بغداد: الأزمة السياسية تستولد «شائعة» انقلاب والبرلمان العراقي يؤجّل جلسته
فشل البرلمان العراقي في عقد جلسته وتقرر تأجيلها إلى شهر آب المقبل، في خطوة تعزز مشهد الانقسام بين مختلف الأطراف السياسية الداخلية برغم استمرار تهديد الجماعات المتطرفة بقيادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» لوحدة البلاد، فيما بدأت تسري في بغداد «شائعة» عن قرب حدوث انقلاب عسكري، يروج لها معهد أبحاث أميركي مقرب من اوساط الاستخبارات، ويتحدث فيها عن تقاطع مصالح اميركية ـ ايرانية حول منع حدوث انهيار شامل في بغداد.
وفي تحرك يبدو مرتبطا بالأزمة العراقية، بدأ، أمس، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين امير عبد اللهيان جولة تقوده إلى ثلاث دول خليجية «للتشاور بشأن التطورات التي تشهدها المنطقة»، وفقا لوكالة الأنباء الإيرانية. ويزور عبد اللهيان في هذه الجولة دولة الكويت وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة. وتأتي هذه الجولة الخليجية عقب جولة قام بها المسؤول الإيراني إلى روسيا في بداية الشهر الحالي، وبعد يوم على توجيهه دعوة إلى السعودية لإجراء «حوار جاد وبنّاء وفاعل ومؤثّر .. (على اعتبار أنّ السعودية) دولة مهمة بإمكانها أن يكون لها تعاون بنّاء وإيجابي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مكافحة التطرف والقضاء على الحرب والصراعات الطائفية في المنطقة».
وفي ظل الحرب الدائرة ضد الإرهاب في العراق وتأزم العملية السياسية، كان لافتاً التقرير الذي نشره، أمس، معهد «ستراتفور» المعروف بقربه من الاستخبارات الأميركية، وركّز فيه على أنّ «شائعة» تدور حالياً في بغداد، ومن بينها ما ذكرته مصادر المعهد، وتفيد بأنّ انقلاباً يحضر له في البلاد في حال عدم نجاح الطبقة السياسية في تشكيل حكومة جديدة.
وأضافت مصادر المعهد الاميركي أنه خلافا للانقلابات الأخرى فإنّ الانقلاب المشار إليه لن يقوده ضباط صف بل مسؤولون رفيعون في الجيش العراقي. وينقل التقرير أنّ الشائعات تدور حول أنّ قائد عمليات بغداد عبد الأمير الشمري هو المخطط لهذا الانقلاب، الذي من المفترض أن يعلن عنه «كخطة طوارئ لمواجهة الانهيار الكامل». وأشار «ستراتفور» كذلك إلى أنّ جوا عاما يريد رحيل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نظراً إلى أنّ سياساته «حرضت السنة على الانتفاض، أو فشلت في وقفها، بحسب الشخص الذي تتحدث إليه»، مضيفاً أنّ «الأميركيين والإيرانيين ... يشاركون وجهات النظر تلك». ويتحدث التقرير عن أنّ «قادة الانقلاب» يتحدثون عن دعم من الأميركيين والإيرانيين، معتبراً أنه قد يكون بمثابة تقاطع في المصالح بين البلدين في هذا الظرف.
وبالعودة إلى التطورات العراقية الداخلية، فقد أتى قرار تأجيل جلسة البرلمان في وقت اشتدت فيه المعارك مع المجموعات المسلحة وأدت إلى مقتل قائد عسكري رفيع في بغداد، وسط أنباء أشارت إلى تمكن عناصر تنظيم «داعش» من إزالة الإشارات الحدودية بين العراق وسوريا من جهة معبر القائم في محافظة الانبار.
ولم يلق قرار تأجيل جلسة اليوم إجماعاً في البلاد، حيث دعا «التحالف الوطني» رئيس مجلس النواب الأكبر سناً مهدي الحافظ إلى تحديد موعد بديل للجلسة المقبلة لا يتجاوز الأسبوع، معتبراً أن تحديد الموعد في 12 آب المقبل يعد تأخيراً. وقال رئيس «التحالف» إبراهيم الجعفري، في بيان، إنّ «تحديد موعد الاجتماع المقبل لجلسة مجلس النواب بتاريخ 12/8/2014 يعد تأخيراً، نظراً للظروف التي يمر بها البلد، وما يتطلب من تكثيف الجهود، واختصار الزمن». وأضاف أنه «انسجاماً مع توجيهات المرجعية الدينية الرشيدة نؤكد على رئيس مجلس النواب ضرورة تحديد موعد بديل لا يتجاوز الأسبوع، كما يؤكد التحالف الوطني على مكونات التحالفات كافة بأن تحسم خياراتها بشأن الرئاسات الثلاث».
وطرح قرار تأجيل الجلسة البرلمانية أكثر من سؤال حول أهمية الدور التشريعي في العراق، حيث أنّ المجلس الذي عقد جلسته الأولى في بداية الشهر الحالي لم يفلح حتى الساعة في تسمية رئيس جديد له واكتفى النواب الجدد بأداء اليمين الدستورية، التي تؤمن لهم الحصانة القانونية.
وقال مقرر مجلس النواب محمد عثمان لـ«السفير»، إنّ قرار التأجيل اتخذ بعد وصول طلبات عديدة من كتل سياسية بذلك إلى رئيس السن مهدي الحافظ. وأوضح أنّ هذه المطالبات بينت أنّ الكتل فشلت حتى الآن بالوصول إلى مرشحين للمناصب الرئيسة في العراق ودل على غياب تام للتوافق في البلاد. وبحسب قرار مجلس النواب، فإنّ الجلسة المقبلة ستعقد في 12 آب المقبل، وفقا لعثمان. من جهتها، ذكرت قناة «العراقية» مساء أمس، أنه من المحتمل أن يُعلن اليوم عن تقريب موعد الجلسة.
وأكدت التطورات الأخيرة أنّ ما عزز بوادر الانقسام المتزايد في العراق وعدم تمكن أي تكتل حتى الآن من تسمية مرشح للمناصب الثلاثة، هو ربط انتخاب كل من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان باختيار شخصية تكلف تشكيل الحكومة، العقدة الرئيسية في الأزمة السياسية الحالية نظراً إلى الصلاحيات الدستورية الواسعة التي يمتلكها رئيس الوزراء العراقي.
وأثبتت الساعات الأخيرة أنّ حدة الانقسامات وصلت لتكون ضمن الكتل الواحدة نفسها، تحديداً في ما له علاقة بمرشح رئاسة البرلمان ومرشح رئاسة الوزراء، في إشارة إلى الخلافات المحدودة نسبياً ضمن «اتحاد القوى الوطنية» بزعامة أسامة النجيفي، وخلافات أكبر ضمن «التحالف الوطني»، الذي يقع على عاتقه، من باب التقليد المتبع، اختيار رئيس مجلس الوزراء.
وبخصوص رئاسة البرلمان، بدا أنّ القوى المعنية اتفقت إلى حد ما على ترشيح النائب سليم الجبوري للمنصب بعدما أعلن أسامة النجيفي سحب ترشحه، الأسبوع الماضي، لكن لم يتم إعلان ذلك رسميا حتى الساعة.
أما في ما له علاقة باختيار رئيس الوزراء المقبل، فقد تأجج الخلاف ضمن «التحالف الوطني» بسبب رفض «التيار الصدري»، بشكل أساس، ترشح رئيس الوزراء نوري المالكي، داعياً إياه إلى ترشيح شخصية أخرى من «ائتلاف دولة القانون» الذي يتزعمه.
من جهة أخرى، قال مصدر مقرب من المرجعية الدينية الأعلى لـ«السفير» إنّ السيّد علي السيستاني يدعم أي مرشح لشغل منصب رئاسة الوزراء، موضحاً أنه «ليست لديه خطوط حمر على اسم أي مرشح لرئاسة الوزراء. كما أنّ الادعاءات بشأن طلب المرجعية استبدال (رئيس الوزراء نوري) المالكي أو إبقاءه لا أساس لها من الصحة، إذ أنّ المرجعية تطرح نفسها على خط واحد مع جميع المرشحين».
وتعليقاً على التطورات في الساحة العراقية، قال السياسي والمفكر العراقي حسن العلوي لـ«السفير»، إنّ «التدخل الإقليمي والخارجي في القرار العراقي ناجم من ولادة النظام السياسي الجديد بعد العام 2003 من رحم وضع إقليمي دولي. فمن دون الاتفاق الأميركي مع إيران كان من الصعوبة إسقاط نظام (الرئيس الراحل) صدام حسين». وأضاف «عندما تشترك أميركا في هكذا مشروع لابد أن تأخذ حصتها. وعندما تساعدها إيران بإسقاط نظام دخلت معه بحرب ثماني سنوات وخسرت الأرواح والأموال فمن الطبيعي ألا تترك الشأن العراقي منفردا. ولو كانت دولة اصغر من إيران واقل حجما سيكون لها التأثير ذاته في القرار العراقي حفاظا على مصالحها».
وتابع العلوي قائلاً إنّ «من النقاط التي أثرت على الوضع العراقي الداخلي هي أميركا الديموقراطية، وأقصد الحزب الديموقراطي الأميركي. فهذا الحزب ليست لديه دراية كاملة بالوضع العراقي كونه حزبا يفتقر للقرار الخارجي ومختصا بالسياسات الاقتصادية الداخلية. والعراق ليس الضحية الأولى لرئيس أميركي ديموقراطي. والمحصلة تقودنا إلى أنّ أميركا الديموقراطية وإيران الإسلامية لهما التأثير الأكبر في العراق، وعندها يأتي التأثير التركي والخليجي والأزمة السورية».
وقال العلوي «الآن بالنسبة للوضع الداخلي العراقي لدينا (الرئيس نوري) المالكي وكتلته (ائتلاف دولة القانون) التي تَعدُ أكثر عددا من المقاعد في البرلمان (92 من أصل 328 مقعدا). لكن ذلك لا يعني حسمها ترؤس الحكومة مرة أخرى. لنقل إنّ المالكي لديه 100 مقعد، إذن لدينا في الطرف الاخر 228 مقعدا آخر لا يدعمون المالكي. وحتى لو انضم 28 مقعدا من جماعة ما اسميهم سنة المالكي فلن يكن له الدور الكامل في التشكيلة الحكومية». وأضاف أنّ «المالكي الذي ينحدر من حزب الدعوة الإسلامي أدار كل شيء بطريقته الخاصة، فالبرلمان معطل والمالكي يصدر قراراته. والسبب الرئيس لكل ذلك أن حزب الدعوة ليست له تجربة ديموقراطية ليبرالية بل هو حزب إسلامي لا يعترف بالبرلمان فمن الطبيعي حدوث هذه التصدعات».
وفي خضم المشهد السياسي المتشنج، أعلن المالكي، في بيان أمس، مقتل اللواء الركن نجم عبد الله السوداني خلال معارك مسلحة لم يحدد موقعها ولا طبيعتها. والسوداني هو قائد الفرقة السادسة في الجيش المسؤولة عن حماية جزء من العاصمة بغداد.
كما أعلن مصدر عسكري رفيع لـ«السفير» أنّ «اللواء قتل بقذيفة هاون اطلقتها المجاميع المسلحة خلال اشتباك في بلدة أبو غريب غربي بغداد». ويعتبر السوداني أرفع مسؤول عسكري يقتل منذ بدء هجوم المسلحين المتطرفين. وتشهد منطقة ابو غريب الواقعة على بعد نحو 20 كيلومترا إلى الغرب من بغداد عمليات عسكرية متواصلة للقوات الحكومية تستهدف مسلحين يسيطرون منذ بدء العام على مدينة الفلوجة (60 كيلومترا غرب بغداد) والتي ينطلقون منها لشن هجمات في مناطق محيطة بها.
وفي سياق آخر، أضاف المصدر العسكري لـ«السفير» أنّ «تنظيم داعش والمجاميع المسلحة المتعاونة معه تمكنت (أمس) من رفع الحواجز وأبراج المراقبة بين العراق وسوريا من جهة قضاء القائم وصولا إلى حدود الانبار مع المناطق التي يسيطر عليها داعش في محافظة نينوى».
في غضون ذلك، قتل سبعة أشخاص، على الأقل، بينهم اثنان من الشرطة، وأصيب نحو 20 في هجوم انتحاري استهدف حاجز تفتيش عند المدخل الشمالي لمنطقة الكاظمية في شمال بغداد، بحسب ما افادت مصادر أمنية.
محمد جمال
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد