الصراع الجيورجي – الروسي: من أطلق كلاب الحرب في القوقاز
الجمل: اتسع نطاق الصراع الجيورجي – الروسي، ولم يعد الأمر يقتصر على مجرد قيام القوات الروسية بعملية اقتحام عسكري لمنطقة أوسيتيا الجنوبية الجورجية وتقول المعلومات الصادرة اليوم بأن البحرية الروسية قد أغرقت بعض قطع البحرية الجورجية من خلال المواجهات التي جرت في البحر الأسود وأضافت المعلومات بأن وسائط الدفاع الجوي الجورجية قد نجحت في إسقاط بعض الطائرات الحربية الروسية وعلى هذه الخلفية يمكن القول بأن الصراع قد أصبح برياً – بحرياً – جوياً.
* من أطلق كلاب الحرب في القوقاز؟
سوقت أجهزة الإعلام الأمريكية والغربية لحرب جورجيا – روسيا على أساس اعتبارات أن القوات الروسية قد نفذت عملية اقتحام عسكري ضد أراضي أوسيتيا الجنوبية التابعة لجورجيا، وبالمقابل وقفت القوات الجورجية للتصدي لحماية الأراضي الجورجية من الاقتحام العسكري الروسي.
تقول السردية الجديدة التي أوردها البروفيسور ميشيل خوسودوفسكي محرر موقع غلوبال ريسيرتش الكندي بأنه في ليلة 7 آب 2008م وفي توقيت متزامن مع افتتاح أولمبياد بكين قامت القوات الجورجية بشن عملية عسكرية واسعة النطاق بهدف إحكام سيطرة الحكومة الجورجية على إقليم أوسيتيا الجنوبية الذي يتمتع بحق الاستقلال الذاتي. وتؤكد المعلومات بأن الرئيس الجورجي ساخاشفيلي هو الذي أصدر أوامره للقوات الجورجية بتنفيذ العملية العسكرية، وبسبب ارتباط أزمة إقليم أوسيتيا الجنوبية الجورجي مع أزمة إقليم أوسيتيا الشمالية الروسي المجاور له فقد اعتبرت روسيا أن العمل العسكري الجورجي يشكل تهديداً مباشراً للأمن الروسي وعلى وجه التحديد في مناطق القوقاز الشمالي الروسية المضطربة أصلاً.
العملية العسكرية الجورجية في أوسيتيا الجنوبية أدت إلى سقوط أكثر من 1500 قتيل إضافةً إلى آلاف الجرحى وتدمير المستشفيات والبنيات التحتية الأمر الذي أدى إلى حدوث كارثة إنسانية يمكن أن تلقي بتداعياتها على منطقة القوقاز الشمالي الروسي وتقول المعلومات بأن معظم سكان أوسيتيا الجنوبية البالغ عددهم حوالي 70 ألف نسمة قد نزحوا إلى داخل أراضي أوسيتيا الشمالية هرباً من القوات الجورجية.
تدخلت القوات الروسية من أجل إعادة النظام والأمن إلى أوسيتيا الجنوبية وتقول التقارير بأن موسكو ترفض حالياً أي تفاهم مع الحكومة الجورجية الموالية لأمريكا إلا بعد إقرار الرئيس الجورجي بالآتي:
• التعهد بعدم استخدام القوة ضد الأقاليم الجورجية المتمتعة بحق الاستقلال الذاتي الثلاثة: أوسيتيا الجنوبية، أبخازيا الشركسية، أجاريا.
• سحب القوات الجورجية من الأقاليم الثلاثة.
• الموافقة على بقاء القوات الروسية في أوسيتيا الجنوبية.
وتقول المعلومات بأن الإدارة الأمريكية قد فشلت في دفع مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار يطالب بسحب القوات الروسية من أراضي أوسيتيا الجنوبية الجورجية، وحالياً يبذل الاتحاد الأوروبي المزيد من المساعي لإقناع روسيا وجورجيا بالجلوس على طاولة المفاوضات، وأكدت التقارير بأن موسكو قد رفضت مبادرة الاتحاد الأوروبي للتفاوض مع الرئيس الجورجي الذي وافق بالكامل على كل بنود مبادرة الاتحاد الأوروبي.
* الأبعاد غير المعلنة لصراع جورجيا – روسيا:
تمثل أراضي جورجيا الممر الجيو-سياسي الحيوي الرابط بين منطقة القوقاز الشمالي ومنطقة القوقاز الجنوبي، وتشير معطيات خبرة الوقائع إلى أن الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي قد استطاعتا صناعة ثورة ملونة أدت إلى توطيد النظام الجورجي الحالي الموالي للغرب، وأطاحت بالقوى الوطنية الجورجية ذات التوجهات اليسارية.
انفتاح نظام الرئيس ساخاشفيلي على الغرب استطاع على المستوى المعلن استقطاب الرأي العام الجورجي المعادي للحقبة السوفيتية على أمل الحصول على المساعدات والدعم الغربي وبناء دولة جورجية على الطراز الأوروبي أما على الصعيد غير المعلن فقد حمل انفتاح نظام الرئيس ساخاشفيلي الكثير من الملفات المريبة التي من أبرزها:
• ملف اتفاقية التعاون العسكري – الأمني مع إسرائيل.
• ملف تقديم التسهيلات للقوات الأمريكية.
• ملف انضمام جورجيا لحلف الناتو.
• ملف استخدام جورجيا لـ"معمل" لإعداد التقارير وتصدير الثورات الملونة إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق بما في ذلك روسيا.
• ملف استخدام جورجيا كقاعدة متقدمة للعمليات السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد الإسرائيلي التي تتضمن أولوياتها إعداد وتدريب العناصر والمليشيات المنتمية للأقليات الساعية للانفصال عن روسيا.
وبرغم هذه التسهيلات وغيرها فإن النظام الجورجي لم يحصل على شيء سوى الوعود الأمريكية والغربية الأوروبية إضافةً إلى ظهور المزيد من المتعاملين الذين يقدمون خدماتهم تحت سمع وبصر وحماية نظام ساخاشفيلي خدماتهم لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي.
أدت المزايا والتسهيلات غير المحدودة التي قدمها نظام ساخاشفيلي لواشنطن وتل أبيب ودول الاتحاد الأوروبي إلى إغراء أمريكا وإسرائيل بدراسة إمكانية التخلي عن تركيا كحليف واستخدام جورجيا بدلاً عنها إذا استمر حزب العدالة والتنمية التركي مسيطراً على تركيا.
تقول التحليلات بأن صراع جورجيا – روسيا ما هو إلا الحلقة الأولى في صراع جيو-سياسي أكبر على محور موسكو – واشنطن وتجري وقائع هذا الصراع ضمن مسرح أكبر من جورجيا وتشير أبرز التفسيرات والتحليلات إلى الآتي:
• أن تدخل موسكو عسكرياً لحماية المدنيين في أوسيتيا الجنوبية هو المعادل لتدخل واشنطن – حلف الناتو السابق عسكرياً لحماية المدنيين في إقليم كوسوفو.
• أن مخطط موسكو الهادف لتمزيق جورجيا هو المعادل لمخطط واشنطن – حلف الناتو الذي أدى إلى تمزيق يوغوسلافيا السابقة.
• إن قيام موسكو بتوسيع نطاق تدخلها العسكري في جورجيا بحيث يشمل أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية وأجاريا هو المعادل لقيام واشنطن – حلف الناتو بتوسيع تدخلهم العسكري بحيث يشمل إقليم كوسوفو والبوسنة وغير ذلك من مناطق يوغوسلافيا السابقة.
* السيناريو الأكثر احتمالاً:
برغم عدم وجود تأكيدات واضحة للنوايا الروسية الحقيقية فإن تحليل الأداء السلوكي الروسي يشير إلى المعطيات الآتية:
• إكمال السيطرة الروسية على منطقة أوسيتيا الجنوبية ومنطقة أبخازيا الشركسية.
• إخراج القوات الجورجية من منطقة أوسيتنيا الجنوبية ومنطقة أبخازيا الشركسية بما يؤدي إلى إنهاء السيادة الفعلية الجورجية على المنطقتين.
• وضع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية تحت الحماية العسكرية الروسية المباشرة بما يؤدي إلى تحويل المنطقتين إلى محميات روسية داخل أراضي جورجيا.
• فرض حصار بحري على جورجيا بما يؤدي إلى جعل نظام ساخاشفيلي إلى القبول بالوجود الروسي العسكري – الأمني في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية إن أراد رفع الحصار الروسي عنه والاستمرار في الحكم.
وتشير التحليلات إلى أن سيطرة موسكو على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية ستؤدي إلى المزيد من التداعيات الجيو-سياسية في جورجيا ومن أبرزها:
• إعداد وترتيب المسرح لإعلان سكان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية الاستقلال وإقامة الدولة المستثقلة.
• عند إعلان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية الاستقلال فإن موسكو ستبادر إلى الاعتراف بقيام الدولتين وتدعو المجتمع الدولي إلى الترحيب بذلك دون إيلاء أي اعتبار لاحتجاجات جورجيا وأمريكا تماماً مثلما اعترفت الولايات المتحدة باستقلال كوسوفو ودعوتها للمجتمع الدولي إلى الترحيب بذلك دون إيلاء أي اعتبار لاحتجاجات صربيا وروسيا آنذاك.
حتى الآن لم تظهر أي بوادر للمساومات وإجراء الصفقات على خط موسكو – واشنطن ولكن بما أن السياسة هي فن الممكن فمن الممكن في أي لحظة أن يتم عقد الصفقة على خط موسكو – واشنطن وعلى الأغلب أن تتضمن مثل هذه الصفقة إن حدثت تسوية خلافات موسكو – واشنطن العالقة حول الملفات الآتية:
• ملف نشر شبكة الدفاع الصاروخي.
• ملف انفصال إقليم كوسوفو.
• ملف توسيع حلف الناتو.
• ملف التدخل الأمريكي في القوقاز وآسيا الوسطى.
• ملف التعاون الروسي – الأوروبي وفي مجالات النفط والغاز.
• ملف مصير نظام ساخاشفيلي الجورجي الموالي للغرب.
• ملف منظمة حلف غوام ومهامها الأمنية – العسكرية التي تشارك فيها إسرائيل بالوكالة عن أمريكا.
• ملف اتفاقية التعاون الأمني – العسكري الجورجي – الإسرائيلي.
عموماً، لا يمكن حتى الآن التأكيد بأن الحرب الجورجية – الروسية قد أسفرت عن هزيمة جورجيا وانتصار روسيا وعلى الأغلب أن تكون هناك بعض الجولات الأكثر عنفاً ودراماتيكية، وذلك لأن الأسلحة الأمريكية المتطورة الموجودة لدى إسرائيل قد أصبح بعضها متاحاً للاستخدام في جورجيا بفضل التزام إسرائيل ببذل المزيد من الجهود في تدريب وتأهيل وتسليح القوات الجورجية، وعلى ما يبدو فإن استخدام القوات الجورجية للسلاح والعتاد الأمريكي – الإسرائيلي سيساعد نظام ساخاشفيلي الجورجي بإلحاق المزيد من الخسائر في صفوف القوات الروسية المتقدمة، ولكن برغم ذلك فإن جورجيا لن تستطيع بأي حال من الأحوال الصمود طويلاً في مواجهة الآلة العسكرية الروسية، وبهذا الخصوص تقول بعض التحليلات بأن نظام الرئيس ساخاشفيلي لن يستطيع الإفلات من الهزيمة على يد روسيا وهو أمر سيعود بالكارثة على النفوذ الأمريكي في منطقة القوقاز لأن أصدقاء أمريكا القوقازيين سيدركون أن أمريكا التي ظلت تحدثهم عن وقوفها معهم قد تخلت عنهم بالفعل عندما دقت الساعة في مواجهة روسيا. وقد بدأت تباشير ذلك الآن، وحالياً تقول المعلومات بأن آلاف الجورجيين يتظاهرون مطالبين حكومتهم بسحب القوات الجورجية التي أرسلتها إلى العراق طالما أن الولايات المتحدة وحلف الناتو وإسرائيل لم يقفا معهم بالشكل المطلوب. إضافةً لذلك، تقول المعلومات بأن بعض الأوساط الإسرائيلية قد أبدت مخاوفها من احتمالات قيام روسيا بتزويد سوريا وإيران بالمزيد من الأسلحة المتطورة انتقاماً ورداً على قيام إسرائيل بتزويد جورجيا بالأسلحة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد