الصراع الدولي على النفط الليبي والتوازنات الروسية ـ الأمريكية

23-03-2011

الصراع الدولي على النفط الليبي والتوازنات الروسية ـ الأمريكية

الجمل: بدأت تطورات الأحداث والوقائع الجارية في المنطقة العربية تلقي بتداعياتها على الأوضاع الدولية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالمؤسسات الدولية وعلاقات الدول العظمى والكبرى: فما هي التأثيرات الجديدة الدولية التي أفرزتها تطورات الوقائع العربية. وكيف يبدو المشهد على الخطوط الواصلة بين كبريات العواصم الدولية؟

* المسرح السياسي ـ الدبلوماسي الدولي: توصيف المعلومات الجاريةقصر الكرملين الروسي والبيت الأبيض الأمريكي

تحدثت التقارير الجارية عن حالة عدم الإجماع الدولي على أسلوب قيام بعض الدول الكبرى وتحديداً: أمريكا ـ فرنسا ـ بريطانيا، بتنفيذ المزيد من الضربات العسكرية الجوية والصاروخية على ليبيا. وفي هذا الخصوص تشير إلى الآتي:
•    وصل وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في زيارة رسمية للعاصمة الروسية موسكو، وخلال فعاليات الزيارة أعلن وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرجيوكوف تصريحه الذي طالب فيه بضرورة وقف القوات الدولية لعمليات إطلاق النار فوراً، واتهم القوات الدولية بأنها تقوم بعمليات قتل المدنيين الليبيين وأضاف قائلاً بأن موسكو تؤيد إنفاذ إنشاء منطقة حظر الطيران ولكنها لا يمكن أن تقبل بسهولة تصعيد العمليات العسكرية الدولية بهذه الطريقة.
•    تحدث وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في موسكو في معرض الرد على تصريح نظيره وزير الدفاع الروسي قائلاً بأن التحالف الدولي سوف يسعى إلى تجنب إيقاع الضحايا المدنيين في ليبيا وأضاف قائلاً بأن الضربات العسكرية الدولية قد سعت لاستهداف منظومات الدفاع الجوي الليبي التي تقع بعيداً عن المناطق المكتظة بالمدنيين. وأضاف الوزير غيتس قائلاً بأنه يتوقع أن تتناقص شدة العمليات العسكرية الجارية حالياً ضد ليبيا بحيث تنتهي خلال الأيام القادمة.
تقول التسريبات الروسية بأن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قد تملكه الغضب الشديد إزاء تصريحات نظيره وزير الدفاع الروسي، وعندما عاد الوزير غيتس إلى الفندق تحدث مع بعض الصحفيين قائلاً بأنه فوجئ بالتصريحات الروسية وأضاف قائلاً بأن الضحايا المدنيين الليبيين قد سقطوا على يد قوات الزعيم معمر القذافي. وتقول المعلومات بأن الجنرال كارتر هام قائد العمليات العسكرية الدولية ضد ليبيا تحدث قائلاً بأنه قد أصدر تعليماته بتفادي استهداف المدنيين وبأنه يتابع دقة إنفاذ تعليماته الميدانية تفادياً لأي أضرار يمكن أن تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية.

* خلافات خط موسكو ـ واشنطن: إلى أين؟

تتميز علاقات دبلوماسية خط موسكو ـ واشنطن بوجود العديد من الملفات المشتركة الفائقة الأهمية والحساسية ليس لجهة ملف العلاقات الثنائية الروسية ـ الأمريكية وحسب، وإنما لجهة مستقبل استقرار نسق النظام الدولي، وفي هذا الخصوص تشير إلى الملفات الآتية:
•    مسألة ضبط التسلح: ترتبط روسيا وأمريكا بالعديد من الاتفاقيات المتعلقة بعمليات نشر القدرات الصاروخية البالستية، وحجم الرؤوس النووية الحربية غير التقليدية إضافة إلى أسلحة الدمار الشامل الأخرى، وما تزال هذه الاتفاقيات الثنائية الروسية ـ الأمريكية تفتقر إلى المزيد من المصداقية لجهة إنفاذها على أرض الواقع وذلك بسبب الشكوك المتبادلة والتوجس والريبة التي ينظر بها كل طرف إلى نوايا الطرف الآخر.
•    مسألة إمدادات الطاقة: تعتبر روسيا المصدر النفطي الرئيس العالمي، وذلك لأن إنتاج روسيا اليومي هو في حدود 16 مليون برميل، وفي هذا الخصوص تستطيع موسكو التحكم في ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط العالمية. بما يمكن أن يلحق الخسائر والأضرار الفادحة ليس باقتصاديات الاتحاد الأوروبي والاقتصاد الأمريكي وحسب، وإنما بكامل اقتصاديات المنظومة الرأسمالية العالمية.
•    مسألة المجتمع الدولي: تسعى الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا لجهة توظيفها مجلس الأمن الدولي وبقية مؤسسات المجتمع الدولي في عملية بناء التحالفات والإجماع العالمي لجهة إنفاذ الترتيبات الإقليمية والدولية التي تعزز من قوة ونفوذ واشنطن وحلفاءها. وفي هذا الخصوص تتمتع موسكو بحق الفيتو والذي يمكن أن تتمادى روسيا في استخدامه بما يؤدي بلا شك إلى عرقلة استفادة واشنطن وحلفائها من المؤسسات الدولية.
•    مسألة الضبط الإقليمي: تسعى واشنطن إلى توسيع تحالفاتها الإقليمية بما يشمل مناطق الجوار الروسي مثل آسيا الوسطى والقوقاز والبلطيق إضافة إلى أوكرانيا وبلدان شرق أوروبا السابقة. الأمر الذي أثار حساسية موسكو ودفعها إلى التفاهم مع واشنطن حول الترتيبات المشتركة الإقليمية المتعلقة بهذه المناطق.
•    مسألة الاتحاد الأوروبي: تسعى واشنطن إلى استمرارية استدامة نفوذها عبر نافذة علاقات عبر الأطلنطي مع بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان حلف الناتو وبالمقابل تسعى موسكو إلى استخدام تمديد أنابيب نقل النفط والغاز كخيوط وحبال لربط بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان حلف الناتو بالتبعية النفطية بما يتيح لاحقاً بفرض التبعية الروسية على اقتصاديات بلدان الاتحاد الأوروبي.
•    مسألة آسيا: تسعى واشنطن حالياً باتجاه استهداف القارة الآسيوية ضمن مسار مزدوج الأول يتمثل في تعزيز قدرة حلفائها وعلى وجه الخصوص اليابان ـ كوريا الجنوبية ـ الفلبين ـ إندونيسيا ـ تايلاند ـ الهند ـ باكستان. والثاني يتمثل في فرض طوق من التحالفات المعادية ضد الصين وكوريا الشمالية. ولتحقيق ذلك تسعى واشنطن إلى ضمان حيادية روسيا. ولكن بإمكان موسكو تعزيز التحالفات والروابط مع خصوم أمريكا الآسيويين بما يؤدي عملياً إلى إفشال المساعي الأمريكية.
على خلفية كل هذه المسائل وغيرها، فقد ظلت علاقات دبلوماسية خط واشنطن ـ موسكو تتأرجح بين حالة التعاون وحالة الصراع. وحالياً على ما يبدو فإن موسكو أصبحت تنظر باهتمام بالغ إلى التصعيدات الدولية القريبة الجارية حالياً ضد ليبيا باعتبارها تهدف على المستوى غير المعلن إلى الاحتلال الأمريكي لليبيا بما يتيح لأمريكا استخدام المزايا الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية التي تعزز قدرة واشنطن في فرض سيطرتها على بلدان الاتحاد الأوروبي وبلدان حلف الناتو. وذلك لأن سيطرة واشنطن على مخزونات الاحتياطي النفطي الليبي البالغ قدرها 65 مليار برميل سوف تؤدي عملياً إلى نسف مشروع موسكو المتعلق بتمديد أنابيب نقل النفط الروسي إلى أوروبا. وإضافة لذلك فإن سيطرة واشنطن على الساحل الليبي الذي يتميز بوجود خليج بنغازي وخليج سرت إضافة إلى التمدد الطولي بما يجعل منه بمثابة منصة عسكرية إقليمية فائقة الأهمية، وهي أمور سوف تعرقل أي تحركات استراتيجية هامة للبحرية الروسية في المستقبل وتأسيساً على ذلك، فقد امتنعت موسكو في مجلس الأمن الدولي عن التصويت لجانب المصادقة على قرار فرض الحظر الجوي على ليبيا. ولاحقاً بعد ذلك بدأت موسكو وهي أكثر إدراكاً لحقيقة عملية فرض الحظر الجوي، وبالتالي، فإن القراءة الواضحة لتصريحات وزير الدفاع الروسي تشير بجلاء إلى رسالة موسكو القائلة بأنه يتوجب على واشنطن وحلفاءها عدم السعي لجهة تطوير عملية فرض الحظر الجوي إلى عملية عسكرية تهدف إلى احتلال ليبيا.

* توازنات البيئة السياسية الداخلية الروسية والأمريكية

تقول المعلومات والتسريبات بأن التحركات الدولية العسكرية ضد ليبيا قد انطوت على تداعيات غير مسبوقة في كل من روسيا وواشنطن، وفي هذا الخصوص تشير إلى الآتي:
•    التوازنات داخل الكرملين: تحدثت التقارير والتسريبات قائلة بأن العملية العسكرية الدولية الجارية حالياً ضد ليبيا قد أدت إلى تزايد الخلافات داخل الكرملين، وعلى وجه الخصوص على خط الرئيس ميدفيديف ـ رئيس الوزراء بوتين، وأشارت التسريبات إلى أن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين قد وجه المزيد من الانتقادات ضد العملية العسكرية الدولية الجارية ضد ليبيا. الأمر الذي أثار حفيظة وغضب الروسي ميدفيديف المساند والمؤيد لهذه العملية. وتقول المعلومات والتسريبات بأن الرئيس ميدفيديف قد يواجه المزيد من الانتقادات داخل مجلس الدوما والحزب الحاكم. طالما أن بوتين يتميز بالنفوذ والقوة غير المسبوقة داخل مجلس الدوما والحزب الحاكم. هذا وأشارت التسريبات إلى أن تصريحات وزير الدفاع الروسي تمثل في حقيقة الأمر امتداداً حقيقياً لموقف الزعيم بوتين.
•    التوازنات داخل البيت الأبيض: أشارت التقارير والتسريبات إلى وجود انقسامات حادة داخل البيض الأبيض الأمريكي، فقد ظل الرئيس باراك أوباما أكثر نفوراً من فكرة القيام بتنفيذ العملية العسكرية. وذلك في مواجهة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون ونائب الرئيس السيناتور جو بايدن. وتقول التسريبات بأن طاقم مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي تسيطر عليه جماعات اللوبي الإسرائيلي والمحافظين الجدد، رفع تقريراً واضحاً للرئيس الأمريكي باراك أوباما يطالب بضرورة تحرك الإدارة الأمريكية من أجل إنفاذ عملية الحظر الجوي ضد ليبيا.
بدأت العديد من التقارير والتحليلات السياسية الأمريكية المتواترة بالظهور والتي تشير إلى العملية العسكرية ضد ليبيا تحت تسمية "حرب هيلاري كلنتون". فهل يا ترى سوف تستمر "حرب هيلاري كلنتون" بما يجعل منها امتداد لـ(حرب جورج بوش) التي استهدفت غزو واحتلال أفغانستان والعراق. وبالتالي تكون هيلاري كلنتون قد نجحت في تمهيد المسرح لخوض جولة المنافسة لجهة الحصول على ترشيح الحزب الديموقراطي الأمريكي لها لمنصب الرئيس الأمريكي القادم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...