المصافحة التاريخية ما بين الإسلام والمسيحية
إذا كان من قيمة لإنساننا المعاصر في كلمة او موقف فهي في صناعة الاجتماع والقرب، في عصر الإحن والعصبية والتمذهب والتقاذف والانفعال، فإن ترك هذه المهمة المقدسة يساوق إشاعة الشقاق، وما أحيلى هذا النص "من لا يجمع معي فهو يفرق" أنجيل متى اصحاح 12 فقرة 31.
ومن هنا قيمة ما يسطّره العلماء الراشدون في كتاب الوصل هذا، وما يضعونه من نقاط بين جمل القرب...
إنها محاولات تعيد تأسيس ما انسته الأحداث والأزمان من أن مهمات الأنبياء ترفع شعار "إني لم آت لأجل أن أنقض لكن لأتمم" متى5/17.
وإن الثنائية الدينية لا تعني التناقض وضرورة الصراع والنفخ في جمر الخلاف، ومساحات الإختلاف، لو أعدنا صياغتها بأناة ومرونة قلم، لعرفنا أنها لا تقوى على تشكيل نقطة سوداء في كتاب الأديان الأبيض.
أن أهمية هذه الرشحات التي تلغي المرتكز الموروث عن الصورة الدينية للدين الآخر، والتي تقارب بين من يربو عددهم على الثلاثة مليارات نسمة فكرياً، وتستعيد من جديد هذا العناق التاريخي من البشارة الإنجيلية بالنبوة اللاحقة "إن في إنطلاقي خيراً لكم لأني إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إذا مضيت أرسلته لكم) إنجيل يوحنا اصحاح15/ فقرة 27. (فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم) أنجيل يوحنا اصحاح14/ فقرة 27.
الى مطلع المسيرة الاسلامية التي وجدت في النجاشي النصراني نصيراً اميناً، بينما لم تجده في أولي القربى وأصحاب النجدة والحمية العربية آنذاك. فالى كل المواقف المضيئة في التفاعل بين أبناء الديانتين، ولا سيما في هذا الزمن حيث تنهش الصهيونية جسد الاجتماع العالمي أملا في صراعات وحروب تبقي لهم ما أقاموه غصباً وعدواناً ومكراً من دولة آثمة على أرض فلسطين بحجة انها أرض الميعاد والوعد بين الله وبين أنبيائه ابرهيم واسحاق ويعقوب.
إن أعظم مهمة على الناشطين في مجال حوار ولقاء الأديان هي الإضاءة على نقاط القرب ومراكز الوحدة في الشعارات والعقائد والسلوكيات، لا سيما توسع العلوم وتفتح العقول وإدراك المحالات والهرطقات من الحقائق والإضاءات.
فمن قضية الله والثالوث الى سر الفداء وسر العشاء الرباني وسر تحول الخبز والنبيذ جسداً ودماً... الخ، فالى الأحكام العامة التي تشكل هيكلا اساسياً في التشريع الديني، لربما يفاجأ القارئ عندما يطل على قانون التوحيد في الإنجيل (أعبد الرب إلهك وحده)، (إن الله واحد وليس آخر غيره) مرقس 12/32.
وعندما يقرأ عن يوحنا المعمدان في بيان جلالته ومدحه: (ولا يشرب خمراً ولا مسكراً) يوحنا 1/16. وقد يفاجأ بلغة الحب الرائعة "أحبب قريبك كنفسك" متى 22/40، ولغة المغفرة الكريمة "… ورجع اليك سبع مرات قائلا أنا تائب فإغفر له" يوحنا 17/5، وفي متى (سبعين مرة سبع مرات) 18/23، وبدعوات التفاعل "ومن أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن خادماً" إنجيل متى اصحاح 20 فقرة 27، وبالوصايا العشر المقدسة "لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور... (متى 19/19. والأهم دعوة الرفض للمنكر ومقاومته "ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً" متى 10/35.
والدعوة لأساسيات وغائيات الأديان "وتتركون أثقل ما في الناموس وهو العدل والرحمة والإيمان" متى 23/24.
والبشارة بعودة ونزول السيد المسيح "وحينئذ يشاهدون ابن البشر آتياً على السحاب بقوة وجلال عظيمين" أنجيل مرقس 13/27...
الى عشرات الأمثلة والنصوص التي تتطابق تماماً مع ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الكريمة...
وإني إذ أقدر للعلماء والكتّاب هذا الجهد الفريد والتوفيق السديد، فإني آمل أن تساهم هذه المحاولات في رسم لوحة التقارب ما بين الشرق والغرب والمسلمين والمسيحيين.
وإنها محاولات تؤكد الحقيقة القرآنية باعتبار النصارى أقرب الناس مودة وحباً للذين آمنوا من خلال الأشعة الإنجيلية على قلوب أبناء الديانة المسيحية.
(ولِتَجِدنَّ أقربهُم مودّةً للذين آمنوا الذين قالّوا إنا نصارى ذلك بأنَّ مِنهُم قِسِّيسِين ورُهباناً وأنَّهم لا يَستَكْبِرُونَ) سورة المائدة 82.
ولنختم بهذا النص الممسوح بزيت الرحمة والقدس: "وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم وأحسنوا الى من يبغضكم وصلوا لأجل من يُعنتكم ويضطهدكم" متى 5/45.
السيد علي متكي
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد