تباين وجهات نظر الشارع السوري حول أنابوليس
لم يكلّف أبو أيّاد نفسه عناء النظر إلى محدّثه ليجيب عن سؤال عن رأيه في اجتماع أنابوليس والمشاركة العربية والسوريّة. قال، وهو يعيد طيّ الملاءات التي أفردها لزبائن محلّه في شارع الحمرا الدمشقي، «ذهبنا أم لن نذهب إلى أنابوليس أو إلى البطيخ الأحمر فالنتيجة واحدة، ما تريده إسرائيل ستحصل عليه بقوة أميركا». أدار ظهره ماضياً لتلبية طلب زبونة دخلت المحل، بعدما قال منهياً الحديث «نريد أن نسترزق»، ما معناه: انتهى الكلام.
يمكن تعميم قناعات أبو أياد نسبياً على اهتمام الشارع السوري بما يجري في أنابوليس؛ ففي مقهى وسط دمشق، تتوزّع في جنباته ثلاث شاشات تلفزيونية، إحداها تعرض قناة «الجزيرة»، وأخرى التلفزيون السوري، والثالثة قناة أفلام أجنبيّة، يبدو أن لا أحد تقريباً من الزبائن ينظر إلى أي منها إلّا عَرَضاًَ. يقول محمّد، وهو مهندس في العقد الرابع من العمر، إنّه ملّ من «متابعة الأخبار. منذ احتلال أميركا للعراق ونحن نعيش على إيقاع السياسة الأميركية. نرقص يوماً على قرع طبول الحرب، ويوماً ننام على سيمفونية السلام المأمول. والنتيجة أنّ منطقتنا تزداد توتراً ووضعنا الاقتصادي والمعيشي يتراجع».
وعمّا يشغله الآن كمواطن سوري يضحك محمد قائلاً: «بصراحة أفكّر في العثور على زوجة بنت حلال أستقرّ معها، وأفكر في كيفية زيادة دخلي بما يغطي ارتفاع الأسعار». يصمت برهة ثم يتابع جازماً «المواطن السوري مشغول بتدبير أموره ولا وقت لديه ليفكّر في اجتماع مثل أنابوليس».
فايز (64 عاماً) يرى أن بلاده أخطأت بذهابها إلى المؤتمر، وجعلت حلفاءها يشكّكون في صدقيّتها. ويقول إنّه «إذا بلغت السياسة هذه الدرجة من البراغماتية، فإن سوريا تفقد مبدئيّتها، وتظهر كأنّها تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، على حساب المصالح العامة المشتركة».
سائق التاكسي، صبحي، له رأي مختلف، رغم عدم اهتمامه بالاجتماع الدولي. وبعد التساؤل عن معنى كلمة «أنابوليس»، ردّ قائلاً «أنا مقاتل عتيق وأقول من موقع الخبير لا حلّ ولا وسيلة لاستعادة أراضينا إلا بالحرب، وهذا الاجتماع وما سبقه وما سيليه لن يفيد، فما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، ولا قوّة للعرب إذا لم يتفقوا على قرار مواجهة أميركا، وما دام العرب غير متفقين فلن نفلح بشيء، وهذه الاجتماعات ليست سوى حقن لتخدير الشعوب كي تسكت عن المطالبة بحقوقها».
البقّال حسام الدين (60 عاماً) يتأفف من الكلام عن موضوع أميركا وإسرائيل والسلام، ويقول: «ليت سوريا لم تذهب إلى هذا الاجتماع، لكنّنا نعود للقول إلحق الكذّاب إلى وراء الباب ولنر ماذا سيفعلون، رغم أنّي متأكد من أنّ شيئاً لن يحصل. وكيف بإمكان أيّ تقدّم أن يحصل ما دام (الرئيس الأميركي جورج) بوش هو بوش لن يتغيّر ولن يتبدّل لا بأنابوليس ولا بغيره».
سياسي سوري مخضرم، رفض ذكر اسمه، علّق على المؤتمر بالقول: «ربما كان هذا هو الشرّ الذي لا بد منه»، معبّراً عن انزعاجه من قيام العرب بمنح هديّة لبوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، «رغم علمهم المسبّق بأن لا جدوى من اجتماع كهذا». إلّا أنّه يمضي بالإيضاح بأنّه لا خيار آخر أمام سوريا «وهي ترى أن العرب جميعاً ذاهبون تلبية لدعوة بوش، وإذا رفضت سوريا فستزيد خسارتها عربيّاً وتعطي المبرّر لدول محور الاعتدال ليدخلوا في تحالف علني ضدّها، لكن بما أن الذهاب ليس فيه خسارة ويمكن أن يكون فيه بعض الربح، فلا بأس. ليكن ولننتظر النتائج».
«المشاركة السورية ضرورية»، بحسب ياسر (صاحب محل حلويات غربية)، «لأنّنا دعاة سلام»، وأيضاً «لإسقاط الذرائع الأميركيّة والعربية»، فالعلاقات السوريّة ـــــ الإيرانيّة «أقوى وأعمق من أن تتأثّر بهذا الاجتماع المعروف سلفاً أنّه عقد بهدف تلميع صورة بوش في الداخل الأميركي».
عامر (19عاماً)، هو طالب في كليّة إدارة الأعمال في جامعة خاصّة وسط سوريا، يقول إنّه يسمع كلمة «أنابوليس» تتردّد في الأخبار إلّا أنّ فضوله لم يتحرّك لمعرفة شيء عن هذا الاجتماع، فهو «مشغول بشؤون دراسته». ومحور أحاديثه مع زملائه في الجامعة كان عن الخيبة التي لحقت بهم في الندوة التي عقدتها الجامعة عن المسلسل التلفزيوني «الحب والحرب».
أهالي حمص، يوضح فاتح الذي يدير شركة تجارية صغيرة في المدينة، مشغولون هذه الأياّم بحملة الحكومة لمكافحة تهريب المازوت، ولا يعتقد أن أحداً معني بما يجري في أميركا. وعن رأيه هو فيقول من الواضح جداً أنّ «المشاركة السوريّة خطوة تكتيكية»، فمستوى التمثيل يؤكّد أن السوريّين يريدون «مراضاة العرب والأوروبيّين»، وكي لا يقال إن دمشق «تعرقل مبادرات السلام». أما الواقع، فالغالبيّة «لديها القناعة بأن مؤتمراً كهذا من دون جدوى، فإسرائيل تريد التطبيع مقابل السلام، لا الأرض مقابل السلام».
أمّا فارس، صاحب منشأة صناعية في حماه، فيقول إنّه متابع باهتمام لما يجري في المنطقة، ويرى أنّ المشاركة السوريّة في الاجتماع «ضربة معلّم» حيث جرى إرضاء العرب والأطراف الدولية بمستوى أقلّ من وزير. ويتوقف عند نقطة يقول أن لا أحد تنبّه إليها وهي أنه «في مبادرات السلام السابقة، كانت أميركا تسعى لدى العرب كي يوافقوا على الجلوس مع الإسرائيليين للتفاوض، بينما في اجتماع أنابوليس بدا كأنّ إسرائيل هي التي تسعى لدى العرب كي يذهبوا إلى أميركا للمساعدة على إنقاذ ماء وجه بوش، الأمر الذي يؤكّد أنّ هذا الاجتماع لم يُعقد من أجل التوصّل إلى سلام، بل من أجل فتح صفحة مناورات سياسيّة جديدة، ستظهر نتائجها سريعاً في لبنان والعراق وفلسطين».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد