انقسام المشهد اليهودي البريطاني حول حرب غزة
الجمل: تشير الوقائع الجارية إلى أن إسرائيل لم تتورط في مواجهة عسكرية ومواجهة دبلوماسية وحسب، وإنما تورطت في مواجهة مع "المجتمع المدني" العالمي وهي المواجهة التي بدأت مؤشراتها وتأثيراتها ليس على الرأي العام العالمي وإنما على المجتمع اليهودي نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد انقسم يهود بريطانيا ضمن مجموعتين الأولى ترفع الشعارات الليكودية المتطرفة المؤيدة للعدوان الإسرائيلي، والثانية تندد بالمجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل في حق سكان غزة، وكان اللافت للنظر في هذه المجموعة نقل أجهزة التلفاز والفضائيات العالمية لمشهد الحاخام اليهودي البريطاني وهو يقوم أمام حشد جماهيري في العاصمة البريطانية بلندن بحرق جواز سفره احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي ضد سكان القطاع.
* ماذا وراء المشهد اليهودي البريطاني والأوروبي:
تجاوزت إدانة العدوان الإسرائيلي وتداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة حدود السطح الإعلامي وتغلغلت عميقاً ضمن المؤسسات المدنية الأوروبية الغربية وعلى هذه الخلفية نشير إلى النقاط الآتية:
• تزايد إجماع المنظمات الدولية والإقليمية غير الحكومية والسياسيين ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية وغيرها، إزاء إدانة إسرائيل ووصل الأمر إلى ما يشبه الإجماع الدولي الكامل لإدانة ورفض الأداء السلوكي العدواني الإسرائيلي.
• برغم جهود محور واشنطن – تل أبيب في التسويق لأجندة الحرب ضد الإرهاب وتنميط الحركات المسلحة مثل حزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيان باعتبارهما حركات إرهابية فقد تخلى الرأي العام العالمي على وجه السرعة عن إسرائيل ووقف إلى جانب حزب الله في حرب صيف العام 2006م ونفس السيناريو تكرر الآن لجهة تحول الرأي العام العالمي ووقوفه إلى جانب حماس والجهاد متخلياً عن تأييد إسرائيل.
• تزايد الرأي العام المعادي لإسرائيل في الدول ذات التوجهات الليبرالية الرأسمالية وعلى وجه الخصوص دول الاتحاد الأوروبي الكبرى كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والنرويج.
• لم يعد الخطاب الثقافي والإعلامي الإسرائيلي الذي ظل يركز على التنميط الثنائي لإسرائيل باعتبارها الضحية في مواجهة الجلاد المتمثل بالأطراف العربية المعادية له.
• لم تفلح معاهدة سلام كامب ديفيد ووادي عربة في دفع الرأي العام المصري والأردني للوقوف بجانب إسرائيل ولا حتى الوقوف موقف الحياد. وكان الواضح أن العداء لإسرائيل قد تزايد في أوساط الرأي العام المصري والأردني بما يفوق العداء لإسرائيل في البلدان التي لم توقع معاهدات سلام مع إسرائيل.
يقول خبراء الرأي العام الأوروبي بأنه قد بدأ يشهد تحول واسع لجهة الوقوف ضد إسرائيل وتختلف التفسيرات إزاء هذه الظاهرة ومن أبرز ذلك:
• التفسير القائل بأن هذا التحول سببه تزايد العداء للسامية المتأصلة في الشعوب الأوروبية الغربية وتعتمد مراكز الدراسات الإسرائيلية هذه النظرة.
• التفسير القائل بأن هذا التحول سببه تخلي هذه الشعوب عن النزعة الدينية والتأثيرات التوراتية والتلمودية وتزايد النزعة العلمانية – الواقعية بما أدى بها إلى الإدراك بحقيقة الممارسات الإسرائيلية.
مشهد الانقسام اليهودي البريطاني سببه الانقسام بين النزعة العلمانية والنزعة الدينية بحيث وقف العلمانيون مع مبادئ نظرية الحق التي تعتمد مفاهيم الحرية والليبرالية والعلم ووقف المتدينون مع مبادئ نظرية التاريخ التي تقوم على الإسناد الديني – الأسطوري مع ملاحظة أن تأثيرات العلم ونظرية الحق الطبقي قد تغلغلت إلى رجال الدين اليهودي أنفسهم كما في حالة الحاخام البريطاني الذي مزق جواز سفره.
* بين أوروبا وإسرائيل: هل اقتربت القطيعة:
خلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية كان تمركز اليهود بكثافة في دول القارة الأوروبية ولكن بعد الحرب العالمية الثانية تحول تمركزهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
يقو الخبراء اليهود بأن سبب الهجرة اليهودية إلى الولايات المتحدة هو معاناة الاضطهاد والعداء للسامية مما أدى إلى ظاهرة محرقة الهولوكوست ولكن بعض الخبراء من غير اليهود يقول بأن هذا العداء وإن كان موجوداً فإن قوانين مكافحة العداء للسامية في أوروبا ردعت بما فيه الكفاية وبرغم ذلك فقد تزايدت الهجرة اليهودية الأمريكية وقد تبين أن السبب كان يكمن في فرصة الاستحواذ الاقتصادي المالي التي لاحت للجماعات اليهودية والتي تعاضد وتعاون أفرادها لتسريع الهجرة اليهودية لأمريكا واستغلال الفرصة قبل أن ينتبه الآخرون!
تشير الدراسات والتحليلات إلى اهتمام الإسرائيليين المتزايد بمجريات التحول الجاري ضد إسرائيل في المجتمعات الأوروبية تقول المعلومات بأن الإسرائيليين قد نجحوا حتى الآن في رصد المؤشرات العدائية الآتية:
• مواقف البرلمان الأوروبي ومؤسسات ومفوضيات الاتحاد الأوروبي بدت لا تصب في مصلحة إسرائيل.
• المواقف الأوروبية المتحفظة إزاء عضوية إسرائيل في المجلس الأوروبي.
• المواقف الأوروبية غير الداعمة لموقف إسرائيل إزاء ملف القدس.
• عدم تكيف الرأي العام الألماني مع الحقيقية اليهودية – الإسرائيلية وتفاديه للخوض في القضايا اليهودية بسبب اعتبارات الإكراه القانوني التي جعلته ينظر إلى هذا الموضوع باعتباره "تابو" مفروض قسراً.
• ارتباط العداء لإسرائيل في الأوساط الأوروبية بالانقسامات على أساس الخطوط السياسية فأحزاب وقوى اليمين الأوروبي ما تزال أكثر عداءً لإسرائيل كما في حالة اليمين النمساوي واليمين الفرنسي، وأحزاب اليسار ويسار الوسط الأوروبية ترفض إسرائيل وفقاً لأطروحات الفكر السياسي اليساري المناهضة لقيام إسرائيل أصلاً وفقط تجد إسرائيل الدعم في أوساط قوى يمين الوسط كما في حالة الأحزاب التي يتزعمها ساركوزي وميركل وبيرلوسكوني ويخاف الإسرائيليون من أن يؤدي تآكل شعبية أحزاب وقوى يمين الوسط إلى تآكل السند الأوروبي الداعم لإسرائيل.
هذا، وتحاول مراكز الدراسات الإسرائيلية التعاون مع بعض مراكز الدراسات الأوروبية لإخضاع ظاهرة تزايد مناهضة الرأي العام الأوروبي لإسرائيل، للدراسة، لمعرفة أسبابها وبواعثها الحقيقية على النحو الذي يتيح لإسرائيل التعامل عن طريق الاستراتيجيات الوقائية بما يمنع تفاقمها بما سيؤدي بالتأكيد إلى انكشاف إسرائيل والمصالح الإسرائيلية في أوروبا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد