الطائفية ترجمة شرقية للعنصرية
قد تكون الطائفية شكلاً مشابهاً للعشائرية حين تضع بعض العصبيات التاريخية والطقسية في موضع رابطة الدم، ولكن، لا يمكن إدراك الطائفية بأي من الحواس على رغم أثرها المدمر وبطشها العديم الرحمة كما في العراق هذه الأيام وفي لبنان النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي.
تحاول القبض بكفّك على الطائفية، تقبض، ثم تفتح كفك فلا تجدها. تبدو وهماً له فعل أكثر سخونة من الواقع.
وتنسب النزعة الطائفية الى نفسها صفاء دينياً لم يتعكر كما في تديّن الآخرين، لكن الصفاء المزعوم هذا يعبّر عن نفسه في ميل واضح الى احتكار الدين أي احتكار النجاة من الشر والدنس. وتصل هذه التعبيرات الى حد رذل الآخر واعتباره منتمياً الى مجالات بعيدة عن نعمة الله ومدنسة ينبغي تطهيرها، وأفضل وسيلة للتطهير هي النار. هكذا منذ الإنسان البدائي الى الإنسان العراقي، نجد ادعياء الصفاء يرشقون بعضهم بعضاً بالنار الحديثة، ويتطلب التراشق احياناً التضحية بالنفس. أليس الانتحاري في بعض وجوهه مشابهاً للقرابين البشرية التي كان الوثنيون يقدمونها على مذابح أصنامهم؟
تؤسس الطائفية بوجودها الوهمي/ الحقيقي حال عنف دائمة تتمظهر في حروب دموية اذا أُتيحت الظروف.
الطائفية استعداد دائم للحرب، والشخص الطائفي مشروع قاتل أو قتيل في أي زمان ومكان، حتى في ايام السلم في المجتمعات المسالمة.
أما فترات السلم الفاصلة بين مذابح الطوائف فيحكم خلالها، غالباً، قادة ايديولوجيون، يقول القائد منهم: إما الطائفية أو أنا:
سبعة مهاجرين «غير شرعيين» وجدوا متجمدين في جبال شرق تركيا، لا يصلحون تماثيل من الثلج في ساحات مدن شرقية، فالشمس ستحولهم الى الأصل، الى جثث لبشر كانوا يحلمون فأودى بهم الحلم الى هلاك.
وليست أحلام البشر ذلك الكلام «الكبير» الذي يعلنه القادة الإيديولوجيون. إنها احلام الملايين من امثال المهاجرين السبعة، أحلام بسيطة بعيش آمن في كنف دولة القانون التي تتيح فرصاً متساوية، ما أمكن ذلك، لجميع مواطنيها.
والهجرة الى الغرب، بوسائل شرعية وغير شرعية، لا تحصل لأسباب اقتصادية بالضرورة، هناك مهاجرون يصعب احصاؤهم يهربون من دورة المذابح الطائفية والسلم في كنف الاستبداد، راغبين بالانتماء الى مجتمعات تحترم الإنسان وحكومات تعامله كفرد وفق القانون نفسه الذي تعامل به الأفراد الآخرين.
قادتنا الإيديولوجيون يقولون كلاماً «كبيراً» ويقتلون الأحلام «الصغيرة» في كل يوم، حتى يستسلم الناس او يهربوا الى بلاد ذات مناخات اجتماعية مغايرة لحاضرنا وتراثنا، وربما الى مصير السبعة المتجمدين في ثلج تركيا او المئات الغرقى في قوارب الموت بين جنوب البحر المتوسط وشماله.
وقد يستسلم الناس عندنا الى مصيرهم في كنف القادة الإيديولوجيين، حتى اذا فشل القادة، وهم سيفشلون، وتفتت المجتمع أو انفجر، ابتكر الناس لأنفسهم قادة ايديولوجيين صغاراً، في آلية استبداد بلا حدود، يعتمد ايديولوجيته في ما يظنه الدين، أو في الطائفة أو القومية أو القبيلة أو المنطقة وصولاً الى العائلة الصغيرة.
إنها دورة الاستبداد والطائفية في مجتمعات فقدت وعيها ولا تدري. وفي معظم المشرق العربي اليوم، تتفاقم ايديولوجية الطائفة وتسيطر، حتى يمكن القول ان الطائفة شكل من اشكال العنصرية بل هي العنصرية الأليفة في بلادنا.
هل تعقد جامعة الدول العربية لقاء وزارياً خاصاً يصدر قراراً باعتبار الطائفية شكلاً من اشكال العنصرية؟ فإذا لم يصدر مثل هذا القرار ويعمم, قد يبدو مدعاة للسخرية ان ينتقد السياسيون العرب والمثقفون العرب بعض تصرفات بعض الدول الغربية باعتبارها تصرفات عنصرية.
ولا يكفي قرار بوصف الطائفية عنصرية، إنما يستدعي الأمر تفكيك تلك الشحنات العاطفية والإشاعات التي تغذي الطائفية وتحيلها الى شيء لصيق بالعقل – حاشا العقل – والعاطفة والجسد، إذ ينظر الطائفي – العنصري الى الأغيار فيرى عناصر الاختلاف ويضخّم من شأنها ويعتبرها فاصلاً بينه وبين الآخرين، وإن كان الاختلاف في طول القامة أو شكل الأنف أو لون الجلد والعينين أو طريقة المشي أو لهجة الكلام.
محمد علي فرحات
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد