العامل السوري في الصراع الأمريكي ـ الروسي
الجمل: نشرت دورية الشؤون الروسية على موقعها الالكتروني، ورقة بحثية حملت عنوان "سوريا والنموذج الجديد في التحولات الدولية"، سعى من خلالها أستاذ القانون الدولي بأكاديمية أنظمة الحكم بقازان البروفيسور الكسندر ميزاييف إلى مقاربة تطورات الأحداث والوقائع الجارية المتعلقة بفعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري: فما هي تطورات المواجهات الدبلوماسية الوقائية الجارية في الخارج وبشكل موازٍ لتطورات المواجهات الداخلية السورية؟
* البعد الدبلوماسي الوقائي الدولي: تأثير عامل موسكو
أشار البروفيسور الروسي الكسندر ميزاييف، في ورقته البحثية قائلاً: بأن الأسابيع الماضية قد شهدت حرباً باردة ضعيفة داخل أروقة المجتمع الدولي، وبالذات في مجلس الأمن الدولي، وفي هذا الخصوص أشار ميزاييف إلى النقاط الآتية:
• تولت روسيا رئاسة مجلس الأمن الدولي الدورية خلال الأسابيع الماضية، وكان أول ما قال به المندوب الروسي: إن سوريا ليست مدرجة ضمن أجندة جدول أعمال مجلس الأمن الدولي الخاصة بشهر كانون الأول (ديسمبر) 2011. ولكن برغم ذلك فقد سعت أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، لجهة إشعال حرارة المناقشات حول سوريا في أروقة المجلس.
• أول عمل قامت به موسكو عند توليها رئاسة مجلس الأمن الدولي الدورية، هو القيام في يوم 15 كانون الأول (ديسمبر) 2011 بتوزيع مسودة مشروع قرار دولي خاص بسوريا، وأيضاً في يوم 24 كانون الأول (ديسمبر) 2011 وزعت مسودة قرار دولي خاص بسوريا.
• وجدت مشروعات القرار الدولي الروسية، المزيد من المعارضة المتشددة، وعلى وجه الخصوص بواسطة ألمانيا ـ العضو غير الدائم في مجلس الأمن الدولي ـ وكان واضحاً أن برلين قد سعت لجهة القيام بدور المعارضة بالوكالة عن محور الدول الثلاثة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (أمريكا ـ فرنسا ـ بريطانيا).
• المعارضة الألمانية لمشروع القرار الدولي الروسي، أخذت طابع الرد الانتقامي، وذلك لأن موسكو سبق وأن استخدمت حق الفيتو لجهة نقض إجازة مشروع القرار الدولي السابق الذي سعت برلين إلى تقديمه ـ بالوكالة عن أمريكا وفرنسا وبريطانيا ـ والتي هدف إلى إدانة سوريا.
هذا، وأضافت ورقة البروفيسور الكسندر ميزاييف قائلة، بأن ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري سوف يتحول إلى ملف نزاع متجدد بين محور موسكو ـ بكين ومحور واشنطن ـ باريس ـ لندن، وتأسيساً على ذلك فإن معركة الدبلوماسية الوقائية على خط موسكو ـ واشنطن حول هذا الملف سوف تستمر لفترة طويلة قادمة.. حتى لو انتهت الفعاليات الميدانية الجارية حالياً والمتعلقة بالحدث الاحتجاجي السياسي السوري.
* ماكينة التدويل خارج مجلس الأمن الدولي: الملف السوري إلى أين؟
سعت ورقة البروفيسور الكسندر ميزاييف إلى توصيف فعاليات تدويل ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، خارج أروقة مجلس الأمن الدولي، وذلك ضمن المسارات الآتية:
• الخيار التدويلي الأول: المفوضية السامية لحقوق الإنسان: لجأت الأطراف المعادية لدمشق لجهة دفع مجلس حقوق الإنسان التابع للمفوضية السامية لاعتماد تعيين محقق دولي خاص بالشأن السوري، وفي هذا الخصوص قام هذا "المحقق الدولي الخاص" بإعداد تقريره الذي قال بأنه "تقرير مستقل"، وثم الدفع بالتقرير على عجل إلى مجلس حقوق الإنسان، والذي قام بدوره وعلى عجل أيضاً بالتصويت لصالح محتويات "التقرير المستقل".
• الخيار التدويلي الثاني: الجمعية العامة للأمم المتحدة، سعى خصوم دمشق لجهة القيام بعملية تقنية سلبية فاعلة في أوساط أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل، فقد أسفرت المساعي عن قيام الجمعية العامة بتمرير مشروع قرار معادي لسوريا، في 19 كانون الأول (ديسمبر) 2011.
• الخيار التدويلي الثالث: منظمة العفو الدولية: قامت منظمة العفو الدولية بإعداد تقرير زعمت بأنه مستقل وخاص حول سوريا، واحتوى على المزيد من التوصيات غير المتوازنة إزاء دمشق، وفي هذا الخصوص سعت المنظمة لجهة الضغط على مجلس الأمن الدولي من أجل اتخاذ القرارات المعادية لدمشق.
• الخيار التدويلي الرابع: جامعة الدول العربية: يبدو هذا الخيار لأول وهلة بأنه خيار إقليمي الطابع، ولكن، على أساس اعتبارات جهود "دولة قطر" التي تتولى رئاسة الجامعة العربية، وتصريحات كبار المسؤولين القطريين وحلفاءهم في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الهدف الحقيقي المقصود لا يتمثل في معالجة الملف السوري ضمن الإطار الإقليمي، وإنما المقصود فعلاً هو اتخاذ جهود العمل العربي الإقليمي المشتركة كرافعة من أجل توصيل ملف سوريا إلى مرحلة التدويل، وإن كان ذلك يتم بالوسائل العربية.
تخلص ورقة البروفيسور الكسندر ميزاييف، إلى أن عملية تدويل ملف الحدث السوري بواسطة مجلس الأمن الدولي على غرار سيناريو تدويل ملف الحدث الليبي قد فشلت بسبب الفيتو المشترك الروسي ـ الصيني، إضافة إلى ملف رفض محور موسكو ـ بكين لكل الجهود الأخرى التي سعت إلى طرح مشروعات القرارات الدولية.. وبرغم ذلك، فإن الخيارات التدويلية الأربعة (مفوضية حقوق الإنسان + الجمعية العامة للأمم المتحدة + منظمة العفو الدولية + جامعة الدول العربية)، سوف يتم استخدامها كمسارات جديدة لجهة إحداث اختراق جديد يتيح لخصوم دمشق الدوليين والعرب كسر محور موسكو ـ بكين، بما يتيح تمرير قرار دولي جديد خاص بسوريا، وإضافة لذلك تجدر الإشارة إلى أن تركيا سوف تسعى لفتح مسار تدويلي جديد من خلال استغلال ملف اللاجئين السوريين لجهة القيام بتحويل ملف هؤلاء اللاجئين إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. هذا وتأسيساً على ذلك يرى البروفيسور الروسي الكسندر ميزاييف بأن عملية تدويل ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، أصبحت تسير ضمن نموذج جديد يختلف تماماً عن النماذج السابقة، والتي كانت عملية تدويلها تتم حصراً وبشكل مباشر بواسطة مجلس الأمن الدولي، أما الآن، فإن الجديد في عملية التدويل يتمثل في استخدام عدد من "الروافع التدويلية" مثل مفوضيات الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة العفو الدولية.. وما شابه ذلك، وبالتالي، فإن عملية التدويل الجارية حالياً لملف الحدث السوري هي عملية تدويلية "تحويلية" وبالتالي فإنه يتوجب العمل بكل حزم من أجل إفشالها، خاصة أن تدويل الحدث الاحتجاجي السوري سوف لن يتوقف حصراً عند سوريا.. وإنما سوف تكون سوريا مجرد نقطة البداية التي سوف تتحرك منها عملية التدويل التحويلي للعديد من الملفات الأخرى بشكل سوف يلحق المزيد من الخسائر الفادحة بالأرواح والاقتصاديات، إضافة إلى أنه سوف يشكل النقطة التي لا يمكن بعدها الحديث عن مفاهيم مثل سيادة الدولة واستقلال الدولة.. واللذان بلا شك سوف يكونان غير موجودان عملياً على أرض الواقع، إذا نجحت عملية التدويل التحويلي للملف السوري..
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد