الوجه "الثوري" للصراع السوري...الحكومة هي الضحية
الجمل ـ *نيقولا ناصر ـ ترجمة رندة القاسم: تكثر تقارير المنظمات الدولية حول مسؤولية الحكومة السورية عن انتهاك حقوق الإنسان في الصراع السوري، و الذي بلغ عامه الرابع، و بالمقابل تبقى مسؤولية المتمردين بعيدة عن أضواء وسائل الاعلام لأسباب سياسية.غير أن الصورة الرهيبة للعمل "الثوري" تفرض نفسها على وسائل الاعلام و الرأي العالم لدرجة أضحى من المستحيل الاستمرار بإخفائها.
دوليا،على سبيل المثال، الخميس الماضي وصفت مبعوثه الولايات المتحدة للأمم المتحدة "سامانثا بوير" فيتو روسيا و الصين ضد قرار مجلس الأمن، بتحويل ادعاءات جرائم الحرب في سوريه الى محكمة الجنايات الدولية، بأنه "يحمي منظمات ارهابية رهيبة تعمل في سوريه.. تواصل انتهاكات متعصبة ضد الشعب السوري لا تعرف الأخلاق و لا الانسانيه".
أما اقليميا و بنفس اليوم، حلت لجنة التعاون اليمني لدعم الثورة السورية نفسها احتجاجا على ما أسمته في بيانها "انحراف و تحول قادة الثورة و المعارضة الى عصابات و مجموعات ارهابية".
و منذ قيام الرئيس الأميركي باراك أوباما في التاسع و العشرين من نيسان 2011 بفرض عقوبات على بعض المسؤولين السوريين بتهمة استخدام العنف ضد المدنيين، و الولايات المتحدة و الأوربيون و الرعاة الإقليميون ل "تغيير النظام" يعتبرون الحكومة السورية الطرف الوحيد المسؤول عما يحدث. و حذت حذوهم الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان الدولية الغربية .و كانوا ملتزمين بالتعتيم على مسؤولية المتمردين، و الا تم تحميل الرعاة المسؤولية و بالتالي لن يستمروا بدعم المتمردين دون محاسبة ، فبسبب دعمهم تمكن المتمردون من البقاء.
و إحجامهم عن تسليح المتمردين السوريين بأسلحة متطورة خوفا من سقوطها بيد منظمات دولية لن يحجب حقيقة تسليحهم الأولي و المستمر و جهودهم في التجنيد، ما أدى الى تسليح الاحتجاجات المدنية عن طريق متطرفين سوريين و غير سوريين.
في الثامن من نيسان الماضي قال المفوض الأعلى لحقوق الانسان في الأمم المتحدة، عبر مذكرة لمجلس الأمن ، أن أعمال قوات الحكومة السورية قد "فاقت" جرائم مقاتلي المعارضة.
غير أن نظرة دقيقة لإحصائيات الوفيات و حقائق الانهيار الانساني للصراع تخبرنا قصة مختلفة. ففي التاسع عشر من أيار الجاري ، قال المرصد السوري لحقوق الانسان و مقره المملكة المتحدة بأنه وثق أكثر من 162,000 وفاة في الصراع حتى السابع عشر من أيار، أكثر من 61,000 جندي حكومي، 42,701 متمرد و أكثر من 1,600مقاتل أجنبي، و يرى المرصد السوري أن طرفي النزاع يميلان بقوة الى التحفظ بخصوص الاصابات الانسانيه . أما بقية الوفيات فان الغالبية كانوا ضحايا تفجيرات انتحارية و قذائف هاون أطلقها المتمردون. و تحليل هذه الأرقام يظهر أن الحكومة كانت "ضحية" لا مجرمة و أعمال المتمردين فاقت بكثير ما قامت به الحكومة.
في مقال تحت عنوان "مناقشة قائمة الإصابات السورية" و التي نشرت في صحيفة الأخبار اللبنانية في 28 شباط 2012 كتبت شارماين نارواني : "أول اشارة الى اصابات في الجيش النظامي السوري تعود الى العاشر من نيسان 2011 ، حين أطلق مسلحون النيران على باص يقل جنودا عبر بانياس الى طرطوس، ما أودى بحياة تسعة منهم"... و هذا يعني أنه بعد أسابيع قليلة من اندلاع الاحتجاجات "السلمية" في سوريه ، و هي حقيقة تدعو الى التساؤل حول الأمر الذي تم تداوله بشكل خاطئ و القائل بأن الحكومة هي الطرف الذي بدأ بالعنف.
البيان الذي نشرته مجموعة أصدقاء سوريه ، التي تضم أحد عشر وزير خارجية غربي و عربي، بعد لقائها في لندن الخامس عشر من الشهر الجاري، كان آخر دليل على البواعث السياسية وراء التعتيم على مسؤولية المتمردين . و وصفوا الانتخابات الرئاسية القادمة في الثالث من حزيران باللاشرعية و المحاكاة الساخرة للديمقراطية ، متجاهلين حقيقة أن أي فراغ في السلطة في سوريه سيخلق البيئة المناسبة لانهيار الحكومة المركزية.
و الأسوأ من ذلك أن "أصدقاء سورية" الأحد عشر اتفقوا بالإجماع على تقديم دعمهم لما وصفوه بالمعارضة المعتدلة المتمثلة بالائتلاف الوطني و مجلسه العسكري الأعلى و الجماعات المسلحة المعتدلة المرتبطه به.
أي "اعتدال" يتكلمون عنه؟؟ في الخامس و العشرين من أيلول الماضي أشارت ال BBC الى دراسة حديثة قام بها المحلل السياسي تشارلز ليستير تخلص الى أن جوهر التمرد السوري مؤلف من مجموعات اسلامية بشكل أو بآخر" .و بعد عدة أيام كتب ريد ميستير في The Northern Star "المعارضة المسلحة جزء من الصراع".
ثلاث سنوات و ثلاثة أشهر و "أصدقاء سوريه" عاجزين عن اسقاط "النظام" و على العكس من ذلك هو متفوق عسكريا ، بينما المنظمات التي أدرجتها الولايات المتحدة و السعودية في قائمة الارهاب متفوقه عسكريا في المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين. و الشيء الوحيد الذي يمكن تحقيقه من المساعدات العسكرية للمتمردين "المعتدلين" ليس سوى اطالة الحرب، و تأجيل أي تسوية سياسية و مفاقمه و تمديد الأزمة الانسانية الأسوأ.
لقد تم اختطاف الاحتجاجات المدنية و المعارضة السياسية و التمرد المسلح "العلماني" و تهميشهم و في النهاية اهمالهم من قبل الارهابيين ،الذين يشكل المقاتلون الأجانب عمودهم الفقري ، و بالتالي القضاء على أي حل سياسي لفترة من الزمن ، الأمر الذي يسوغ قرار الرئيس السوري بشار الأسد في الرابع من آب الماضي القائل: "ما من حل يمكن الوصول اليه مع الارهاب سوى الضرب بقبضة حديدية".
و منذ آذار 2012 حذرت مديرة Human Rights Watch في الشرق الأوسط "ساره ليه ويتسون" من أن تكتيكات الحكومة السورية لا يمكن أن تبرر الانتهاكات التي ترتكبها مجموعات المعارضة المسلحة". فالمتمردون استهدفوا مدارس، جامعات، مستشفيات ، كنائس، جوامع، آثار دينية، شبكات كهربائية، سكك حديدية، حقول نفط، أماكن تاريخية ، مقتنيات متاحف و دوائر مسؤولة عن السلامة العامة و النظام و بنى تحتية بشكل لم يسبق له مثيل. و ذكرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة بأن الاقتصاد السوري بحاجة الى ثلاثين عاما لاستعادة المستوى الذي كان عليه عام 2010.
و وفقا للمرصد السوري، فان القتال بين المتمردين سبب أكثر من خمسة آلاف اصابة خلال عام 2014. و النزاع حول معابر الحدود و حقول النفط أدى الى تشرد أكثر من مائة ألف مدني في شمال شرق سوريه خلال الشهر الماضي. و كإستراتيجية ، عمل المتمردون منذ البدايات على استخدام المدنيين السوريين من أجل المساومات و كدروع بشرية، و هي حقيقة كان "أصدقاء سوريه" حريصين جدا على التعتيم عليها.
في الثاني عشر من أيار الجاري وافق المتمردون على تحرير 1500 عائلة كانوا اختطفوها من عدرا مقابل اطلاق سراح متمردين بيد الحكومة. و قبل أسبوعين أطلقوا سراح حوالي مائة قاصر و طفل و عجوز و امرأة مقابل اخلاء حمص القديمة دون التعرض للأذى.
في الرابع من أيار قطعوا مصادر المياه عن حوالي ثلاثة ملايين مدني في حلب ،ثاني أكبر مدينة سوريه، و هو عقاب جماعي يذكر بممارسة رهيبة مماثلة قامت بها إسرائيل في بيروت 1982. و في الشهر الماضي قطع المتمردون الكهرباء، و منذ حوالي عامين و هم يقصفون الجزء الغربي من المدينه الواقع تحت سيطرة الحكومة بقذائف الهاون محولين حياة المواطنين الى كابوس من التفجيرات الإنتحارية و الأنفاق من الجهة الشرقية الواقعة تحت سيطرتهم.
و هذه التكتيكات غير الإنسانيه ليست استثناء، بل هي قاعدة و نموذج. فمنذ البدايات الأولى لتمردهم في آذار 2011 ، اندفع المتمردون بعنف الى مراكز المدن السورية ، حيث لا أثر لوجود عسكري، و استخدموا المدنيين كدروع بشرية ضد أية ردة فعل من قبل قوات الحكومة، و بهذا أطلقوا العنان لما وصفته الأمم المتحدة بأكبر مشكلة لجوء في العالم.
و قد دفع المدنيون الثمن الأعلى، و اليوم يحمل السوريون المتمردين المسؤولية عن وضعهم المؤلم. و حاضنتهم الشعبية المتعصبة قد انقلبت ضدهم مقابل استعادة الأمن المفقود و السلام و النظام من قبل الحكومة.
كل زمر المتمردين أعلنت أنها تمثل الأكثرية السنيه، و لكن غالبية الستة ملايين سوري الذين هجروا داخليا من السنه، و هم الآن في ضيافة مواطنيهم غير السنه في ملاذ آمن تحت حماية الحكومة، و كذلك الغالبية الساحقة من اللاجئين الذين تجاوزا الثلاثة ملايين، و هربوا من المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين الى دول مجاورة ، من الطائفة السنيه.
الحقيقة المعروفه تماما أن خلق أزمة إنسانيه في سوريه، سواء أكانت حقيقية أم مفبركة، و تحميل الحكومة السورية المسؤولية عنها كذريعة للتدخل العسكري تحت بند الأمم المتحدة 2005 المسمى مبادرة "مسؤولية الحماية "، كان منذ بداية الصراع السوري هو الهدف من تجمع "أصدقاء سوريه" بقيادة الولايات المتحدة.
و الحقيقة الثانية هي السعي الحثيث لتسليح الاحتجاجات المدنية السورية. و عندما أصدر الرئيس بشار الأسد قرارات العفو العام الستة عام 2011، ناشدت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون المتمردين المسلحين بعدم التخلي عن سلاحهم ردا على القرارات.
وفي آذار 2014 قامت لجنة تحقيق معينه من قبل مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ، برئاسة باولو بينهيرو، و لأول مرة باتهام المتمردين في سورية بالجرائم ضد الإنسانية و جرائم الحرب.
و في الرابع عشر من أيار الجاري استشهدت صحيفة واشنطن بوست بقول الأب ميشيل رباحيه من الكنيسة الرومية الأرثوذكسية :"اذا كانت هذه هي الحرية، فاننا لا نحتاجها". و رباحية واحد من حوالي ثمانين ألف مسيحي عادوا لحمص القديمة ، التي كانت المعارضة تسميها يوما بفخر "عاصمة الثورة"، و التي أجبر المتمردون على إخلائها هذا الشهر. كان يجلس بجانب ضريح الكاهن الهولندي فرانس فان دير لوخت، الذي اغتيل قبل عدة أسابيع، و ليس بعيدا عن جامع خالد بن الوليد التاريخي الذي دمر بشكل محزن في احياء ثالث مدينة سورية المخربة ، حيث ترك فيها القليل.
و من الواضح أن "أصدقاء سوريه" قد فشلوا في خلق بديل موثوق للنظام المسيطر و الذي تغير بالتأكيد.
*صحفي عربي مقيم في الضفة الغربية المحتلة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
عن موقع The 4th Media
الجمل
إضافة تعليق جديد