المتحدث باسم نتنياهو : أوباما معادِ للسامية.. وكيري مهرّج!
بعد ساعات من إعلان ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أنَّ بنيامين نتنياهو عيّن ران براتس رئيساً لشعبة الدعاية القوميّة الجديدة، وجد رئيس الحكومة نفسه أمام عاصفة إعلامّية وسياسية شديدة. فالرجل الذي تمّ تعيينه، شاكس وعارض وانتقد وتهجّم على كلّ من شاء خلال الأعوام الأخيرة، جرّاء مواقفه اليمينية المتشدّدة. فهو ضدّ الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بسبب «اعتداله»، كما أنَّه ضدّ وزير الدفاع موشي يعلون جرّاء رخاوته، وضدّ الرئيس الأميركي باراك أوباما لأنه «معادٍ للسامية». أما من يؤيّد؟ فإنّه طبعاً يؤيّد نتنياهو زعيماً لليمين، ويريد هدم المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل مكانه. ولا عجب أنَّ وزراء من «الليكود» طالبوا نتنياهو بإلغاء قرار تعيين هذا المتطرّف الذي يجلب له الضرر أكثر ممّا يفيده.
وينتمي براتس، البالغ من العمر 42 عاماً، إلى الجناح اليميني المتطرّف في إسرائيل. وقد سبق له أن شارك في لجنة قدّمت تقريراً أدانت فيه العلاقات القائمة بين «الصندوق الجديد لإسرائيل» الذي تموّله جهات أميركية معتدلة في الولايات المتحدة، والتنظيمات اليساريّة. وفنّدت الجامعة العبرية فحوى هذا التقرير، ولكن من الواضح أنَّ نتنياهو يؤمن به.
أدى براتس خدمته العسكرية في وحدة الاستخبارات المحمولة جواً والتابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، ولديه خلفية مهنية في مجال التكنولوجيا المتطورة.
وبالفعل بعد إعلان تعيين براتس، نشر التلفزيون الإسرائيلي تحقيقاً عنه أظهر مواقفه السابقة ورأيه في الشخصيات السياسية الإسرائيلية والدولية. وكان أوّل المعترضين على هذا التعيين، الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الذي سبق لبراتس أن رأى فيه شخصية هامشيّة يُستحسن أن تلقيها طائرة إسرائيلية بمظلّة على مناطق «داعش» شمال هضبة الجولان. وكانت أن أرسلت الرئاسة الإسرائيلية رسالة رسميّة إلى ديوان رئاسة الحكومة، متسائلةً إنْ كان نتنياهو على علمٍ مسبق بآراء براتس هذه.
ردّ ديوان رئاسة الحكومة على هذا التساؤل بالقول: «إنَّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لم يكن على علم بالأقوال التي كتبها براتس، وهو يرى فيها أقوالاً غير لائقة». وأضاف الردّ في صيغة تبيّن تمسّك نتنياهو بهذا التعيين، أنَّ «براتس أوضح لرئيس الحكومة أنَّ منصبه يُلزمه التصرف بشكل رسمي وبانضباط، وهي أمور لم تكن تُلزمه كإنسان عادي يعبّر عن نفسه على فايسبوك».
وخلال العدوان الأخير على قطاع غزَّة صيف العام الماضي، سَخِر براتس من وزير الدفاع موشي يعلون، وكتب هازئاً: «الجميع سألوني، كيف يمكن هزيمة الإرهاب في غزَّة؟ هل هناك استراتيجيّة يمكنها أن تهزم العدو؟ هذه هي: خذوا كل تسجيلات وزير الدفاع منذ بدء العملية، بما فيها تلك التي كان يقرأها من ورقة، وضعوها في سلسلة وأطلقوها لتُسمع بشكل لا نهائي في القطاع عبر مكبرات صوت عملاقة، من الجو والبر والبحر. وخلال يومين أو ثلاثة، سيخرج كل المخرّبين من الأنفاق حاملين رايات بيضاء، وسيسلم كل قادة الذراع العسكري أنفسهم، وقادة المستوى السياسي سيرجون الأمم المتحدة أن تعيد الاحتلال الصهيوني للقطاع».
وبراتس يرى أنَّ الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سيلتقيه نتنياهو بعد أيام في واشنطن، ليس سوى شخص «لا سامي» معادٍ لليهود. وقد كتب بعد خطاب نتنياهو في الكونغرس في آذار الماضي: «اسمحوا لي أن أكون شديداً بعض الشيء، خلافاً لطبيعتي المعتدلة: تعامُل أوباما مع خطاب نتنياهو، يبدو لي وكأنه لا سامية معاصرة في الدول الغربية الليبرالية. وهي تتجلّى مع الكثير من التسامح والتفهم للاسامية الإسلامية. الكثير جداً من التسامح والتفهم، لدرجة أنه على استعداد لمنحهم قدرة نووية».
وفي حزيران الماضي، بعدما تعرّض وزير المالية الأميركي جايكوف لو لهتافات استنكار في مؤتمر إسرائيلي في نيويورك، كتب براتس في تدوينة على «فايسبوك»: «بالتأكيد هذا فعل غير مهذّب. فهو أيضاً روى قصصاً عن مساعدة أوباما لإسرائيل. والحقيقة أنَّ أوباما رجل علاقات عامة لامع، يقدم الكثير. إذن لماذا الاحتجاج؟ القصة بسيطة. فيما يقدم أوباما لنا مساعدة في قضايا تكتيكية مثل مواجهة مخاطر حماس وحزب الله، يؤسّس لاستراتيجية عالميّة جديدة تقوم على التسوية مع إيران، ويخلق لنا (ولدول أخرى في المنطقة) مشكلة استراتيجية نووية كبرى». وأضاف أنَّ «أوباما قرّر، وفق شهادات معينة قبل أن يصبح رئيساً، أنَّ المصلحة الأميركية هي في تحويل إيران إلى حليف. وهذا هو جوهر الخلاف. وهو خلاف استراتيجي. وهذا لا يتعلق لا بشخصيّة نتنياهو وأوباما، ولا بالعلاقات بينهما، ولا بيهود أميركا أو بآداب مائدة أحد. لقد ألقى بنا أوباما فعلاً تحت عجلات حافلة، حتى أنه فعل ذلك وعلى وجهه ابتسامة ساحرة». وقبل ذلك، فور انتخاب أوباما رئيساً لولاية ثانية العام 2012، كتب براتس في موقع «ميدا» أنّه «يجلس في البيت الأبيض، ولأربع سنوات أخرى.. رئيس موال للعرب ومعادٍ لإسرائيل، ستكون تعييناته وسياساته في الولاية المقبلة أشدّ تطرفاً، فليس لديه ما يخسره أو يخفيه».
وقبل عام حمل براتس بشدّة على وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وكتب: «ذهبت لرؤية خطاب كيري الذي ربط فيه بين إسرائيل وداعش، وكان هذا مهيناً. وبعد ولايته كوزير للخارجية أضمن له عملاً مزدهراً في أحد نوادي تقديم العروض الكوميدية في كنساس سيتي أو الموصل، أو حتى في سجن المهاجرين في النقب». وسخر في مقال آخر من كيري وأفكاره، داعياً إياه إلى العودة للجامعة «كي يتعلم أنّه ليست كل الثقافات والأديان تعلم أن تكون غربياً. وهذه هي التحديات التي يراها كيري تعترض طريق السلام العالمي: (1) إنشاء ائتلاف أخضر دولي، و(2) صعود ديموقراطية إسلامية، و(3) تحقيق سلام سنّي ـ شيعي، و(4) حلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني». وكان براتس قد وصف كيري، قائلاً إنَّ «قدراته العقلية تذكرني بطفل في الثانية عشرة من عمره».
وتقول جهات إعلامية مختلفة إنَّ براتس لم يوفر نقداً عن أحد. فقد وجه انتقادات لقادة في «الليكود» وفي أحزاب اليمين الأخرى والحريديم، وخصوصاً لزعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان. ولذلك ليس مفاجئاً أن يقف عدد من أعضاء الكنيست من «الليكود» مطالبين نتنياهو بالتخلّي عن تعيين براتس مسؤولاً عن هيئة الإعلام القوميّة. وكانت وزيرة المساواة الاجتماعية من «الليكود»، غيلا غمليئيل أوّل من طالب نتنياهو بالتراجع عن قرار تعيين براتس. وقالت إنَّ «تصريحاته ضدّ الرئيس الإسرائيلي وضدّ قادة الإدارة الأميركية تضرّ برموز سلطتنا وبصديقتنا الكبرى، ويمكن أن تفسّر على أنّها موقف رسمي».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد