المرشحون المصريون يغازلون الشباب: أفعال مضارعة ترسم المستقبل ووعد بالجنة
أموال طائلة، وجهود حثيثة، ومساحات شاسعة، لكن تتحكم فيها أنظمة انتهى عمرها الافتراضي منذ زمن، وتخطط لها عقول أكل عليها الزمان وشرب، ويسيطر عليها أشخاص تخطوا مرحلة الكهولة واستقروا في الشيخوخة لعقدين ويزيد. الحملات الانتخابية التي شهدتها مصر في عقود ما قبل ثورة «25 يناير» كانت أقرب ما تكون الى «تحصيل الحاصل». ولأن الجميع – لاعبين ومتفرجين – كان يعلم علم اليقين أن تمثيلية الانتخابات والتحضير لها والدعاية للمرشحين هي من قواعد اللعبة، حتى وإن كانت نتائجها معروفة مسبقاً، فقد كانت الدعاية للمرشحين تتسم بالصفات التي اتسم بها النظام من شيخوخة الأفكار وكهولة الابتكارات.
وعلى رغم الفرقة السياسية الواضحة على الساحة والتناحر الأيديولوجي السائد والصراع المحتدم بين كل من قرر خوض معترك الترشح، إلا أن «شبابية» الحملات الانتخابية جمعت الفرقاء وجذبت الأنظار.
فبين شعارات كوميدية، وتقنيات متقدمة، ورموز انتخابية غير متوقعة، ورسائل انتخابية بدا أن الهم الأوحد والشغل الشاغل للغالبية المطلقة من حملات الدعاية الانتخابية هو الشباب الذي ظل يلعب دور «كومبارس» صامت لوقت طويل، ثم صار بطلاً أو على أقل تقدير متحكماً في اختيار من يلعب أدوار البطولة.
عمرو فتحي (24 سنة) يعكف منذ أيام على «تنقية» جداول المرشحين الانتخابية في دائرته في حي مصر الجديدة شرق القاهرة، وهي عملية تنقية شخصية جداً، أي أنها تعتمد على جهده الشخصي في الوصول إلى حقيقة الشخصيات التي تقف خلف الصور الزاهية والملونة والجذابة التي تعتلي الجسور وتمتد على أقمشة متينة بين أشجار النخيل في مدخل منطقة «الكوربة» الشهيرة.
يقول: «يتعجب والدي من إصراري على البحث في تاريخ وأصل وفصل كل مرشح أو مرشحة في دائرتنا، وهو البحث الذي أستخدم فيه شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى التقصي عنهم من خلال أشخاص يعرفونهم أو تعاملوا معهم من قرب. هذه هي المرة الأولى التي أدلو فيها بصوتي في الانتخابات، وليست لدي أية نية أن أهدر هذا الصوت بإعطائه لمن لا يستحق. أما والدي فمصر على اتباع طريقته القديمة في التشاور مع أصدقائه حول من يبدو الصدق على ملامح وجهه، أو من يسمعون عنه كل خير».
وبالطبع فإن «سمع الخير» ليس كعمل الخير، وهناك بين صفوف الشباب، لا سيما من المنتمين أو المتعاطفين مع التيارات السياسية ذات الرداء الديني من يتفاعل مع المرشحين الذين تحمل برامجهم ملامح أعمال الخير. ومن أبرز تلك الأعمال ما قام به شباب حزب «الحرية والعدالة» (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) ضمن جهود الحملات الانتخابية «ألبوم الفلول». فتحت عنوان «شير في الخير» وضع شباب الحزب قوائم تشمل أسماء الفلول أو رموز وبقايا الحزب الوطني الديموقراطي المنحل في المحافظات المصرية منعاً لانتخابهم.
«مليونية اللحمة»
وعلى رغم الانتقادات اللاذعة التي كانت توجه للحزب الحاكم المنحل بسبب سياسة ضمان صوت الناخبين من خلال إسكات عصافير البطون الجائعة، فقد أخذ عدد من شباب الإخوان على عاتقهم مهمة سد رمق المشتاقين إلى أكلة فتة باللحم أو فخذة ضأن بالبطاطا وتصادف أن لهم حق التصويت كذلك، فنظموا إبان عيد الأضحى المبارك مليونية «مباركة» سموها «مليونية الخير» – أو كما أطلق عليها بعض الخبثاء «مليونية اللحمة» لتوزيع لحوم الأضاحي على مليون أسرة محتاجة. ومع التأكيد على أن الجهة المنظمة للمليونية «البروتينية» هم شباب الجماعة وليس الحزب، إلا أن كل ذي عقل يعرف تماماً أن كلاهما وجهان لعملة واحدة.
عملة أخرى لا تختلف كثيراً عن عملة الإخوان وذراعهــا السياسية جذبت الكثير من الأنظـــــار بحملة دعاية انتخابية تحمل بدورهــــا «روحاً شبابية» رأى كثيرون أنها تفتقــــد أدنى قواعد الحس الإنساني والذوق العام، فيما اعتبرها البعض دعابة انتخابية «مقبولة» نوعاً ما وهي صـــور انتشرت على موقع فايسبوك بدا أنها دعاية انتخابية لـ «حزب النور» السلفي تحمل شعار «أطفال سلفيون في أكياس». وتظهر الصورة رجلاً يرتدي جلباباً ويحمل كيساً بلاستيكياً يحوي طفلاً! ومع احتمال أن تكون الصورة مدسوسة من قبل معارضين أو منافسين للحزب الديني السياسي المتشدد، يبقى اللافت أن الصورة نالت إعجاب بعض أنصاره! ليس هذا فقط، بل انخرط الشباب من مستخدمي فايسبوك في سجال ديني- ليبرالي لا جدوى منه حول شرعية الصورة، وعدم جواز الدعابة في الأمور الدينية، وركاكة الصورة المركبة بأسلوب تقني ضعيف!
ركاكة بعض الحملات الدعائية تقابلها براعة حملات أخرى اعتمدت على لافتات مطبوعة بتقنية عالية وإضاءة مهنية لوجه المرشح وكلمات قليلة موجزة بعيدة من الكلاسيكية. وأكثر ما يلاحظ في تلك الحملات كثرة استخدام الفعل المضارع في العديد من لافتات المرشحين عوضاً عن فعل الأمر التقليدي. فبدلاً من «انتخبوا» أو «اختاروا» أو «صوتوا لـ...» اختار البعض عبارات مثل «مصر تتغير» أو «الوطن ينهض» أو «بلدك يناديك».
استجداء الأصوات
نبرة الاستعلاء التي كانت معتادة في انتخابات ما قبل الثورة، والتي كانت ضمن قائمة عوامل نفور الشباب من الساحة السياسية، تحولت لدى بعض الناخبين حجة بغرض الإقناع وشرح موجز للوضع الآني: «مصر تحتاج صوتك» «التنمــــية تنتظرنا» وغيرها. لكن إذا كـــان الشباب يمقتون أسلوب الأمر، فإن مواقفهم ليست أكثر إيجابية من أسلوب الشحاذة أيضاً. أحد المرشحين لجأ إلى استجداء أصوات الناخبين من خلال القسم والحلفان بأنه سيقدم كل ما يمكن أن يقدمه للناخب، بل ويذهب إلى درجة التأكيد على أنه سيصطحب الناخب الذي يعطيه صوته إلى الجنة!
سمات الشباب التي تمقت فعل الأمر وأسلوب الاستجداء وتحيد عن الكلاسيكية قد تجنح أحياناً كذلك إلى المستفز أو الصادم. فأسماء محفوظ مثلاً، الناشطة السياسية وأحد مؤسسي «حركة 6 أبريل» المرشحة لانتخابات مجلس الشعب طالبت بحقها في استخدام قصر العروبة في حملتها الانتخابية.
وبين استخدام السلفيين للوردة الحمراء بديلاً لصورة نسائهم المرشحات، ومطالبة محفوظ بحقها في قصر العروبة، وشيوع الفعل المضارع، وغلبة تقنيات الفوتو شوب والغرافيكس، ومغازلة بطاقة الناخب من خلال بطنه، أو حتى وعود بالجنة، يجد الشباب أنفسهم للمرة الأولى في تاريخ مصر منغمسين في الأجواء الانتخابية سلفية كانت أو ليبرالية!
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد