القاعدة .. الغوريللا الأخطر على المسرح السوري
الجمل- ترجمة رنده القاسم: في ضوء تفجيري دمشق الأخيرين و التجاوب الضعيف من قبل بعثة الأمم المتحدة، يجب أن يقوم مجلس الأمن بإغلاق المنفذ الخطير في بروتوكول سورية و الذي يمنح الجهاديين حاليا حرية مطلقة للتفجير و الاغتيال و الترهيب.
لقد وصلنا إلى لحظة حاسمة في الأزمة السورية. و الخيارات بسيطة بشكل مروع:
1-تحرك حذر و متزايد نحو تسوية و إصلاح سياسي تقوده الحكومة السورية بمراقبة بعثة كوفي أنان و موسكو و طهران و بكين.
2- تصعيد خطير للعنف و العسكرة، و سيتضمن المزيد من الجهاديين الأجانب الأمر الذي قد يمتد إلى الشرق الأوسط برمته.
بعد أسبوع واحد فقط من مراقبة الأحداث في سورية قام الجنرال روبيرت مود رئيس بعثة مراقبة الأمم المتحدة في سورية(UNSMIS) بمضاءلة الخيارات قائلا: ( أستطيع القول بأن كل من التقيتهم أخبروني بأنهم يريدون التحرك وفقا لخطة كوفي أنان ذات البنود الستة، و هذا يشمل الجيش السوري الحر و لجان تعاون محلية. و أنا مدرك تماما بأن هناك آخرين بأجندات مختلفة و أفكار أخرى ، و لكن لم ار بعد بديلا معقولا لخطة كوفي أنان. إذن، حتى الآن هذه هي "اللعبة الوحيدة في المدينة").
ربما كان يقصد اللعبة الوحيدة "العاقلة" في المدينة. لأن هناك لعبة أخرى، و هي التي تسعى إلى تغيير حكومي بالقوة وبأي ثمن، و لو كان هذا يعني وجود ميليشيات سلفية تقاتل في معركة لم يستطع الناتو القيام بها.
أولئك ذوو "الأجندات المختلفة" و "الأفكار الأخرى" عبارة عن جماعات متنوعة بأهداف تتعارض بلا ريب مع إزالة العسكرة و التسوية و الإصلاح وفقا للمسار السوري/الروسي/ أنان.
و حتى الآن، نعلم أن هذه المجموعات تضم بلدانا و منظمات لا تزال مصممة على تقديم الدعم المادي و تسليح المعارضة المسلحة بما يتناقض مع روح قرار مجلس الأمن 2043. و بعد أيام فقط من موافقة سورية على خطة أنان، قامت الدول الأعضاء من أصدقاء سورية بدفع ملايين الدولارات كمساعدة للمتمردين. و تعهد الأعضاء السعوديون و القطريون بتوفير رواتب للمقاتلين و مكافآت مالية للمنشقين من الجيش السوري النظامي، بينما قام المجلس الوطني السوري، المدعوم من تركيا و مجلس التعاون الخليجي و الغرب، بالسعي علنا للحصول على موارد مالية لأجل زيادة الأسلحة من أجل تسليح المجموعات داخل سورية. و إذا قام أنان بالتصرف بشكل صحيح، فان تلك الدول و المجموعات ستجبر على الإذعان عبر بروتوكولات أخرى أكثر قوة و ستدفع إلى تغيير سلوكها.
كلا، فالغوريللا الضخمة ذات "الأجندات المختلفة" و "الأفكار الأخرى" ليست الميليشيات المسلحة المدعومة من الناتو و مجلس التعاون الخليجي و المنتشرة في معاقل المعارضة، بل هي الوجود المتنامي للقاعدة و جهاديين آخرين يعملون داخل المسرح السوري.
ميليشيات الجهاديين : نقطة تحول في سورية:
مع بداية شباط ، قال مسؤول أميركي،لم يذكر اسمه، بأن القاعدة تقف وراء تفجيرات 23 كانون الأول و 6 كانون الثاني في دمشق، و على الأرجح هي خلف الانفجارين الانتحاريين في حلب في العاشر من شباط. و هذا التصريح غير المتوقع من واشنطن كان بمثابة قرع أجراس الخطر.و لكنه لم يكن كافيا للتقليل من جهود الناتو و مجلس التعاون الخليجي في دعمهما الغافل لتغيير النظام في سورية.
و تغير الأمر قليلا بعد عدة أيام ، مع خطاب عبر الانترنيت لمسؤول القاعدة أيمن الظواهري مدته ثمان دقائق بعنوان: (إلى الأمام يا أسود سورية)، و فيه يحث رفاقه الجهاديين من الدول المسلمة المجاورة للانضمام إلى المعركة في سورية. و كشفت غرف المحادثة في مواقع الجهاديين بأن ميليشيات من العراق و ليبيا و لبنان و أماكن أخرى كانت بالفعل في سورية. و انتشرت على الشبكة مقاطع فيديو تظهر جرائم عنيفة رهيبة من قبل الميليشيات الإسلامية ضد كل من قوات الأمن السورية و إسلاميين آخرين ، و ظهر على شاشات التلفزة شيوخ متطرفين يأمرون بمعاقبة مدنيين من الطائفة العلوية.
و على الحدود السورية اللبنانية زادت نشاطات الجهاديين بشكل كبير و سريع، و حادثة سفينة الأسلحة ذات الأصل الليبي، التي كانت متوجهة إلى سورية قبل أسبوعين و اعترض طريقها الجيش اللبناني، لم تكن الأولى من نوعها بل هي الرابعة. و قبل عشرة أيام التقط صحفي في فيلم جهاديين ينقلون أسلحة ثقيلة إلى الأراضي السورية.
و في لقاء حديث مع محطة BBC العربية، قام المسؤول عن لجنة التنسيق الوطنية هيثم مناع، و هو شخصية معارضة بارزة، بمفاجأة الكثيرين مع اعترافه بدور "غير السوريين" في المجموعات المسلحة: (مجموعات جهادية قاتلت من أفغانستان إلى البوسنة، و بذلك هذه المجموعة الثالثة تشكل خطرا مهلكا. و لمعلوماتكم، أستطيع ذكر أسماء ثلاثة أعضاء من الجيش السوري الحر قتلوا على يد مقاتلين عرب غير سوريين. و مشكلتنا اليوم هو أننا لا نملك سيطرة على من يحمل السلاح).
و الآن يبدو أن عنصر الجهاديين في سورية سوف يضع المجتمع الدولي أمام امتحان.
و وقف إطلاق النار، الذي طبق في الثاني عشر من نيسان وفقا لخطة عنان، قد تقوض بعد سلسلة من التفجيرات و الاغتيالات المستهدفة ، مع قيام الطرفين باتهام الآخرين بالخروقات.
و في الواقع، حتى و لو قامت الحكومة السورية بسحب كل جنودها من المناطق المأهولة، و وافق الأشخاص الذين يتصل بهم الجنرال مود ضمن مجموعات المعارضة المسلحة الرئيسية على وضع السلاح، يبقى هناك أطراف على الأرض السورية تعمل خارج متناول الأمم المتحدة.
و مسودة بروتوكول الأمم المتحدة، التي وضعت الشروط ل "إيقاف العنف المسلح" بين الطرفين، أشارت بشكل مبهم إلى الطرف غير الحكومي بعبارة " مجموعات معارضة مسلحة و عناصر وثيقة الصلة بالموضوع". و هذا ليس كافيا. فلن يكون هناك وقف للأعمال العدائية في سورية قبل أن تتوقف كل المجموعات عن القتال. و ما من ضمان لهذا من دون توضيح من هو الذي يقاتل. و هذا لا يعني بالضرورة إنهاء جهود أنان، و لكن يعني أن الوثيقة النهائية لبروتوكول الأمم المتحدة تحتاج تنقيحا لتحديد الأطراف العديدة المسؤولة عن جانب "المعارضة المسلحة". و إذا كانت هناك جماعات لا تتعاون مع البعثة و تستمر بخوض عمليات مسلحة، عندها يجب أن توجد بنود واضحة و دقيقة حول كيف و متى يمكن لقوات الأمن السورية التعامل مع هذه الكيانات المسلحة.
زود ممثل سورية للأمم المتحدة بشار الجعفري مجلس الأمن بقرص مضغوط يضم اعترافات أكثر من أربعة و عشرين جهاديا ، و أكد مصدر استخبارات ذو شأن بأنه من بين الوثائق المجموعة حول المقاتلين الأجانب (بعضهم قتل و بعضهم أسر) تبين أن هناك من ينتمي لدولتين أوربيتين على الأقل.
و غضب الروس كثيرا من حقيقة أن بروتوكول الأمم المتحدة "يقيد يد النظام" في تعامله مع العناصر الجهادية في سورية. و في تصريح له حمل وزير الخارجية الروسي "الهجمات الإرهابية مسؤولية تصعيد العنف في الدولة لإعاقة تطبيق خطة السلام". و جاءت هذه الهجمات في وقت تتفاوض فيه موسكو مع المعارضة المحلية من أجل مشاركة السلطة في بيئة سياسية سورية جديدة .
و لكن واشنطن أيضا تملك دورا كبيرا للعبه في سوريه خلال الأسابيع القليلة المقبلة، و تحتاج التحرك بسرعة.و أشار جيفري آرونسون ، مدير الأبحاث في "مؤسسة سلام الشرق الأوسط"، إلى أن إدارة أوباما حائرة من سورية و غير قادرة على دعم حل مع النظام و حلفائه، لقد أطلقوا النار على مهمة أنان من الجانب بدون أن يملكوا في ذهنهم خطة حقيقية.
و مع افتقادها للبوصلة الإستراتيجية، وجدت واشنطن نفسها عوضا عن أن تقود من الخلف، يتم جرها من الخلف دعما لسياسات و أجندات الآخرين التي تعد في أحسن الأحوال باستمرار نزيف النظام و خصومه و المعاناة الطويلة للشعب السوري، و هذا يهدد سلامة مؤسسات و أراضي الدولة السورية.
و ما عادت القاعدة مجموعة دينية صغيرة، فهي اليوم "فكرة" و "عضويتها" غير الرسمية تتألف من خلايا فردية من الصعوبة بمكان وضع حد لها. إنها إيديولوجية انتهازية و توسعية ترتبط جذورها الفعلية مع الولايات المتحدة و إسرائيل و حكام السعودية الدولة التي هي أكبر مصدر تمويل لهذا الصنف من ميليشيات الجهاديين في العالم.
وإذا استمرت المجموعات "المفسدة" داخل سورية بالحصول على التمويل و الدعم من أطراف خارجية (الأمر الذي لا يناقشه مجلس الأمن و يتجاهله)، و إذا هدد العنف المتطور بصرف النظر عن الإصلاحات السياسية و التسوية، فعلى الأرجح سيكون هناك ارتداد ضد دول المنطقة المشاركة في هذا التحريض.
الأطراف الرافضة للسيطرة الغربية على الشرق الأوسط تعتبر ما يحدث في سورية معركة وجود، و تقول المصادر أنه في حال استهلاك جميع الأوراق، فان القتال سينقل بشكل انتهازي إلى دول متاخمة غير حصينة، بل و حتى إلى الخليج الفارسي حيث يذعن الجهاديون الى الحكام المؤيدين للولايات المتحدة و إسرائيل. و تفجير واحد هام في الرياض أو الدوحة، التي تستقبل كأس العالم، يمكنه بشكل أساسي زعزعة الديناميكا الداخلية و المشهد الخارجي لتلك الدول.
و في رسالته إلى مجلس الأمن حول خططته قال كوفي أنان: (اذا فشلت ، كما حذر السكرتير العام، فانها ستؤثر على المنطقة كلها) . و أشار بأنه لا يتحدث فقط عن الحكومة السورية أو المجموعات المسلحة، و لكن أيضا الحكومات التي تملك تأثيرا على المعارضة.
الزمن طاحن في سورية. اسمحوا لمعركة الجهاديين بالانطلاق و عندها لا يمكن التنبؤ بالمدى الذي ستنتشر به. إن خطة أنان هي "اللعبة الوحيدة في المدينة"، و الجيش السوري هو وحده القوة العسكرية التي يمكنها اتخاذ إجراءات ضد هذه الميليشيات.و تحديد العدو في بروتوكول الأمم المتحدة المعدل سيمكن الخطة من استهداف أولئك المقاتلين الأجانب. و إلا توقفوا عن الشكوى من مفجري القاعدة المتسربين عبر رحلات طائرة إلى الولايات المتحدة و ما وراءها.
بقلم *شارماين نارواني صحفية و محللة سياسية معنية بشؤون الشرق الأوسط، زميلة مساعدة في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد،تحمل شهادة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا للشؤون الدولية و العامة في كل من الصحافة و دراسات الشرق الأوسط
عن موقع Mideast Shuffle
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد