المعلن وغير المعلن في تحركات حزب العدالة التركي الأخيرة
الجمل: وصل حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة في تركيا، واستطاع أن يمسك بالكامل بعملية صنع واتخاذ القرار التركي ضمن مفاصلها الرئيسية الثلاثة:
- السلطة التشريعية: سيطر الحزب على أغلبية مقاعد البرلمان التركي.
- السلطة التنفيذية: سيطر الحزب على مجلس الوزراء.
- رئاسة الجمهورية: سيطر الحزب على منصب رئاسة الجمهورية.
وفقط تبقت أمام الحزب بعض المعارك الثانوية، ومن أبرزها:
- السيطرة على المؤسسة العسكرية، ويمكن أن يتم ذلك بكل سهولة بقيام رئيس الجمهورية بعزل رئيس هيئة الأركان وتعيين آخر بدلاً عنه.
- السيطرة على المحكمة العليا: ويمكن أن يتم ذلك بكل سهولة عن طريق قيام رئيس الجمهورية بعزل رئيس المحكمة العليا الحالي وتعيين آخر بدلاً عنه.
وعلى خلفية الموقف الحالي المواتي لحزب العدالة والتنمية الإسلامية نتساءل: هل سيمضي الحزب قدماً في مسيرة السيطرة على المؤسسات الرسمية التركية وإكمال انتصاراته؟ وهل سوف يشرع الحزب في تطبيق توجهاته الإسلامية؟ أم سوف يحاول اتخاذ الموقف الوسط على النحو الذي يتيح للحزب هامش المناورة الواسع الذي يمكنه من تقليل وإضعاف المعارضة العلمانية، ويقضي على اتهام الأطراف العلمانية للحزب بأنه يسعى لإقامة دولة إسلامية تركية؟
· الخطوات الجديدة في الأداء السلوكي لمحور غول- أردوغان:
بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي في التقدم بهدوء وثبات من أجل التصدي بالمعالجة لبعض الملفات التركية، ومن أبرزها:
الخطوة الأولى- تعديل الدستور التركي:
تقول صحيفة أناضوليا الجديدة الصادرة في العاصمة التركية أنقرا، بأن الخبراء والأكاديميون القانونيون الأتراك يقومون في الوقت الحالي بإجراء المزيد من الحوارات والنقاشات المستفيضة حول التعديلات المقترحة الجديدة للدستور التركي، وتهدف هذه التعديلات إلى:
- توسيع نطاق الحريات الشخصية.
- تقليل سلطات وصلاحيات كل من رئيس الجمهورية والجيش التركي.
- تذليل العقبات أمام انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي.
- إلغاء الفقرة 15 التي منعت من محاكمة زعماء الانقلاب العسكري الذي حدث في تركيا عام 1980م.
- تقوية وتعزيز حق الحياة.
تحركات حزب العدالة والتنمية الإسلامي بين المعلن وغير المعلن: أبدى اللوبي الإسرائيلي الأمريكي انزعاجه ومخاوفه الشديدة إزاء هذه التعديلات، ويرى خبراء اللوبي بأن الإسلاميين الأتراك الذين يمثلهم حزب العدالة والتنمية يستخدمون أسلوب (الأسلحة الذكية) في تحقيق أهدافهم، وذلك لأن هذه التعديلات تهدف إلى تعزيز موقف الحزب:
- توسيع نطاق الحريات الشخصية، سوف يؤدي إلى تعميم السماح للنساء التركيات بارتداء الحجاب، وسوف يترتب على ذلك تزايد المد الديني في المؤسسات الرسمية التركية، كذلك توسيع نطاق الحريات الشخصية سوف يتيح للعسكريين الانخراط في أنشطة التدين، وهو أمر سوف يترتب عليه تأكل الطابع العلماني الرسمي للجيش التركي.
- تقليل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية وقيادة الجيش التركي، لن يؤثر على موقف رئيس الجهورية عبد الله غول لأنه يستطيع تمرير ما يريده عن طريق رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء ومجلس وزرائه، وأيضاً البرلمان.. أما قيادة الجيش فليس لها من سبيل آخر لتمرير ما ترغب القيام به إن فقدت صلاحياتها، أو بالأحرى سوف لن تتمتع قيادة الجيش التركية بالاستقلالية التي ظلت تتمتع بها كحامٍ للعلمانية في تركيا.
- إلغاء المادة 15 سوف يؤدي إلى جعل قيادة الجيش تقع تحت طائلة المحاكمة والقانون إن قامت بأي محاولة انقلابية تحت مزاعم حماية العلمانية.
- تقوية وتعزيز حق الحياة، يمكن أن تؤدي إلى التمسك بتطبيق أحكام الإعدام في تر كيا، وذلك على أساس اعتبارات الآية القرآنية: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} والتي يفسرها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، على أساس اعتبارات أن تطبيق أحكام القصاص مثل الإعدام للقاتل يساعد بالضرورة في الحفاظ على حياة المجتمع والأفراد من خطر القتلة واستشراء عمليات القتل.
- إزالة العقبات التي تعرقل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي تهدف إلى توسيع دائرة معاملات تركيا مع دول الشرق الأوسط مثل سورية وغيرها، وآسيا الوسطى، والدول الإسلامية الأخرى مثل إيران وغيرها.. وذلك لأن توسيع معاملات تركيا مع هذه الدول سوف يؤدي إلى (تحسين اقتصاد تركيا) وهو ما هو مطلوب أوروبياً، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي ظل يطالب تركيا بتحسين اقتصادها لكي يتمكن من المضي قدماً في التفاوض حول إجراءات انضمامها.
الخطوة الثانية- معالجة الأزمة الكردية:
بدأ الرئيس التركي الجديد عبد الله غول في محاولة إقناع الأكراد الأتراك بضرورة الاندماج ضمن المجتمع التركي، مع المحافظة على حقوقهم الثقافية، وحالياً يجد عبد الله غول مساندة الكثير من الأكراد ذوي التوجهات الإسلامية، وقد تحدثت بعض الأطراف الغربية التابع للوبي الإسرائيلي الأمريكي بأن عبد الله غول يتحرك باتجاه دفع الأكراد الإسلاميين الأتراك الذين يشكلون أغلبية كبيرة من أكراد جنوب تركيا إلى التخلي عن حزب العمال الكردستاني ذي الميول اليسارية والمرتبط بأمريكا وإسرائيل، وأيضاً إلى عدم الارتباك بحكومة إقليم كردستان العراقية وضرورة التمسك بوطنهم تركيا.
وتقول المعلومات بأن محاولة عبد الله غول تهدف إلى قطع الطريق أمام حزب العمال الكردستاني من الحصول على دعم السكان المحليين، على النحو الذي يتيح فرص النجاح لعملية الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق في حالة حدوثها.
وتجدر الإشارة إلى أن الإسلاميين الأكراد والأتراك قد قدموا دعماً كبيراً لعملية ترشيح عبد الله غول لمنصب الرئاسة.
ويرى خبراء اللوبي الإسرائيلي بأن نجاح عبد الله غول في استقطاب عدد كبير من الاكراد الأتراك، سوف يؤدي لإفقاد أمريكا وإسرائيل حليفاً وسنداً هاماً، تعولان في الاعتماد عليه مستقبلاً في زعزعة وتهديد استقرار تركيا إن حاولت المضي قدماً في توجهاتها الإسلامية.
حتى ان هناك الكثير من الأسئلة التي ماتزال غير واضحة الإجابة، فبرغم وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة وقيام الحكومة التركية لأول مرة بالاحتجاج على قيام إسرائيل باستغلال وانتهاك حدودها مع سورية، وأيضاً بإحراج إسرائيل عن طريق نفي تركيا القاطع لأي تبادل معلومات استخباري مع إسرائيل حول حادثة انتهاك الطائرات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري.. فإن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: ماذا عن مستقبل العلاقات التركية- الإسرائيلية؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد