس اتحاد الغرف الزراعية محمد كشتو الإرهاب وإغلاق المعابر الحدودية مسؤولية ما يواجهه التصدير من مشاكل وصعوبات، ليعود ويحمل اتحاد المصدرين أيضاً جزءاً من مصائب المصدرين عبر رفضه المساندة بطلب تعليق العمل بتعهد القطع على الحمضيات خلال اجتماع ضم جميع الجهات المعنية، التي جاء جوابها بالرفض.
اسمندر
أما مدير تنمية وترويج الصادرات، إيهاب اسمندر، فإنه يمسك العصا من الوسط عبر ربطه مشاكل التصدير بظروف الحرب، التي أثرت في الإنتاج الزراعي وعلى نحو جعل الخدمات المقدمة أكثر تعقيداً، لكن هذه الآثار السلبية برأيه تقابلها منعكسات إيجابية تتمثل باستمرارية القطاع الزراعي وتطور الفكر التسويقي.
تقاذف تهم
تعدد الجهات المعنية بتسويق الصادرات الزراعية كشف صعوباتها جراء تهرب كل جهة عن تأدية واجباتها، حيث يؤكد مهند الأصفر أن «وزارة الزراعة تعنى بتوافر المنتجات الآمنة حتى باب المزرعة ثم تتواصل مع الجهات التسويقية لتسهيل انسيابها إلى الأسواق المحلية والخارجية»، ليلقي الكرة في النهاية بملعب هيئة تنمية الصادرات ومديرية الجمارك واتحاد المصدرين، الذي يؤكد إياد محمد أنه عبارة عن «نقابة هدفها تذليل عقبات التصدير، لكنها جهة لا تصدر مع أنها تعهدت هذا العام تصدير 100 ألف طن من الحمضيات عبر شركتها الخاصة، علماً أن المتاح يقارب 200 ألف طن، وهذا مرهون بوزارة الزراعة»، ليبين أن تفعيل الاتفاقية الموقعة مع اتحاد الجمعيات الفلاحية العراقية مرتبط بالاتفاق على سعر منطقي للمصدرين، وبموجبها سيقام مركز جمركي بمعبر النجيب، الذي فتحه الاتحاد بعلاقاته الخاصة، كما يحاول فتح أسواق جديدة في الاتحاد الأوراسي وإيران والجزائر بيد أنها تبقى محاولات خجولة، لكن كشتو لا يرى «أنه توجد مشكلة باستهداف أسواق خارجية، فبرأيه أزمة الصادرات الزراعية تتعلق بالإجراءات المعقدة المفروضة».
الغلاء لا يرتبط بالتصدير
غلاء واضح شهدته أسعار السلع الزراعية، وهو تطور أرجعه البعض إلى تصديرها خارجاً وهو ما يرفضه المعنيون بقطاع التصدير، فيقول مدير تنمية وترويج الصادرات، إيهاب اسمندر: «الغلاء مسألة معقدة لا ترتبط بتوفر السلع، وبالعموم تصدر السلع ذات الإنتاج الفائض كالحمضيات وزيت الزيتون، بالتالي حصر التصدير سيعقبه هبوط بالأسعار مع حرمان البلاد القطع الأجنبي والمواطن من مصدر دخله». وهذا ما يذهب إليه أيضاً إياد محمد، فيقول: «ربط التصدير بغلاء السلع ينفيه بقائها مرتفعة رغم توقف حركة التصدير، ليضيف أن الصادرات تعد مصدر القطع الأجبني الرئيسي جراء توقف الموارد الأخرى».
ويمضي مدير التسويق الزراعي بالاتجاه ذاته بتأكيده «توجيه الحكومة بعدم تصدير أي منتج إلا بعد تأمينه محلياً، فاليوم هناك 300 ألف طن حمضيات متاحة للتصدير، وما بين 30-40 طن من زيت الزيتون تقريباً، فإذا لم تصدر ستنخفض الأسعار بشكل يفوت على الفلاح أرباح حقيقية».
لصادرات أفضل!
«أضعف الإيمان لحل مشاكل المصدرين قيام الحكومة بالتنسيق مع نظيرتها العراقية كون سوقها الأساس للمنتجات السورية» وفق المُصدّر نزار دوريش، الذي يطالبها بفتح مكتب للحوالات المالية بإشراف المصرف المركزي ومكتب للمصدرين باللاذقية لإغلاق الباب نهائياً أمام السوق السوداء، بينما طالب المصدر بسام علي بإبرام المصرف المركزي اتفاقية مع العراقي للتنظيم التعامل المالي لحماية المصدر السوري من الاحتيال. ويؤيدهما في ذلك كشتو بدعوته إلى تبسيط الإجراءات وتخفيف تكاليف الإنتاج كتخفيض الرسوم الجمركية وتعليق قطع التصدير، أما الأصفر، فيجدد المطالبة بتشكيل اتحادات نوعية للمحاصيل الاستراتيجية، لكن إسمندر يرى أن الأزمة تكمن بزيادة الإنتاج الزراعي دون إيجاد برامج تسويقية ملائمة بشكل أوجد مشكلة بتصريفه، ما يتطلب برامج واضحة خارج الإطار الموسمي وتأمين اتفاقيات مع الدول المستهدفة لتذليل عقبات تؤثر في الميزة التنافسية للمنتجات السورية، وإقامة خطوط نقل متعددة ومعارض خارجية وغيرها.
رحاب الإبراهيم
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد