القوقاز ولعبة الصراعات الجامدة
الجمل: سعت تركيا إلى التوسط لحل النزاع الأرمني – الأذربيجاني، وفي الاتجاه نفسه تقول المعلومات والتقارير أن العاصمة الفرنسية باريس ستشهد قريباً لقاء وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان. وعلى خلفية توازي الجهود الدبلوماسية الوقائية يبرز بكل وضوح السؤال القائل: هل توازي الجهود يعبر عن تكامل جهود الدبلوماسية الوقائية الأوروبية – الأمريكية أم يعبر عن حرب باردة وشيكة تستهدف إعاقة تركيا عن القيام بأي دور حقيقي في منطقة القوقاز.
* أبرز المعلومات والتطورات الجديدة:
نشرت صحيفة تريند نيوز الأذربيجانية اليوم تقريراً يقول أن وزير الخارجية الأذربيجاني إيلمار مامادياروف سيلتقي في باريس نظيره الأرمني إدوار تعلينديان يوم 26 حزيران الجاري بخصوص ملف أزمة ناغورنو – كرباخ. إضافة إلى ذلك فقد كشف عراز عظيموف نائب وزير الخارجية والمبعوث الخاص للرئيس الأذربيجاني أمام الصحفيين بوجود العديد من التحركات التي تمت برعاية فرنسية – أمريكية ضمن ما يعرف باسم مجموعة مينسك لحل الخلاف الأذري – الأرمني وتضمنت هذه التحركات عقد أربعة اجتماعات بين الأذربيجانيين والأرمن وكان آخرها اجتماع يوم 7 حزيران الماضي الذي استضافته العاصمة التشيكية براغ.
من جانبها لم تعلق أنقرة على هذه التحركات ولكن ما هو واضح يتمثل في القيام بمثل هذه التحركات الموازنة للتحركات التركية هو أمر ينطوي في حد ذاته على أكثر من دلالة وما هو لافت للنظر لكان يتمثل في توجهات أذربيجان الأخيرة المعاكسة للجهود التركية التي اعتبرها المراقبون تنطوي على بنوايا أذربيجانية تهدف لتقويض جهود الوساطة التركية.
* ماذا وراء مثلث تركيا – أذربيجان – أرمينيا؟
بعد قيام أذربيجان وأرمينيا وجورجيا كجمهوريات قوقازية مستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق بدا واضحاً أن واشنطن ستسعى إلى استخدام تركيا في مهمة جديدة هي الدفع باتجاه القيام بدور القوة الإقليمية الرئيسية الحليفة لأمريكا في القوقاز التي سيتوجب عليها التنسيق مع واشنطن لإدماج كل من أذربيجان – أرمينيا – جورجيا ضمن المجتمع الغربي وفقاً للنموذج التركي.
ولكن كما أشارت الوقائع فقد كانت التطورات الجارية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وحتى الآن تحمل المزيد من المشاهد الدراماتيكية:
• اندلعت الحرب الأذربيجانية – الأرمنية حول السيطرة على إقليم ناغورنو – كارباخ واحتلت أرمينيا 20% من الأراضي الأذربيجانية.
• اندلعت الحرب الجورجية الأولى والحرب الجورجية الثانية وانتهت بتوقيع اتفاق سلام ينص على إعطاء أقاليم أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأدجاريا حق الحكم الذاتي إضافة إلى السماح للقوات الروسية في القيام بدور قوات حفظ السلام في هذه المناطق.
• صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا على النحو الذي ترتب عليه حدوث المزيد من التغييرات في توجهات السياسة الخارجية التركية وعلى وجه الخصوص إعادة الحيوية للروابط التركية – السورية والروابط التركية – الإيرانية.
• اندلاع الحرب الجورجية الروسية بما أدى إلى ظهور موسكو كلاعب دولي – إقليمي رئيسي في العالم.
• ظهور مخزونات النفط والغاز في آسيا الوسطى وأذربيجان ومنطقة قزوين بما أدى إلى إشعال الصراع حول مشروعات تمديد أنابيب نقل النفط والغاز.
لعبت جميع هذه التطورات والوقائع دوراً هاماً لإعادة صياغة وتشكيل خارطة التحالفات وفقاً لمذهبية سياسية – دولية جديدة تقوم على أساس اعتبارات الحرب الأمريكية ضد الإرهاب وقواعد الاشتباك الدبلوماسي الأمريكي التي تعتمد مبدأ الاستباق والتأكيد على مفهوم إن الذي ليس معنا فهو بالضرورة ضدنا.
* القوقاز ولعبة الصراعات الجامدة:
تتميز منطقة القوقاز الجنوبي بوجود العديد من الصراعات ولكنها وبسبب تدخل الأطراف الثالثة وجهود الدبلوماسية الوقائية تحولت جميعها إلى صراعات جامدة ما أن يبدأ أحدها في الاشتعال حتى تسارع القوى الدولية إلى تجميد الصراع وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه وفقاً للصيغ الآتية:
• رابح – رابح: بحيث يحصل طرفي الصراع على المعونات والمساعدات الأمريكية إذا وافقا على تجميد الصراع.
• خاسر – خاسر: بحيث لا يحصل طرفي الصراع على شيء وبالتالي يخسران الدعم والمساعدات الأمريكية إضافة إلى خطر الاستنزاف لأن أمريكا ستدعم طرفي النزاع بحيث لا ينتصر أحدهما على الآخر.
• خاسر – رابح: وهي صيغة يصعب تحقيقها.
• رابح – خاسر: وهي صيغة يصعب تحقيقها.
تعدد معطيات خبرة تجميد الصراع في منطقة القوقاز إلى خبرة واشنطن ونجاحها في تحويل الصراع التركي – اليوناني حول قبرص ومناطق بحر إيجه إلى صراع جامد وعلى ما يبدو فإن تعميم هذا النموذج ما زال يحظى بتفضيل العديد من المؤسسات الرسمية وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن القومي الأمريكي.
الآن يمكن القول بأن الرئيس الفرنسي ساركوزي قد بدأ يدخل على الأزمة الروسية – الجورجية وإذا علمنا أن تدخل ساركوزي في إدارة الأزمة هو تدخل لم يجد استحسان إدارة بوش الجمهورية، فإن تدخل ساركوزي هذه المرة وإن كان عبر منظمة الأمن والتعاون فإن واشنطن ما زالت أكثر رفضاً لقيام ساركوزي بالتدخل في الشأن القوقازي لعدة أسباب:
• عدم رغبة واشنطن في وجود أي منافس لها في القوقاز.
• عدم رغبة واشنطن في السماح لباريس بتمديد نفوذها والظهور بمظهر اللاعب الدولي الهام في المسارح الإقليمية.
إضافة لذلك، فإن ظهور فرنسا يشير إلى رغبة فرنسا لجهة القيام بالآتي:
• إضعاف النفوذ التركي في القوقاز.
• تمهيد المسرح لقطع الطريق أمام احتمالات قيام تحالف إقليمي قوقازي تقوده تركيا.
• قطع الطريق أمام انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
• ردع توجهات تركيا الهادفة إلى الوقوف أمام قيام باريس بأي دور رئيسي في حلف الناتو.
• تمهيد المسرح القوقازي لقيام الشركات النفطية الفرنسية بالتعاون مع دول القوقاز بمعزل عن تركيا.
وتقول التوقعات أن مجالات الردع الفرنسي الموجه ضد تركيا سوف لن تتوقف حصراً ضمن التنافس حول فرض النفوذ الفرنسي على القوقاز ذات الأهمية الحيوية للأمن التركي وإنما من الممكن أن تمتد إلى إعاقة الجهود الدبلوماسية التركية إزاء الملفات الشرق أوسطية ومناط البلقان وغيرها. وعلى ما يبدو فإن الأيام القادمة التي ستعقب لقاء الأذربيجانيين مع الأرمن في باريس هي أيام ستحمل المزيد من المفاجآت حول العلاقات التركية – الأوروبية بما في ذلك العلاقات التركية – الفرنسية والعلاقات التركية – الألمانية خاصة وأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أصبحت أكثر تفهماً وانسجاماً مع توجهات ساركوزي إزاء تركيا والأتراك.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد