بعد تقاعده واشنطن تكافئ بلير بوظيفة مبعوث خاص للشرق الأوسط
الجمل: تقول المعلومات الصادرة في واشنطن صباح اليوم، بأن الإدارة الأمريكية تقوم حالياً بالضغط على رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وحثه لكي يقبل القيام بمهمة (المبعوث الخاص للشرق الأوسط) عن اللجنة الدبلوماسية الرباعية الدولية.
• طبيعة المهمة:
طبيعة مهمة المبعوث الخاص، برغم أنها ليست جديدة على الشرق الأوسط، إلا أنها تتميز وتتسم بعدة جوانب، أبرزها: سرعة وحرية الحركة، وطرح الأفكار، والتعامل الميداني، إضافة إلى الغموض والمناورات التي تصل إلى حدّ التآمر، بجانب الغموض والتصريحات السريعة المقتضبة، إضافة إلى كثرة الاجتماعات المغلقة.
إن أبرز الأسئلة تتمثل في الكيفية التي سوف يؤدي بها طوني بلير مهمته، ما هو التفويض الممنوح له؟ وما هي صلاحياته وفقاً لنظام اللجنة الرباعية؟ وهل سيقوم طوني بلير بمهمته بشكل (محايد) باعتباره ممثلاً لجهة دولية تضم القوى الدولية العالمية الرئيسية العظمى والكبرى، أم أنه سوف يعمل من وراء (حجاب) بحيث يأتي لمقابلة قادة وزعماء الشرق الأوسط من الناحية المعلنة كممثل للجنة الرباعية الدولية، ولكنه من الناحية الأخرى غير المعلنة يأتي ممثلاً بهدف التعرف على وجهات النظر والقيام بدور (سرية الاستطلاع الأولي) الدبلوماسي والسياسي لصالح إسرائيل وأمريكا.
• التحركات الجارية:
قبل أن تقوم الإدارة الأمريكية بإخطار طوني بلير بالطلب الأمريكي، تشاور الرئيس بوش مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، والذي بدوره رحّب بالفكرة وأظهر حرص واهتمام الإسرائيليين الشديد بأن يقوم طوني بلير بهذه المهمة، كذلك دعمت الخارجية الأمريكية اقتراح اختيار طوني بلير. هذا وأعقب ذلك قيام ديفيد وولش (مساعد كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط) بمقابلة طوني بلير وإخطاره رسمياً بالطلب الأمريكي.
لما كانت عضوية اللجنة الرباعية تضم: أمريكا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة، وروسيا، فمن المتوقع أن يقبل الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة بالاقتراح الأمريكي، أما روسيا فهناك مخاوف من أن تقوم برفض الاقتراح وذلك بسبب توتر علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، وذلك من جراء محاولة طوني بلير السابقة التي هدفت إلى توظيف عملية اغتيال ضابط المخابرات السوفييتية السابق ليفتينينكو وإلصاق التهمة بموسكو، وذلك على غرار السيناريو الذي حاولت به أمريكا وبريطانيا وإسرائيل إلصاق تهمة اغتيال الحريري بسورية..
• طوني بلير والأجندة الصعبة:
يتوقع أن يقوم طوني بلير بالتحرك ضمن العديد من المسارات الشرق أوسطية الشائكة، فعلى المسار الفلسطيني هناك: عملية سلام الشرق الأوسط، ومتابعة تنفيذ خارطة الطريق، ومستقبل القدس، وقيام الدولة الفلسطينية، وتعيين حدود إسرائيل، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وقضايا السلطة الفلسطينية.. إضافة إلى التطورات الأخيرة التي أدت إلى سيطرة حماس على قطاع غزة، وفتح على الضفة الغربية.. وغير ذلك. كذلك هناك مشكلة المفاوضات السورية- الإسرائيلية، وملف الجولان المحتل، وهناك الملف اللبناني الذي تتزايد تعقيداته كل يوم أكثر فأكثر.
أشارت صحيفة النيويورك تايمز إلى أن طوني بلير سوف يركز جهوده (الأولى) حصراً في قضايا الملف الفلسطيني، وحتى هذا الملف سوف لن يقوم بتغطيته كاملاً، وإنما سوف يحصر جهوده في كيفية تقديم المساعدة لجماعة محمود عباس الموجودة في الضفة الغربية،.. وفي هذا الاتجاه، فقد صرح بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية بأن كوندوليزا رايس سوف تحاول مباشرة العمل مع أولمرت ومحمود عباس، وذلك من أجل (فصل القضايا المتعلقة بمفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتنحيتها جانباً، بحيث لا تتطرق لها مهمة (المبعوث الخاص الجديد) طوني بلير القادمة، وذلك بحيث يقتصر عمله على تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية.
• طوني بلير، وأدوار ما بعد رئاسة الوزارة البريطانية:
كل الفترة المتبقية لطوني بلير في منصب رئيس الوزراء البريطاني هي بضعة أيام، وسوف يغادر المنصب في الأسبوع القادم، وبسبب ارتباط طوني بلير بجماعة المحافظين الجدد، والدور الكبير الذي قام به في دعم ومساندة السياسة الخارجية الأمريكية، فإن جهود إدارة بوش لإسناد بعض الأدوار الدولية لطوني بلير لا يأتي من قبيل المكافأة على خدماته، بل لأن وجوده كـ(نموذج) يعتبر بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تحتاج لـ(نموذج الوسيط غير النزيه) والذي يتحرك بين الأطراف، ويطلق الأكاذيب والوعود الزائفة للزعماء في اجتماعات (الغرف المغلقة). ويعقب ذلك بإطلاق التصريحات الصحفية التي يعكس ظاهرها خلاف ما هو موجود حقيقة في مضمونها.
المساعي التي تبذلها الإدارة الأمريكية في إيجاد الوظيفة الدولية التي تشكل الغطاء المناسب لطوني بلير، والتي تعطيه المزيد من القدرة، هي مساع تنشط حالياَ ضمن مسارين:
- المسار الأول: تعيين طوني بلير في وظيفة المسؤول التنفيذي السياسي والأمني الدولي الأول عن الاتحاد الأوروبي، وهي وظيفة يصعب إيجادها بسبب عدم إجازة الدستور الأوروبي، وعدم اكتمال الصيغة الموحدة التي تعكس وتؤكد وجود الاتحاد الأوروبي في البيئة الدولية ككيان إقليمي أمني سياسي عسكري اقتصادي موحد، وقياساً على القول السائد أن كل شيء يمكن القيام به وأنه لا شيء مستحيل أمام إدارة بوش، فقد حاول حلفاء الإدارة الأمريكية الالتفاف على الاتحاد الأوروبي، والتصرف من وراء ظهره عن طريق طرح اقتراح مضلل أمام الاتحاد الأوروبي يطالب بالموافقة على مشروع قيام لجنة أوروبية مصغرة موحدة تعمل كسكرتاريا عليا للاتحاد الأوروبي، ولها سلطة مباشرة الإجراءات التنفيذية المتعلقة بالسياسات الأمنية والدفاعية والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ومن ثم الالتفاف مع الحكومات الأوروبية التي تسيطر عليها جماعات المحافظين الجدد الأوروبيين على دفع الاتحاد الأوروبي لكي يصادق على هذا الاقتراح، وبعد ذلك يتم ترشيح طوني بلير لهذا المنصب.
التمعن في صلاحيات هذا المنصب يظهر بوضوح أن من يتولى هذا المنصب، فإنه يصبح بمثابة (رئيس وزراء) غير معلن للاتحاد الأوروبي، ويتمتع بصلاحيات السيطرة التنفيذية على شؤون الدفاع والأمن والسياسة الخارجية المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلى القيام بتوقيع الاتفاقيات وإجراءات المشاورات باسم الاتحاد الأوروبي.
- المسار الثاني: تعيين طوني بلير مبعوث خاص للشرق الأوسط، وهو منصب سوف يتيح لأمريكا وإسرائيل ضمان وجود مبعوث خاص يتحرك بين الأطراف الشرق أوسطية بما لا يتناقض أو يتنافى أو يسبب الإرباك للحكومة الإسرائيلية، وذلك إضافة إلى قيامه بالتنسيق المسبق مع الإسرائيليين والإدارة الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد قبل التحرك والبدء في تنفيذ إي خطوة.
وعموماً، إن تعيين طوني بلير في منصب (المسؤول التفيذي الأول للاتحاد الأوروبي) معناه أن جماعة المحافظين الجدد وإدارة بوش قد وضعت كامل الاتحاد الأوروبي في جيبها.. أما تعيين طوني بلير كمبعوث خاص للشرق الأوسط فهو يشابه تماماً قيام (بنيامين نتنياهو) بمهمة المبعوث الخاص للشرق الأوسط.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد