المعارضة السورية: صمت حيال الإسلاميين ...والعدوان الإسرائيلي
جرى خلال الأشهر الثلاثة الماضية حدثان، محلي وإقليمي، وبالرغم مما لهما من دلالة إلا أن المعارضة السورية (بمختلف أطيافها) لم تتخذ أي موقف يذكر منهما، لاسيما تلك المنضوية تحت إعلان دمشق.
الموقف الأول (المحلي)، تجلى بصمتها المطبق إزاء الرسالة التي رفعها عدد من السادة العلماء يتقدمهم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي إلى رئيس الجمهورية، احتجاجاً منهم على قرار إلغاء المدارس الدينية في المرحلة الإعدادية الذي كان قد أُقرّ من قبل وزارة التربية تماشياً مع تحديث التربية ومناهجها في البلاد، وهي مناهج كما هو معروف محط انتقاد جميع المعنيين في سوريا. ومما جاء في رسالة السادة العلماء: (وقد كانت تلك الأُسر المحافظة المقيمة في تلك الأماكن تفرّ بأولادها من آفات الاختلاط وآثاره الشائنة إلى الثانويات والمعاهد الشرعية بدءا من المرحلة الإعدادية، ولكن الخطة التآمرية ترمي إلى سد هذا السبيل في وجوه الأُسر... وكم وكم جرى التآمر بهذا الهدف وراء الكواليس، وهكذا تجبر هذه الأُسر على زج أولادها في بؤر الفساد الأخلاقي والجنوح إلى الموبقات ولعل واقع المخدرات من أهونها). غني عن القول إن المقصود بالاختلاط وآثاره الشائنة هو التعليم المختلط الذي وصم في نهاية الرسالة ببؤر الفساد الأخلاقي، أو هذا ما افهمه أنا على الأقل؛ ترى هل يتوجب علينا شكر السادة الأفاضل كوننا بفضلهم علمنا أننا نتاج بؤر الفساد؟!
قطعاً من غير المستحسن إضاعة الوقت في مناقشة أصحاب تلك الرسالة، لا سيما بعد أن رأينا بعض ما تنطوي عليه رسالتهم من أفكار وحتى ألفاظ يخجل منها سامعها، وهي بطبيعة الحال مستقاة من نظرة الإمام أبي حامد الغزالي الرجعية للتعليم؛ لكن من الصعب تجاهل توجيه الأسئلة إلى المعارضة السورية التي لزمت الصمت كلياً إزاء رسالة كهذه! خاصة أنها تحتقر كل صنوف التعليم (اللهم ما عدا الشرعي)، فضلاً عن أنها تستخف بالكثير من السوريين، وفي أي موقع كانوا مواطنين عاديين أم سلطة ومعارضة، كي لا أقول إنها تحتقر جلّ انجازات العقل البشري! إضافة إلى أنها تطرح سؤالاً عريضاً وهو: إلى أين يريد التيار الديني الذي يتلطى خلف يافطة الاعتدال أخذ المجتمع السوري؟ ويكتسب السؤال شرعيته بعد الحديث عن تخصيص حديقة للنساء (علماً انه يوجد حديقة خاصة بهن في منطقة البرامكة)، والسعي الحثيث لذلك التيار في إغلاق ما تبقى من أماكن تقدم المشروبات الكحولية الخ... تحت ذرائع جاهزة، وإن تكن واهية.
انطلاقاً مما أسلفت يحق لنا أن نسأل (المعارضة والنظام في آن معاً): ترى هل كنتم وكنا نتلقى التعليم في بؤر أخلاقية أهون الشرور فيها المخدرات؟ وأليس الجميع يعلم أن الشذوذ وما تبقى من موبقات تكمن في المجتمعات المكبوتة والمنغلقة (كي لا أقول تلك التي تدعي احتكار مكارم الأخلاق) أكثر من سواها حتى سكت الجميع على تلك الرسالة الفضيحة؟ هل ثمة حاجة للاستشهاد بما تجود به مواقع الانترنت المتخصصة بالجنس كي نعلم إلى أية درجة منحطة وصل إليها طيف واسع من مجتمعنا المحافظ مع الأسف؟ لا اعتقد أن أحد أسباب انحطاطه هو مدارس البؤر الأخلاقية، ولا هو ناجم عن التعليم المختلط.
وإذا كان للنظام، اعتبارات تخصّ بقاءه وهناءه، تدفعه لممالئة أصحاب هذا التيار وسدنته، وان كان كل من النظام والتيار المقصود يدركان سلفاً أنهما يكذبان على بعضهما البعض، ولعل النظام يدري كذلك إن مثل هذا التيار الذي بات يتنامى كالنار في الهشيم سيقلب ظهر المجن عليه إذا ما واتته الفرصة، ولا حرج من التذكير هنا بأبي هدى الصيادي والمحدث الأكبر الشيخ بدر الحسني الذي سهل لجمال باشا السفاح إعدام شهداء السادس من أيار، فما هي اعتبارات المعارضة؟ وهل هي معارضة فقط للنظام؟ وفي حال كان الأمر كذلك، لماذا لا تعارض سلوك هذا التيار (كي لا أقول التيار) المفترض انه نتاج النظام!؟ حقاً ما هي مبررات المعارضة كي تدخل في مزايدة (أو منافسة غير متكافئة) مع النظام لاستقطاب هذا التيار بدلاً من أن تنتقده أو في الحد الأدنى تحاوره في ما يدعيه ويحتكره؟ وهل بفعلها هذا تكون قد أدت رسالة تنويرية مفترض أنها ملقاة على عاتقها، أم أن هاجسها الأوحد الإطاحة بالنظام والوصول إلى السلطة من دون أن ينطوي نضالها على أية رسالة أخرى؟ أليس التعليم هاجساً من هواجس المعارضة؟ إن من يقرأ أدبيات المعارضة يجد ايلاءها اهتماما كبيراً بقضايا المرأة وحقوقها، والتعليم وأهمية تحديثه، ناهيك عن قضايا تنويرية أخرى. ترى هل كانت كل تلك الأدبيات حبراً على ورق فقط، ومهمتها دعائية لا أكثر؟
لا استطيع أن أتوجه بعتبي على النظام، لأسباب سبق ذكرها في سياق ما أسلفت، لكن لا يسعني إلا أن أبدي دهشتي إزاء صمت المعارضة حيال ما يجري في سوريا، لا سيما إن مشاعر الخوف والقلق بدأت تزداد طرداً لدى بعض مكونات المجتمع السوري جرّاء استفحال هذه الأصولية النائمة بحسب تعبير الدكتور احمد برقاوي.
النقطة الثانية التي تسجل على المعارضة السورية خلال الأشهر القليلة الماضية هو موقفها من الحرب الأخيرة على لبنان، إذ اقتصر على إصدار بيانات الاستنكار، ولا يمكننا بحال من الأحوال مقارنة أو مقاربة موقفها هذا من موقفها إبان الغزو الأميركي للعراق، أو أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية وما تلاها من تطورات داخل الشارع الفلسطيني. لماذا كان كل ذلك السخاء من قبل المعارضة للحالتين الأخريين، في حين لم يحظ أطفال قانا2 ومروحين ولو باعتصام صغير أمام المفوضية الأوروبية وغيرها من مؤسسات دولية وسفارات دول الغرب الداعم للعدوان؟
هناك من زعم أن النظام كان سيرسل الشباب الجامعي من محترفي حمل عصي الأعلام الوطنية لقمع التظاهرة الداعمة للبنان وحزب الله في حال تمت التظاهرة أو الاعتصام، ومن نافل القول إن هذا الكلام مرفوض. وفي حال صح الزعم، ألا يستحق أطفال قانا ومروحين بضع عصي تتلقاها المعارضة، وهي التي خبرت السجون بما فيها من تعذيب، إكراماً لتلك الأرواح البريئة؟ هل يعقل أن دماء أطفال العراق وفلسطين، مع احترامي الشديد لها، أكثر طهارة وقداسة من دماء أطفال قانا ومروحين؟
عندما بحت بهذا الأمر الى أحد الأصدقاء في حزب الشعب الديموقراطي (المعارض) طلب مني قراءة افتتاحية نشرتهم، وقد كانت تتضمن رأي الحزب بالحرب، ومن المؤسف أني لم أجد فيها ما أثلج صدري، إذ ببساطة لم يقولوا لماذا اكتفوا بالتنديد عن بعد من دون أن يجيشوا ما استطاعوا من الشارع الذي تُرك أمره للسلطة، وقد كانت موفقة في توظيفه.
باستثناء مبادرة (لم يكتب لها النجاح) اقترحها الزميل فايز سارة، خلاصتها جمع تبرعات من الكتاب السوريين في الصحف اللبنانية لمنكوبي الحرب على لبنان، وبعض ما أقدمت عليه لجان المجتمع المدني في سوريا كالأستاذ نجاتي طيارة في حمص من التطوع مع الصليب الأحمر لنقل المصابين والجرحى إلى المستشفيات وتأمين اللوازم الضرورية للاجئين من الأخوة اللبنانيين حينذاك، يمكننا القول إن موقف المعارضة السورية كان يدعو الى البكاء، وهي مطالبة بتقديم توضيح لجمهورها ليس في هذا الجانب فحسب، وإنما في تقاعسها بالرد على رسالة سادتنا العلماء.
أبي حسن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد