النفط السوري.. مصدر ثراء للإرهابيين والأتراك
لا تسر أخبار حقول النفط في شمال شرقي سوريا، لكن السلطات الحكومية لا تمتلك وسائل لتغيير مسار فوضى التخريب والسرقة إلا عبر محاولات للحدّ من تلك الظاهرة، ولو بوسائل حربية عالية الكلفة.
ورغم أن أخبارها تغيب عن وسائل الإعلام، بسبب فائض الدم الموجود على جبهات سوريا الأخرى، إلا أن القسم الأكبر من عمليات السلاح الجوي في سوريا، تستهدف الحد من أضرار هذه العملية على الاقتصاد الوطني. وينفذ سلاح الجو كل يوم تقريباً طلعات تستهدف أرتالاً طويلة من شاحنات النفط، يمتدّ بعضها لأكثر من كيلومترين، في طريقها الى الحدود التركية، وهي غالباً ما تكون محاطة بحراس في سيارات محمّلة بمضادات طيران مختلفة.
وفي بيان مقتضب بثته أمس الأول، أعلنت وكالة الأنباء السورية («سانا») أن سلاح الطيران «استهدف سوقاً لبيع النفط المسروق في قرية ابريهة التابعة لمدينة البصيرة في ريف دير الزور» ما أدى الى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وتدمير سيارات مخصصة لتهريب البترول، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه صفحات المعارضة أن القصف أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة العشرات وتدمير صهاريج نفط. كما جرت عملية برية مشابهة في اليوم ذاته أدت إلى مقتل 12 شخصاً في مزارع المريعية. وتشير معلومات ميدانية إلى أن سلاح الجو يتولى بشكل اساسي مهمة مكافحة تهريب وسرقة هذه الثروة الوطنية، وذلك بالرغم من تكاليف الحماية والوقاية العالية التي يقوم بها المهربون.
ويؤكد معاون وزير النفط السوري حسن زينب هذه المعلومات، موضحاً أن الاستهداف يتم بوتيرة متصاعدة، ويستند دوماً إلى «إخباريات أو مراقبة سير عمليات بعينها».
ومع ذلك، يعترف زينب بأنّ وقف هذه الظاهرة صعب للغاية في ظل الفوضى العارمة في الشمال الشرقي من سوريا.
ومن أسباب صعوبة هذا الأمر الثروات اليومية التي يَعد المهربون والمخربون أنفسهم بها.
ووفقاً لمعلومات متقاطعة، لدى المعارضة والحكومة على حد سواء، يتم إنتاج ما يقارب 60 ألف برميل من النفط الخفيف يومياً، وبوسائل بدائية، ويتم بيع ما يقارب عشرة آلاف برميل منها في السوق المحلية، بعد تكرارها بوسائل محلية بدائية. أما القسم الآخر، فيتم تهريبه إلى سوق واحدة لا غير، هي السوق التركية.
ووفقاً لزينب، فإن سعر البرميل الواحد المسروق يعادل 10 دولارات، ما يجعل حصيلة يوم من التهريب نصف مليون دولار، وهو رقم كافٍ لأي مجرم أن يتحمل خطر الموت في سبيل اقتطاع حصة منه. لذلك، فقد تمكن كثر من المستفيدين، وبالتعامل مع مهربين أتراك مرتبطين بأجهزة الاستخبارات والجيش التركية، من تكوين شبكات حماية وأمان لطرق يتم اتخاذها للوصول ببرميل النفط الخام إلى التاجر المقيم على الجانب الآخر، والذي بدوره يشتريه بما يقارب 30 دولاراً. سعر ذهبي هو الآخر، بالمقارنة مع السعر العالمي الذي يزيد بقليل عن 100 دولار للبرميل من النفط الخفيف و80 للثقيل.
ونفى زينب، رداً على سؤال، وجود أسواق أخرى يمكن الإشارة إليها، كالعراق أو إقليم كردستان أو حتى أسواق سورية في مناطق السيطرة الحكومية. ووفقاً للمسؤول النفطي، فإن العراق ليس في حاجة الى النفط، حتى لو كان مهرباً وبأسعار زهيدة، وذلك برغم معلومات تشير إلى تهريبه إلى تجار نافذين في إقليم كردستان.
أما بخصوص السوق المحلية، فيؤكد زينب أن مصافي سوريا لتكرير النفط متوقفة عن العمل تقريباً، عدا مصفاة بانياس، التي تقوم بتكرير نفط مستورد من دول صديقة، أبرزها إيران.
ووفقاً لدراسة «تحتمل التصويب بسبب قلة المصادر» أعدتها الوزارة، فإن ما يقارب عشرة آلاف إلى 12 ألف برميل يتم تكريرها في مصاف بدائية في تلك المناطق، وتستهلك فيها، من دون أن تصل إلى السوق السورية النظامية أو الخارج.
وينفي زينب اتهامات عن «عمليات شراء تقوم بها الحكومة عن طريق وسطاء للنفط المسروق»، بل يزيد بشيء من السخرية أن «ذلك سيكون أمراً يوفر على الدولة المال لو حصل» في إشارة إلى قيام الدولة باستيراد النفط بالسعر العالمي بعد أن كانت تصدره.
ولا يتعدّى الإنتاج المحلي من النفط، من آبار صغيرة في شرق مدينة حمص، 13 ألف برميل يومياً، وهي كمية لا تكفي محافظة واحدة بحجم محافظة حلب، فيما تستورد الدولة ما يعادل ثلاثة ملايين برميل شهرياً، بكلفة تقارب 800 مليون دولار، وذلك دون الإشارة الى المواد المشتقة الأخرى من فيول وغيرها.
ووفقاً لدراسة صدرت منذ أيام فقد تعدّت خسائر الدولة من قطاع النفط 1.7 تريليون ليرة سورية، فيما تعدت خسائر الشركات الأجنبية المستثمرة للنفط في البلاد 6.4 مليارات دولار. أما النفط المسروق فبلغت كميته التقديرية، بحسب تقديرات وزارة النفط حتى الآن، 12 مليون برميل، إضافة الى 134 مليون متر مكعب من الغاز النفطي المهدور بالعمليات التخريبية.
وتقوم الدولة بحماية آبار المنطقة الوسطى، سواء عن طريق وحدات من الجيش أو عبر شركات حماية خاصة رخص لها مؤخراً، وأحياناً عبر اتفاقات مع زعماء القبائل المحلية.
وحتى هذه الطريقة ليست مثالية، إذ يشير مسؤولون محليون إلى أن كلفة حماية البرميل الواحد هي 10 دولارات في بعض المناطق، الأمر الذي يرفع من تكاليف العملية الإنتاجية، رغم ضعفها اساساً. وتبقى تلك المناطق في «أمان نسبي» عموماً، لكونها تنتج الغاز الطبيعي بشكل رئيسي (16 مليون متر مكعب يومياً)، وهو منتج «لا يمكن سرقته» وفق ما يشير زينب «وإلا لكان استهدف أيضاً». وتشكل الكمية رقماً معقولاً، بتقديرات الخبراء، تستنفذه البيئة المحلية، ولا سيما قطاع الكهرباء.
ويرى زينب أن ملامح انتعاش القطاع النفطي في سوريا ما زالت بعيدة، بانتظار خرق كبير يتمثل في قرب تصديق عقد التنقيب عن النفط على الساحل السوري الآمن.
أما على الضفة الأخرى فتشير تخمينات الدولة إلى أن آلاف الأشخاص قد كوّنوا دخلاً هائلاً من هذه السرقة، بالمقارنة مع مدخول السوريين، وذلك في منطقة مشتتة النفوذ أساساً، وتعج بالانتماءات القبلية والعشائرية، وهو ما سهل سيطرة تنظيمات قوية مثل «الدولة الاسلامية في العراق والشام» («داعش») و«جبهة النصرة» و«أحرار الشام» على حقول بعينها.
واستفاد الأتراك حصراً من قرار الاتحاد الأوروبي الصادر في نيسان العام الماضي بالسماح للمعارضة السورية «بتصدير النفط المسروق»، الأمر الذي منح المهربين حججاً قانونية دولية، بالرغم من تفاخر تنظيماتهم «بالفكر التكفيري المرتبط بتنظيم القاعدة المحرم دولياً».
وبعد استخراج تلك التنظيمات المسلحة للنفط، يشحن بالصهاريج إلى تركيا، متفادياً حظرها الاتجار بالنفط المسروق، وصولاً الى أسواقها المحلية، كغيره من المسروقات التي اتهمت السلطات السورية الحكومة التركية بتنفيذها. ويؤكد زينب بمرارة أن «كل النفط المهرب هو نفط خام، لا فائدة منه من دون تكريره، أي أن مصافي النفط التركية هي التي تقوم بذلك، فتقوم بشرائه من السارقين، ومن ثم تبيعه»، وذلك بعدما «سرق عناصر الاستخبارات التركية أيضاً المعدات والآلات الضخمة التي كانت في تلك المواقع».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد