الولايات المتحدة تسعى للمزيد من الدماء السورية
الجمل ـ *بقلم توني كارتالوتشي ـ ترجمة رنده القاسم:
في عام 2012 كانت ورقة الولايات المتحدة السياسية تسعى لنزيف الحكومة السورية و معها الشعب السوري.و اليوم في سوريه، تلقي المصالح الغربية الخاصة بمسؤولية تبعات السياسة الخارجية الأميركية الفاسدة على عاتق الضحية ذاتها التي استهدفتها هذه السياسة.
منذ بداية الصراع السوري ، و الولايات المتحدة تظهر للعالم إنذارها الصلب بأن حكومة دمشق سوف تسقط و يحل مكانها حكومة ترأسها الميليشيات المسلحة التي حرثتها الولايات المتحدة قبل الصراع و سلحتها و مولتها عبر السنوات السبع الماضية.
و مطالبة الولايات المتحدة بتغيير النظام في سورية لا تنحصر في الصراع الحالي، فسوريه كانت ضمن محور الشر الذي أعلن عنه الرئيس جورج دبليو بوش بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، رغم أن ما من دور لعبته سوريه في الهجمات بل كانت في الواقع إحدى الدول الأساسية في شن حرب ضد القاعدة و فروعها الكثيرة ، بما فيها سلفها الأخوان المسلمين، و يعود الأمر إلى الثمانينات عندما كانت الولايات المتحدة نفسها تمول و تسلح أعضاء التنظيمات الإرهابية في أفغانستان.
و اليوم تتمتع مناطق في سورية ، واقعة تحت سيطرة الحكومة، بسلام و أمن لم تعرفهما منذ اندلاع الصراع في 2011، و هذا يتضمن مدينة حلب، أكبر المدن السورية،و التي غزتها ميليشيات مرتبطة بالقاعدة عبرت عبر حدود سورية مع عضو الناتو تركيا منذ بداية
و حلت شاحنات البناء مكان الدبابات في حلب ، و أخيرا ، بعد سنوات من الاحتلال من قبل مجموعات إرهابية ، تحررت حلب. و استعيد الأمن و السلام في حلب بعيدا عن أية مبادرة من قبل الأمم المتحدة أو دول غربية مثل الولايات المتحدة و المملكة المتحدة أو أعضاء آخرين في الناتو، بل كان الأمر بفضل العمليات العسكرية السورية –الروسية- الإيرانية المشتركة و التي كانت تحد مباشر للمطالب الغربية بعدم المساس بالجيوب الإرهابية.
و لا تزال الحكومة السورية قادرة على توفير الأمن لمعظم السوريين الذين نزحوا إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها ، الحال المعاكس لما يحدث في المناطق التي اجتاحتها ميليشيات مدعومة من الغرب ، و هذا الأمر كشف عنه في تقرير صدر عن الأمم المتحدة عام 2017 جاء فيه:
"قدرت منظمات المساعدة أن أكثر من أربعمائة و أربعين ألف نازح ضمن الأراضي السورية قد عادوا إلى بيوتهم خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، و بشكل مواز رصدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عودة أكثر من واحد و ثلاثين ألف لاجئ سوري من دول مجاورة عام 2017. و منذ عام 2015 عاد بشكل عفوي إلى سورية حوالي مائتين و ستين ألف لاجئ و بشكل خاص من تركيا إلى الشمال السوري.
و العوامل الرئيسية التي أثرت على قرارات اللاجئين بالعودة بشكل شخصي إلى حلب و حماه و حمص و دمشق و إلى محافظات أخرى ، ترتبط بشكل أساسي بالسعي وراء أفراد العائلة أو الممتلكات و في بعض الأحيان ترتبط بتحسن حقيقي و ملموس في الظروف الأمنية لأجزاء من الدولة".
و تجدر الإشارة إلى أن حلب و حماه و حمص و دمشق كلها تحت سيطرة الحكومة السورية ، و المناطق التي لا تزال محتلة من قبل الإرهابيين ، و بشكل خاص إدلب في شمال سورية، قد أغفلت في التقرير.
و من الواضح أنه لو كانت أجندة الولايات المتحدة إنسانية ، لساعدت الحكومة السورية في جهودها لتحسين الظروف الأمنية عبر الدولة. و لكن عوضا عن ذلك، تعمل الولايات المتحدة بشكل فعال على تقويض هذه الجهود ، و تعمد لخلق و استمرار الظروف التي تعرض الأمن للخطر و تزيد من المعاناة الإنسانية.
و تشير خارطة الصراع السوري الحالي بأن العنف مستمر فقط في المناطق المرتبطة بالغرب و حلفائه الإقليميين .. و هذا يتضمن عضو الناتو تركيا ، التي لم تتحدث الأمم المتحدة عن اجتياحها و تدميرها لعفرين في الشمال السوري ، و يتضمن أيضا استمرار عمل القوة العسكرية الأميركية غير المرغوب بها في شرق سورية.
و في الوقت الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة بأن هدفها من سورية الشرقية هو هزيمة الدولة الإسلامية، كشفت وكالة استخبارات الدفاع في واشنطن و عبر مذكرة مسربة عام 2012 بأن الخلق الأولي لداعش كان مرغوبا بشكل خاص من قبل الولايات المتحدة و حلفائها كطريقة لعزل الحكومة السورية، و ورد في المذكرة:
"هناك احتمال إنشاء إمارة سلفية معلنة أو غير معلنة في شرق سورية (الحسكة و دير الزور)، و هذا هو بالضبط ما تريده القوى الداعمة للمعارضة، من أجل عزل النظام السوري، و الذي يعتبر العمق الاستراتيجي للتوسع الشيعي (العراق و إيران) .."
و تشرح المذكرة المقصود بعبارة "القوى الداعمة" :
"الغرب و دول الخليج و تركيا يدعمون المعارضة ، بينما تدعم روسيا و الصين و إيران النظام".
و مع هزيمة داعش في كل من سورية و العراق، تستخدم الولايات المتحدة روايات متعددة و ذات تكلف متزايد من أجل تبرير استمرار وجودها غير الشرعي في سورية، بل و علاوة على ذلك تسعى لتوسيع هذا الوجود. و يتضمن الأمر الإدعاءات بوجوب توفير "حصن في وجه النفوذ الإيراني وفقا لما أوردته صحيفة الغارديان البريطانية.
و هذه الذرائع تبدو في ظاهرها متناقضة، مع كون النفوذ الإيراني اللاعب الأساسي في رغبة الولايات المتحدة لخلق داعش في المقام الأول، و من ثم هزيمة داعش على يد التحالف السوري –الروسي- الإيراني.
الغوطة الشرقية ، الواقعة شرق دمشق، لا تزال جيبا للعنف الذي يعود للجهود الأميركية الرامية لإعاقة الجهود السورية من أجل تحرير المنطقة من احتلال الإرهاب و استعادة النظام الذي تنعم به بقية دمشق. و المراقبون للصراع السوري يمكنهم عقد مقارنة بين البروبوغندا الأميركية التي سعت لإعاقة تحرير حلب عام 2016 و بين الجهود الحالية لإطالة العنف في الغوطة الشرقية.
و الاستنتاج بأن سياسة واشنطن في سورية تعمد إلى إطالة المعاناة الإنسانية قدر المستطاع لم يكن عن طريق تقييم أفعالها الحالية، بل هو أمر قد تم التصريح عنه من خلال الأوراق السياسية في السنوات العديدة الماضية.
و مع بداية 2012 و فشل محاولة التغيير السريع للنظام بدعم الولايات المتحدة وبدء صراع أكثر بطئا، نشرت مؤسسة الأبحاث " Brookings Institution ورقة سياسية تحت عنوان :" إنقاذ سورية : تقييم خيارات من أجل تغيير النظام" و قد جاء في الورقة:
"قد تستمر الولايات المتحدة بتسليح المعارضة حتى مع العلم بأنهم لا يملكون القوة الكافية ، بمفردهم، لإزاحة شبكة الأسد. قد تختار واشنطن القيام بذلك ببساطة اعتقادا منها بأن تزويد الشعب المضطهد ببعض القدرة على مقاومة مضطهديهم أفضل من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق، حتى و إن كان الدعم المقدم يملك فرصة ضئيلة بتحويل الهزيمة إلى نصر".
و كخيار بديل قد تفكر الولايات المتحدة أن إبقاء نظام الأسد و جعله ينزف أمر يستحق العناء ، ما يجعل عدوها الإقليمي ضعيف، و بنفس الوقت تتجنب نفقات التدخل المباشر.
و الورقة لا تقر فقط بأن التدخل الأميركي في سوريا لا علاقة له بأمور إنسانية بل بجعل العدو الإقليمي ضعيفا، بل تنصح الورقة أيضا بشكل خاص بالإبقاء قدر الإمكان على الأوضاع التي ستزداد بموجبها الأزمة الإنسانية.. فدعم الولايات المتحدة المتعمد للمعارضة التي لا تملك أية فرصة في إسقاط الحكومة السورية ، يعادل الإطالة المتعمدة و الخبيثة لصراع مميت و كل الأهوال التي ترافقه. ورقة Brookings تفترض أن إنزاف الولايات المتحدة للحكومة السورية يكون بإدراك كامل لثمن المعاناة الإنسانية التي سيحدثها بلا شك هذا "النزيف".
و مع وجود هذه الحقيقة المخفية بشكل رديء حول النوايا الحقيقية للولايات المتحدة في سورية، تستمر الولايات المتحدة ،في ردهات الأمم المتحدة ، بتمثيل دور المدافع عن الكرامة الإنسانية و ذلك وسط الكارثة التي خلقتها هي عمدا ، ما يكشف حقيقة أنها دولة مارقة لا مثيل لها.
و بشكل أساسي يعمد صناع السياسة في الولايات المتحدة على احتجاز العالم كرهينة بالتهديد باستمرار سفك الدماء حتى تتحقق مطالبهم السياسية في سورية المتمثلة بإزالة الحكومة السورية و إحلال أخرى مناسبة عميلة للولايات المتحدة. و هذا هو تعريف الإرهاب، و ليس من المفاجئ القول أن الإرهاب كان نتيجة الدور البارز للولايات المتحدة في تمويل المنظمات الإرهابية العاملة حاليا في سورية.
و بينما تقود الولايات المتحدة الجهود من أجل عزل و إضعاف الدول التي تعارض الطبيعة الفاسدة للسيطرة الأميركية، فإنه يتوجب على بقية العالم عزل و إضعاف المصالح الخاصة التي تدعم الهيمنة الأميركية. و فكرة أن النظام الدولي الحالي قائم على قانون يفتقد المصداقية ، بحيث تستطيع واشنطن علنا خلق كارثة إنسانية كما هو الحال في سورية و بنفس الوقت تظهر بدور البطل المدافع عن الإنسانية ، ما هو إلا انتهاك وقح للقوانين و القيم الإنسانية.
*كاتب و باحث جيوسياسي
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
إضافة تعليق جديد