بندر يفشل في موسكو وقواته تندحر أمام الجيش السوري وفورد يستنفد جهوده بملاحقة موسكو
بندر بن سلطان مرة ثانية بعد أربعة أشهر في كرملين فلاديمير بوتين. اللقاء كان رسمياً وقصيراً بما لا يتيح التحدث مجدداً عن صفقة يعرضها رئيس الاستخبارات السعودية على الرئيس الروسي.
فخلال أسابيع استنفد رئيس الاستخبارات السعودية جزءاً كبيراً من الأوراق التي حملها آنذاك إلى مضيفه الروسي، لمبادلته سوريا بحكومة تملي عليها الرياض احترام المصالح الروسية لقاء موافقة بوتين على التخلي عن الرئيس بشار الأسد.
ذهب الأميركيون بعيداً في التفاهم مع الإيرانيين حول الملف النووي والتباعد مع حليفهم في الرياض، وهي ورقة أساسية فقدها الأمير السعودي، في أولوية الأمن الخليجي ومحورية الدور السعودي. كما فقد ورقة القوة العسكرية التي يشعل بها الجبهات السورية، واستنفد جزءاً كبيراً من المهلة التي منحها له الأميركيون والأتراك لإعادة تعديل ميزان القوى لمصلحة المعارضة المسلحة، قبل الاضطرار إلى تحديد موعد لمؤتمر «جنيف 2» وإطلاق عملية سياسية لا تزال غير واضحة المعالم، لكنها تبقي على النظام الذي يشنّ بندر بن سلطان حرباً شاملة عليه لإسقاطه.
ولم تنجح الفصائل السبعة التي أُعيد توحيدها، بوحي من رئيس الاستخبارات السعودية، في «الجبهة الإسلامية»، في تحقيق أي اختراق في المناطق التي كان الجيش السوري قد استعاد السيطرة عليها، سواء في الغوطة الشرقية الاستراتيجية في ريف دمشق، أو في جبهات حلب التي أصيبت فيها المعارضة بهزائم كبيرة في السفيرة وخناصر وريف حلب الشرقي.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن بوتين التقى بندر بن سلطان، في موسكو. وأضاف «جرت مناقشة الوضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وتابع «كما جرى تبادل الآراء بشكل مفصل حول الوضع في سوريا، بما في ذلك على ضوء التحضير لمؤتمر جنيف 2». وأشار إلى أن الجانبين أكدا على «الديناميكية الايجابية للجهود الدولية لتسوية القضية النووية الإيرانية».
ولكن لا تقدم نحو «جنيف 2». الروس والأميركيون اكتفوا بتحديد الموعد في 22 كانون الثاني المقبل، لكن من دون الذهاب أبعد من ذلك في حل المشكلات الأخرى، التي تجعل من انعقاده أمراً محسوماً، لا سيما تمثيل المعارضة السورية وتشكيل وفدها إلى المؤتمر، ناهيك عن الاتفاق على برنامج عمل موحد ورؤية مشتركة.
المحاولة الوحيدة التي كان ينبغي أن تقرب معارضة الداخل والخارج أخفقت في جمع وفدين من «هيئة التنسيق» و«الائتلاف الوطني السوري» الأحد الماضي، بسبب استدعاء الرياض لرئيس «الائتلاف» احمد الجربا. للتشاور، قال مصدر في «الائتلاف». لتخريب اللقاء، عقّب مسؤول في «هيئة التنسيق».
موعد آخر ضرب لمحاولة ثانية قبل 10 كانون الأول الحالي قد تتحقق في جنيف. اللقاء المقترح بين «الائتلاف» و«هيئة التنسيق» قد يجري على قاعدة إرسال ممثلين عن كل طرف، يضم حسن عبد العظيم وهيثم مناع من الهيئة، واحمد الجربا وبدر جاموس عن «الائتلاف»، ويحضر اللقاء مندوبان من المستقلين.
ولكن لقاء واحداً لم ينعقد خلال الأيام الماضية بين الروس والأميركيين لتحديد معالم المرحلة المقبلة، أو تسريع التحضيرات للمؤتمر السوري. لم يبرز جهد أميركي ــ روسي مشترك لحل قضية تمثيل المعارضة، بما يسهل انعقاد المؤتمر، ولم يظهر زخم حقيقي من اجل تأمين شروط انعقاد المؤتمر. وخلال اللقاءات التي جمعت ممثلي المعارضة في جنيف الأسبوع الماضي بكل من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف والسفير الأميركي روبرت فورد، ظهر توزيع للأدوار بين الطرفين، لن يساعد على التقدم نحو جنيف، بل إنه يزرع الطريق إليه بألغام كثيرة.
ويأخذ معارضون سوريون على الروس، تقاعسهم في الاعتراض على الانفراد الأميركي بتشكيل وفد المعارضة. لكن الاستراتيجية الروسية، كما شرحها بوغدانوف لمعارضين احتجوا على الانسحاب الروسي أمام فورد، تقتصر على انتظار أن ينجز السفير الأميركي مهمته المستحيلة، للاعتراض بعدها على الوفد الذي يسعى فورد إلى تشكيله للتفاوض مع النظام. ولا تزال استراتيجية فورد هي جمع المعارضة تحت مظلة «الائتلاف» وإقناع «هيئة التنسيق» و«تيار بناء الدولة» و«المنبر الديموقراطي» وشخصيات مستقلة، بالدخول في وفد يحمل اسم «الائتلاف» بصفته «ممثلاً شرعياً ووحيداً للمعارضة السورية».
ورغم حراجة الموقف، لا يبدي الروس استعجالاً كبيراً في اختيار المفاوضين وتأمين توازن بين معارضة الداخل، التي دافعوا عنها كثيراً، ومعارضة الخارج التي تعتبرهم خصماً أساسياً في الطريق إلى دمشق. وينقل معارض سوري عن بوغدانوف قوله للمحتجين عن التخلي عن دور تشكيل الوفد للأميركيين في هذه المرحلة إن «قطار المفاوضات سيسلك طريقاً طويلاً ومتعرجاً، وهناك محطات كثيرة، سينزل فيها كثير ممن صعدوا إليه في المحطة الأولى ويصعد إليه آخرون، ممن لم يذهبوا إلى جنيف في رحلته الأولى».
ويمكن الرهان على الطريقة التي عالج بها قضية التمثيل الكردي وشكل لغماً كبيراً في الطريق إلى جنيف. فقد نجح روبرت فورد بوضع التمثيل الكردي في إطار «الائتلاف» الذي استقبل 11 عضواً من «المجلس الوطني الكردي» وعين عبد الحكيم بشار، نائباً لرئيسه، لعزل القوة الكردية الرئيسة التي يمثلها «حزب الاتحاد الديموقراطي». ويمكن تأريخ الفشل الأميركي بالتوصل إلى توحيد المعارضة في وفد مقبول من جميع أطرافها إلى الربيع الماضي. علماً أن العقبات التي واجهها فورد في إقناع المعارضين بالموافقة على استراتيجيته في العمل تحت مظلة «الائتلاف»، من دون الدخول فيه، لا تزال على حالها.
ويقول معارض سوري بارز إن الروس والأميركيين «يشاغبون» على التسوية في جنيف. فالاعتراض الروسي على التشكيلة المقبلة، التي قد يتقدم بها الأميركيون، ينبع من الرغبة بإضعاف وفد المعارضة للحد من أي تمثيل فعال لها في الحكومة الانتقالية. أما الأميركيون فيعملون على تشكيل وفد تعهّدوا، بحسب معارض سوري التقاهم في اسطنبول مؤخراً، «بألا يلعب أعضاؤه أي دور في النظام الجديد». ويقول معارض سوري إن الأميركيين لا يملكون رؤية واضحة للتحضير لجنيف، وان سياسة روبرت فورد تتسم بكثير من الارتجال وردات الفعل على المواقف الروسية.
وقال معارض سوري إن الأميركيين لا يملكون أي سياسة يمكنها أن تتعارض مع رغبات رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان. ولا يبدو أن الأميركيين يملكون قرار تشكيل الوفد الذي يتظلل بمرجعية الاستخبارات السعودية والخطوط الحمراء التي وضعها رئيسها بندر بن سلطان. ويردد فورد في لقاءاته مع المعارض أن بندر لن يقبل بأي وفد يشارك في مفاوضات تمنح دوراً للرئيس بشار الأسد، كما لن يقبل بأي تسوية سياسية مع النظام السوري.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد