الصور المزيفة في حلب... أكثر من رواية
لا يزال إثبات الزيف في تغطية الحرب في سوريا معركة قائمة بحدّ ذاتها. فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية تعمل وفق نماذج مفرطة التبسيط إلا أنها تبقى نماذج الدعاية والحرب النفسية؛ هي تفي بالغرض أمام جمهور واسع جعلت منه سنوات الحرب الستّ أعزل ربما.
ليست الصحافية الكندية المستقلة إيفا بارتليت بعيدة من حيثيات الحرب. زارت الناشطة في حقوق الإنسان سوريا أكثر من ست مرات، أربع منها لحلب بهدف الحصول على حقائق من أرض الواقع.
خلال مشاركتها في مؤتمر صحافي نظّمته البعثة السورية لدى للأمم المتحدة، وقفت بارتليت عند التضليل السائد الذي من الممكن أن يتعرض له الصحافي في ما يتعلق بأكاذيب وسائل الإعلام الغربية في تغطية الحرب في سوريا. قدمت بارتليت ملاحظاتها بشأن الوضع الحالي في حلب وفي جميع أنحاء البلاد، مشيرة إلى انحياز وسائل الإعلام الغربية.
سئلت مِن قِبل صحافي من «افتنبوستن» عن «دافع وسائل الإعلام الغربية لسرد قصص كاذبة؟». سأل الصحافي النرويجي: «ما هو جدول أعمال الولايات المتحدة في وسائل الإعلام؟ ولماذا يتوجب الكذب؟ وما دافع المنظمات الدولية التي تعمل على الأرض للكذب؟ كيف يمكن لك أن تسوّغي بأننا جميعا كاذبون؟» لافتا الى أن هناك حتماً صحافيين نزيهين في وسائل الإعلام.
بتحدٍ عادت بارتليت إلى الحديث عن المنظمات الدولية التي تعمل على الأرض في شرق حلب مؤكدة أنه «لا يوجد أي منها»، مضيفة: «هذه المنظمات تعتمد على المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من كوفنتري في المملكة المتحدة مقراً له. إنهم يعتمدون معلومات من جماعات مثل «أصحاب القبعات البيضاء» التي تأسست في العام 2013، من قبل ضابط بريطاني سابق». ذكرت بارليت أنه «في الوقت الذي تدعي فيه المنظمة «أنها تهدف إلى إنقاذ المدنيين في شرق حلب وإدلب؛ لا أحد سمع عنهم هناك. كما تساءلت بارتليت كيف لصحيفة مثل «نيويورك تايمز» مثلا أن تُبقي حتى اللحظة على استخدام مصطلح «الحرب الأهلية» في سوريا.
صحيفة «لوموند» الفرنسية نشرت الأسبوع الماضي مقالة تناولت ما كشفته الصحافية الكندية. ذكرت بارتليت قصة مستشفى «القدس» في حلب في نيسان الماضي والتي ادعت بعض وسائل الإعلام حينها بأنه استُهدِف من قبل السوريين أو الروس، إلا أن الأقمار الصناعية الروسية التقطت صورة للمستشفى وهو في حالة دمار منذ تشرين الأول العام الماضي. ومن بين الأمثلة ذكرت قصة مراسل وكالة «فرانس برس» في حلب كرم المصري الذي نال جائزة «فارين» الفرنسية للصحافة عن فئة «صحافة الفيديو» وكانت الوكالة قد نشرت له كتاباً في أيلول الماضي يتناول رحلته وتعاونه مع الوكالة؛ معتبرة بارتليت بأنه دليل واضح عن الغياب التام للمعلومات في تغطية الحرب من الميدان في وسائل الإعلام الغربية. وذكرت «لوموند» بأن بارتليت تتناول وتستعرض أبعاد تغطية وسائل الإعلام الغربية حول ما يجري في حلب استناداً إلى مصادر عدة من بينها التصريحات الحكومية الرسمية، ونشطاء من المعارَضة المسلحة، وشهادات من سكان مدنيين مقيمين في المدينة ومواطنين صحافيين وعاملين في منظمات المجتمع الأهلي.
تناولت بارتليت صورة ادعى ناشروها بأنها لفتاة صغيرة قُتل جميع أفراد أسرتها وتحاول النجاة. «الصورة ليست من هوليوود. إنه واقع الحال في سوريا». هكذا عنونت الصورة، لكن الصورة مأخوذة من فيديو كليب أغنية «الربيع العربي» لهبة طوجي في العام 2014. كما تطرقت الصحافية الكندية في حديثها إلى الصورة التي رفعها بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، والتي يظهر فيها مدني يتسلق ظهر جندي سوري، ليكشف موقع «بازفيد» أن الصورة مأخوذة لقوات التعبئة الشعبية في العراق بعد معركة الفلوجة، الصيف الماضي.
وفي السياق أيضاً تم في الأيام الماضية تداول العديد من الصور ومقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي حول الوضع في حلب والتي تبين لاحقا أنها كاذبة. من بينها صورتان قام بنشرها أحمد زيدان مراسل قناة «الجزيرة» على «فايسبوك» معنوناً «الإعدامات الجماعية في حلب»، ليتبين أن الاولى تعود إلى العام 2015 التقطها مصور وكـالة «رويترز»، والثانية تعود إلى مجزرة ارتكبها «داعش» في العراق العام 2014. أيضا نشر ناشط فلسطيني يدعى ياسر علي صورة لرجل، افترض أنه من حلب، يقف وسط أشلاء لمدنيين قتلوا بسبب الغارات على حد زعمه. بينما تعود الصورة إلى العام 2007 لوكالة «أسوشيتد برس» التقطت خلال التفجير الذي اغتيلت على أثره بناظير بوتو رئيسة الوزراء الباكستانية. في مقالة نشرتها صحيفة «اندبندنت» البريطانية مؤخراً تحمل عنوان «هناك أكثر من حقيقة واحدة في القصة المريعة عن حلب» يوضح الكاتب البريطاني روبرت فيسك بأن الحكومة البريطانية تدفع 17 ألف دولار شهرياً لكل صحافي يعمل في مؤسسة دعائية تسمى «أر. إف.إس» يديرها غربيون في تركيا، مقابل نشر هؤلاء الصحافيين مقاطع فيديو وأعمال دعائية معادية للدولة السورية.
روز سليمان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد