بعد 88 عاماً القوات التركية تعود إلى لبنان

28-09-2006

بعد 88 عاماً القوات التركية تعود إلى لبنان

تلفظ السجالات حول إرسال قوات تركية إلى لبنان أنفاسها الأخيرة. فالخبر أصبح يمر صغيرا في الصفحات الداخلية للصحف حول بعض الجوانب التقنية من هذه الخطوة، ومنها أن القوات ستبدأ بالوصول إلى لبنان في 20 تشرين الأول المقبل، وسيبلغ عددها بين 900 و970 فردا، منهم200 الى 270 ضمن قوة هندسة برية للأعمال الإنسانية، مثل إنشاء طرقات وإقامة جسور، بينهم 70 من القوات الخاصة للحماية بأسلحة خفيفة فقط فيما سيشكل الباقون تعداد القوات البحرية التي ستقوم بمهام الدورية.
وستكون القوات البرية بقيادة ضابطين من رتبة رائد. ولن يشترط، خلاف ما كان مقررا في السابق، معرفة اللغة العربية على مستوى الضباط، لكن سيتم اختيار 30 جنديا يعرفون اللغة العربية. وسيتواجد ضابط برتبة عقيد في مقر قيادة القوات الدولية.
انقضى الأمر والقوات التركية في طريق عودتها إلى لبنان بعد 88 عاما، كما عنونت صحيفة حرييت أي منذ العام ,1918 فيما كان وفق صحيفة يني شفق 86 عاما من دون معرفة سبب الاحتساب هكذا.
إنها عودة إذا. هذا ما دفع ببعض المعارضة لاتهام حزب العدالة والتنمية بأنه يحنّ إلى تجديد الماضي العثماني، وفي هذا خطأ الحزب، لأن هذا الماضي غير متفق عليه بين العرب والأتراك ولا بين العلمانيين والإسلاميين داخل تركيا، إلا أن هذا لم يمنع رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان من الدفاع علنا عن القيم العثمانية التي وحّدت وحمت .
انطلاقا من هذا التجاذب، صنّف الحزب الحاكم معارضي خطوة إرسال القوات إلى لبنان على أنهم خونة للوطن بتعبير اردوغان نفسه. أما من كان معارضا لها، انطلاقا من الحرص على عدم تعريض العلاقات العربية التركية لأي سقطة هي بغنى عنها، فقد وضع في خانة الأعداء لتركيا.
هكذا مثلا يتحول كاتب هذه السطور، الذي كان في رأس الداعين لإقامة أوثق العلاقات بين العرب والأتراك، حين كان يتهم من يدعو لذلك بخيانة القضية القومية ، إلى جزء من سيناريو دولي معاد لتركيا كما كتبت صحيفة ستار التي تتبع سياسة موالية لحزب العدالة والتنمية وفي صدر صفحتها الأولى. وكان ذلك استتباعا لصاعقة قراءة احد نواب حزب الوطن الأم المعارض، في جلسة البرلمان في 5 أيلول الحالي لمناقشة مذكرة إرسال القوات إلى لبنان، رسالتي التي وجهتها إلى اردوغان في 9 آب الماضي في صحيفتي السفير اللبنانية و زمان التركية، والتي أثارت غضب قيادة حزب العدالة والتنمية.
لم تتجرأ الصحيفة على نشر الردّ الذي أرسلته إليها، لأن الاتصالات انهمرت عليها من داخل تركيا من جانب الأصدقاء، ومنهم من هم أعضاء في حزب العدالة والتنمية.
من الخطأ ان يختزل حزب ما تركيا بنفسه، وان يعتبر معارضة خطوة إرسال القوات عملا معاديا لانقرة، إذ حينها يصبح أيضا رئيس الجمهورية التركي وكل المعارضة و70 في المئة من الرأي العام جزءا من سيناريو دولي معاد لتركيا .
السيناريو المعادي فعلا لتركيا لن يصعب العثور عليه. منذ أيام والصحافي جنكيز تشاندار يكتب سلسلة مقالات من بيروت. ويعتبر تشاندار، احد ابرز المدافعين عن خطوة إرسال القوات التركية إلى لبنان، كما كان يدعو إلى إرسال قوات تركية إلى العراق.
من الواضح أن السيناريو الحقيقي من وراء الدفاع عن إرسال قوات تركية إلى لبنان لا يقع إلا في خانة واحدة: التحريض على سوريا وإيران وحزب الله، والإيقاع بين تركيا حزب العدالة والتنمية وبينهم. العنوان الرئيسي في الخطاب المذكور هو محو أية خاصية لبنانية لحزب الله واعتباره امتدادا وأداة لطهران، وبالتالي فان معركة تركيا في لبنان مشروعة، لأنها بالفعل ضد إيران التي في لبنان على حد تعبير تشاندار. إن ذلك يشكل إساءة لحزب العدالة والتنمية، لأن سياسته تجاه إيران هي إقامة أفضل العلاقات وليس الصدام معها.
ويحاول التحريض أن يطال المواضيع الأكثر حساسية في تركيا: المسألة الأرمنية. وفي حين يعتبر تشاندار نفسه واحدا من الساعين لكسر النظرة الرسمية إلى مجازر 1915 كسبيل للتصالح مع الأرمن، ها هو يستخدم العامل الأرمني ذريعة للتحريض على سوريا وإيران، فوالدة الرئيس اللبناني إميل لحود وزوجته من اصل ارمني، والرئيس العام لحزب الطاشناق في العالم ماكاريان من اصل إيراني، ويتنقل بين ارمينيا ودمشق وطهران وبيروت، كما أن حزب الطاشناق موال لسوريا. أما الأغرب فهو أن الذي كان وراء الزواج بين العماد ميشال عون وحزب الله هو حزب الطاشناق.
خيط ارمني، اذا، يجمع بين كل هذه القوى من بيروت إلى دمشق فطهران فيريفان. إنها محاولة مكشوفة للعب على الغرائز الأرمنية داخل تركيا، التي يسعى الكثير داخلها للبحث عن سبيل الخروج من هذه المعضلة التاريخية والإنسانية.
والمحصلة، انه من غير المستبعد أن تقوم سوريا وإيران بعملية انتحارية ذات طابع ارمني هذه المرة ضد القوات التركية في لبنان.
نعم هذا هو الخطاب الذي يدافع عن إرسال قوات تركية إلى لبنان ليس لحماية مصالح أنقرة الحقيقية، التي هي مع العرب وإيران بل لخلق أوهام وكراهيات ليس قادة حزب العدالة والتنمية غافلين عنها. كما أن هذا بعيد وغريب عن طبائع أرمن لبنان الذين كانت معارضتهم لإرسال قوات تركية، كما في مجمل سلوكهم السياسي نموذجا للتعبير السلمي والديموقراطي والحضاري.
لكن الأخطر أن مثل هذا الخطاب يزوّد الرأي العام التركي بأضاليل ويحرّف في وقائع لبنانية، مثل أن الطاشناق يمثل 40 في المئة من الأرمن في لبنان، وان  كل المسيحيين ما عدا العماد عون هم ضد حزب الله من دون أن يدرك الرأي العام التركي أن هذه ال ما عدا تعادل 70 في المئة من المسيحيين، انه الاستعراب السياسي في طبعته التركية.
لبنان والمقاومة حاضران في قلب كل الأتراك. وللمرة الأولى تأخذ الحكومة قرارا غير شعبي. وللمرة الأولى يقتحم لبنان الداخل التركي: لبنان سيحدّد مستقبل اردوغان وحزبه.

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...