انتخـابـات تركيـا: أكثـر مـن اقتـراع وأقـل مـن انقـلاب
يتوجه الأحد المقبل أكثر من أربعين مليون ناخب تركي لاختيار 550 نائبا جديدا يشكلون البرلمان السادس عشر، منذ إقرار التعددية الحزبية العام .1945
وتجري الانتخابات قبل موعدها الطبيعي في الخريف المقبل، وعلى وقع إنذار الجيش الإلكتروني في 27 نيسان الماضي، وقرار المحكمة الدستورية اشتراط الثلثين نصابا لانتخاب الرئيس، وبالتالي فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الأمر الذي فرض حسب القانون الدعوة إلى انتخابات مبكرة. من هنا فإن هذه الانتخابات تكتسب أهمية إضافية، كون نتائجها ستقرر مصير البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية معا.
وتتميز الانتخابات الحالية بائتلاف هو الأول منذ العام 1983 بين حزبي اليسار العلماني: «الشعب الجمهوري» و«اليسار الديموقراطي»، وربما ساهمت وفاة زعيم «اليسار» بولنت اجاويد في فتح الطريق أمام تحالف الحزبين، لكن العامل الأساسي كان ضغط مراكز القوى العلمانية المتشددة التي تريد «الانقلاب» على «حزب العدالة والتنمية».
وفي جبهة مركز اليمين انهار تحالف «الوطن الأم» و«الطريق المستقيم»، حيث انسحب الأول من الانتخابات وحل الثاني نفسه واتخذ اسم «الحزب الديموقراطي». وبذلك يغيب للمرة الأولى هذان الحزبان عن الانتخابات النيابية منذ .1983
وفي الجبهة الإسلامية يخوض «حزب السعادة»، الذي يشرف عليه نجم الدين اربكان، الانتخابات من دون أمل بتجاوز حتى نسبة الخمسة في المئة. والمفارقة أن اربكان أراد الترشح لكن اللجنة العليا للانتخابات رفضت ذلك لأنه صدر في حقه حكم قضائي. ومع ذلك يقود اربكان شخصيا، برغم شيخوخته، حملة «حزب السعادة» الذي يرأسه رجائي قوطان ويخطب في المهرجانات. واللافت أنه يركز سهامه على جهة وحيدة هي «حزب العدالة والتنمية»، معتبرا أن التصويت للحزب الحاكم بمثابة شراء تذكرة مرور إلى ...جهنم. وقد صحح حزب السعادة لاحقا تصريح اربكان بأن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ينخرط فيه «العدالة والتنمية» هو المقصود بجهنم.
ويخرج حزب الحركة القومية (اليميني المتشدد) إلى انتخابات 22 تموز بوجه جديد: الغاية تبرر كل السبل، والهدف المركزي هو إلحاق الهزيمة بالحزب الحاكم، لذا لا يمانع من التحالف بعد الانتخابات مع الذين خاضوا ضدهم في السبعينات أشرس صدامات الشوارع، أي اليسار العلماني.
وكانت المفاجأة الكبرى من جانب الكاتب اليساري العلماني المعروف في «جمهورييت» ايلهان سلجوق الذي برّر التحالف مع «الحركة القومية» بعد الانتخابات بأن في ذلك مصلحة قومية تركية عليا في مواجهة سياسات الحزب الحاكم «التي تبيع الوطن».
أما في ما خص «حزب العدالة والتنمية» فهو يعود إلى الانتخابات بوجه أكثر انفتاحا على القوى غير الدينية، وهو استبعد من قوائمه من يصفهم بالمتشددين والأقرب إلى تفكير نجم الدين اربكان، ورشّح عددا كبيرا من النساء قارب الستين امرأة وجميعهن غير محجبات، ولحوالى 20 منهن حظوظا عالية في النجاح.
أما تهديد رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بالانسحاب من العمل السياسي، إذا لم ينل حزبه غالبية النصف زائد واحد، فربما تكون خطوة تكتيكية لرص الصفوف لمنح «العدالة والتنمية» أكبر عدد من الأصوات تمكنه من الفوز بثلثي مقاعد البرلمان، وليس فقط بالنصف زائد واحد، لكن البعض اعتبر تهديد اردوغان دليل ضعف وتمهيدا لتقبل احتمال تراجع عدد نواب الحزب عما عليه الآن (352 نائبا)، واعتبار مجرد الفوز بالغالبية المطلقة (276 نائبا) إنجازا. ويذكّر آخرون بأن اردوغان يتبع تكتيك طورغوت اوزال لحشد المزيد من التأييد، وتخويف الناس بأن خروجه من السلطة يعني خسارتهم لكل الإنجازات الاقتصادية والسياسية التي تحققت في عهد «العدالة والتنمية».
انتخابات المستقلين
وبرغم الغلبة الحاسمة للنظام الحزبي، فإن انتخابات 22 تموز هي بامتياز، وللمرة الأولى، انتخابات المستقلّين التي قد تقلب المعادلات داخل البرلمان. وان كانت ظاهرة كثافة الترشح بصفة مستقلة تعبّر عن شيء، فعلى غياب الديموقراطية داخل الأحزاب، حيث يتحكم زعيم الحزب باختيار المرشحين على القائمة المغلقة للحزب، ويجعل كل حزب لا ينال عشرة في المئة على مستوى تركيا خارج البرلمان، فتذهب أصوات مؤيديه هدراً. ودفع هذا الواقع عددا كبيرا، ليس فقط ممن لا يجدون مكانا لهم على القوائم الحزبية، بل من زعماء بعض الأحزاب الصغيرة أو التي لا أمل لها بالحصول على العشرة في المئة، على الترشح بصفة مستقل.
وضرب عدد المرشحين المستقلين هذه المرة رقما قياسيا، إذ بلغ 761 مرشحا، منهم 157 في اسطنبول فقط، علما أن معظم المرشحين المستقلين كانوا يفوزون عن دوائر ريفية، ولا سيما جنوبي شرقي البلاد حيث البنية العشائرية للمجتمع التي تتيح الولاء لشخص بعينه تمكنه من الفوز.
والمفارقة أن من بين المرشحين رؤساء أحزاب صغيرة، بينهم رئيس «حزب التضامن الحر» اليساري أفق أوراس، ورئيس «حزب العمل» اليساري ليفينت توزيل، ورئيس «حزب الوحدة الكبير» اليميني محسن يازجي اوغلو، ورئيس «حزب المجتمع الديموقراطي» الكردي أحمد تورك.
وترجح التقديرات أن يكون عدد المستقلين الذين سينجحون في دخول البرلمان قياسيا، أي ما بين 30 و40 نائبا، ستكون غالبيتهم من «حزب المجتمع الكردي». يشار إلى أن هؤلاء المستقلين سرعان ما سيعلنون بعد دخولهم البرلمان العودة إلى أحزابهم الأصلية والتحرك باسمها، وهو ما يتيحه القانون.
برامج الأحزاب
تذهب الأحزاب التركية إلى الانتخابات المبكرة من دون استعداد مسبق، فتقديم موعدها بسبب أزمة رئاسة الجمهورية، فاجأ الأحزاب التي سارعت إلى وضع برامج مكتوبة.
اليوم ترتفع شعارات معظمها اجتماعي ـ اقتصادي، أشهرها وعد زعيم «حزب الشعب الجمهوري» دينيز بايكال بتخفيض سعر ليتر المازوت من دولار ونصف إلى ثلاثة أرباع الدولار. وكان هذا موضع تندر كل المحللين لأن هذا غير ممكن أبدا. ووعد رئيس «حزب الشباب» جيم اوزان بإلغاء امتحانات الدخول إلى الجامعة، وزعيم «حزب الحركة القومية» دولت باهتشلي وغيره إعطاء راتب شهر إضافي عند مطلع كل عام دراسي وشتوي وهلم جرا. ويعد «حزب العدالة والتنمية» بأن يصل الدخل الفردي للمواطن في العام 2013 إلى عشرة آلاف دولار سنويا، وان يصل الناتج القومي غير الصافي حينها إلى 800 مليار دولار (وهذا يتطلب نموا سنويا بمقدار تسعة في المئة) والدخل من السياحة سنويا إلى 40 مليار دولار.
وكان ارتباط الانتخابات النيابية بأزمة رئاسة الجمهورية وراء تركيز الحزب الحاكم على شعارات تعزيز الديموقراطية، لذا طرح شعار صوغ دستور مدني جديد. أما «الحزب الديموقراطي» فوعد بإلغاء نسبة العشرة في المئة الانتخابية. ولم يتخلف «الشعب الجمهوري» لكسب أصوات العلويين بوعد تمويل مراكز عبادتهم من خزينة الدولة. أما حزب «الحركة القومية» فوعد بإعدام عبدالله اوجلان، إذا حصل على ثلثي المقاعد.
ولم يعد «حزب العدالة والتنمية» بشيء محدد كما فعل العام ,2002 بل إن حل قضية الحجاب التي كانت من أبرز شعارات ووعود حملته الانتخابية الماضية، اختفت بالكامل من برنامجه، كما من خطبه الانتخابية. ولم يقدم أحد مقاربة محددة لحل المشكلة الكردية. فقد تجاهل «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب الحركة القومية» وجود مشكلة كردية، وتحدثا عن مشكلات «الجنوب الشرقي». أما «حزب العدالة والتنمية» فقد غيّب كليا ذكر اسم «حزب العمال الكردستاني».
ويعد الموقف من الإتحاد الأوروبي بمزيد من التعقيد في حال وصل «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» إلى السلطة، حيث أن الأول يرفض «سياسة الاستسلام» التي يتبعها الحزب الحاكم ويرفض الحل في قبرص على أساس خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي انان ويرفض تعديل المادة 301 من قانون العقوبات، ويدعو إلى اجتياح شمالي العراق وتجفيف منابع الإرهاب في حين كان هو نفسه في مقدمة معارضي مشاركة تركيا في حرب العراق!. ويهدد زعيمه دينيز بايكال بإتباع سياسة معارضة لأميركا إن لم تغير سياستها في العراق. ويقول الثاني إن أنقرة ليست مضطرة وليست بحاجة إلى الإتحاد الأوروبي بأي ثمن، ويناقض معايير كوبنهاغن بدعوته إلى إعادة عقوبة الإعدام. أما «حزب العدالة والتنمية» فيدعو إلى مواصلة الإصلاح السياسي التزاما بالمسار الأوروبي واستمرار الدور التركي في فلسطين ولبنان.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد