13-05-2006
تحرير اللاوعي من المنافسة مع الدين
إذا أردنا أن نتكلم عن حياة فرويد وأعماله، قد يكون العديد من المجلدات لا يكفي، وإذا أردنا الاختزال نقول <ولد ثم عاش ثم مات>. ولكن إذا ألقينا تظرة على تأثيرأفكاره في القرن العشرين، لا يختلف المفكرون والأطباء على أنه كان من أكبر رجال العصر الذي طال تفكيره عمق البنية النفسية وكشف النقاب عن الكثير من الألغاز التي كانت تُكبل انطلاقة الفكر، بل نقول بأنه استطاع أن يحرره من الموروث الخرافي ومن القيود الاجتماعية التي كانت تكبله. وزيد أن خلاصة الأعمال هو ما استطاع أن يستمر رغم تغير الأزمان والأجيال.
في حقل الطب النفسي، فقد طبّع الإرث الفرويدي هذا الحقل بمنهاجية جديدة لم تكن معهودة من قبل، فلم تعد الأعراض النفسية غامضة تحتفظ بمكنونها المعنى الذي تنطق به وأصبح بالإمكان تأويلها ونقلها من اللاعقلانية إلى العقلانية والإضفاء عن طريق كشف مكنونها إمكانية علاجية لم تكن متوفرة سابقاً.
وكان لفرويد الفضل في علاج الكثير من الأمراض النفسية دون إقفال الطريق أمام إمكانية التطور في اكتشاف علاج الأمراض المستعصية أمثال الذهان والانحرافات المتعددة.
ورغم اعتراض الكثير من الأطباء على نظرياته إلاّ أنهم لم يستطيعوا الالتفاف حولها، لأن تطابق النظري مع العيادي كان يفرض الإقرار بصحة نظريته رغم اقتناعهم بالمصادر البيولوجية للمرض.
فرويد استطاع أن يكشف عن واقع وبنية نفسية كانت في الماضي بحكم المعتقد الديني وفيما بعد تحت سيطرة التفاعلات البيولوجية.
أهم ما يميز الإرث الفرويدي عن غيره: هو أولاً اكتشاف اللاوعي والثاني اختراع المنهاجية التحليلية في العمل العيادي.
وأحدث ذلك صدمة في حقل الفكر الغربي جعلت في البداية الكثير من المفكرين يتهمونه بالشعوذة تحت ستار علمي فكيف يمكن للإنسان أن يكون منقسماً على ذاته بين وعي ولاوعي ويبقى محافظاً على انسجامه وتماسك وحدته الفكرية. ومن هنا وجد التحليل النفسي مقاومة عنيفة من قبل نرجسية كانت تضلل الانسان عن ذاته.
شبه فرويد اكتشافه لنظرية اللاوعي بما حصل لكوبرنيك وداروين.
فالأول عندما اكتشف أن الأرض ليست وسط العالم بل مجرد كوكب يدور في فلك الشمس مثل بقية الكواكب صدم ركناً من أركان الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تعتقد أن الأرض كناية عن خلق الله للكون على قياس الانسان وإضفاء الأفضلية له.
والثاني أي داروين: في نظرية النشوء بيّن أن الانسان خلافاً لما كان سائداً أن الله خلقه على صورته، مما عزز تميّزه عن سائر المخلوقات فأصله يعود إلى فصيلة القردة. ولم يستطع الاستمرار والتكاثر إلاّ بفضل تمييزه عن باقي الحيوانات بذكاء جعله يتطور ويصل إلى المستوى الحضاري. وفرويد اعتبر أن نظرية اللاوعي كمحور أساسي في العمليات النفسية والانتاج الفكري، قد جردت الانسان من نرجسيته المعتمدة على الأنا المتفاقمة. فانتقل المحور من الأنا إلى الذات اللاواعية وإن كانت الأولى مضللة ففي الثانية تكمن حقيقة ذاته من دونها لا يمكن أن يجد معنى لحياته.
انطلاقة فرويد كانت دائماً عيادية كونه طبيب اختصاصي بالامراض العصبية جعله عرضة لمعالجة الكثير من أمراض العصاب التي لم تكن تحمل في سببيتها أي عطل في الجهاز العصبي. فمعنى ذلك أنها كانت تصدر عن النفس بكل صراعاتها ولما تعرضت له من صدمات في خلال تكونها اكتشف فرويد أول ما اكتشف أن لهذه الأعراض معنى أو أشبه بلغز جسدي نفسي يخفيه المريض عن وعيه لأنه يهدد الأنا التي يعتمد عليها. من هنا بدأت الرحلة التي رافقته حتى نهاية حياته سنة .1938
الفرق بينه وبين الأطباء المعاصرين يكمن في تكوينه وبنيته النفسية، لأن الغوص في هذا المضمار لا يخلو من المخاطر والأعراض في تأويلها الخارجي لا تخلو من ردات فعل على الطبيب نفسه. وهنا يجب الإشادة بشخصية فرويد الفذة بأنه كان يتمتع بقدرة فكرية هائلة وبتصميم، لا يتراجع للكشف عن الحقيقة. وهذا ما لم يحظَ به صديقه بروير الذي تراجع في أول الطريق، فالخوض في النفس هو أشبه بالسير في السراديب المظلمة قبل أن يصل إلى الأفق الذي يرى منه النور.
فالاكتشاف يتميز عن الاختراع:
الأول يطأ الباحث أرضاً لم يطأها غيره من قبل، ولكي يصل إلى هذا الاكتشاف يجب أن يتمتع بقدرة هائلة على تحمل الوحدة. ولكن ما يكتشفه يتميز بأنه كان واقعاً موجوداً قبلاً، ولكن لم يحصل قبله لأحد أن تمكن من الوصول إليه على غرار ما حصل لكريستوفر كولومبس: فاكتشافه للقارة الأميركية لا يعني أنها لم تكن موجودة ولكنها كانت غير معروفة. كذلك بالنسبة للاوعي فهو كان موجوداً قبل فرويد ويشكل جزءاً من البنية النفسية ولكن لم يحصل أن تمكن أحد من الدلالة عليه. قد يكون الفلاسفة تكلموا عن الفكرة اللاواعية ولكن لم يتيسر لأحدهم أن تكلم عن اللاوعي كقوة ديناميكية تتحكم بتصرفاتنا وكمخزن لرغباتنا وللمكبوت بصورة عامة، وكمصدر لأفراحنا وأتراحنا.
اللاوعي
فاللاوعي الفرويدي خلافاً لما يتصور البعض سلة مهملات للغرائز والموروث الهمجي، فهو المكان الغائب عن وعينا الذي يحمل في طياته الإبداع الفكري والفني إضافة إلى النزوات الجنسية والعنفية. وهو متواصل باستمرار مع الأنا الحاضرة. لكن ما يجعله مغلقاً وبعيداً عن متناول معرفتنا هو أن المقاومة المكونة في الأنا تحول دون إدراكه ويعود ذلك إلى الاكتشاف الثاني وهو الكبت. فاللاوعي متكون في الانسان منذ الطفولة انطلاقاً من الكبت الأولي الذي يعود تاريخه إلى بداية دخول الانسان الأول في حقل اللغة، أي أن اللغة هي التي تشترط تكوين اللاوعي.
من هذا المنطلق اكتشف فرويد عن طريق الرضى أن فتح المجال للتعبير اللغوي ممكن أن يقودنا إلى المكبوت وفك رباطه مما يحرر المريض من أعراضه ويفتح مجالات عديدة للإبداع.
في موازاة لعملية الاكتشاف للاوعي اخترع فرويد ما يسمى العلاج بالتحليل النفسي، على اعتبار أنه يجب أن يهيئ للمريض الإطار اللازم لكي ينطلق الكلام على سجيته ضمن نظم التداعي الحر الذي يقودنا حتماً إلى النواة المرضية التي كانت سبباً للمعاناة النفسية. وهذا الإطار الذي اعتمده فرويد يشكل جواً معقماً من كل تداخلات خارجية معطلة. ويتطلب في المقابل إنصاتاً عائماً من قبل المحلل ضمن حيادٍ مطلق لا يكون طرفاً في أية مشكلة أي أن العلاقة لا تختزل بين مريض ومعالج بل تتعدى لتطال تواصلاً مستمراً بين لاوعي المريض ولا وعي المحلل. من هذا المنطلق وضع فرويد الشرط الأول في تعاطي المهنة أن يكون المحلل قد خضع مسبقاً لعملية تحليلية ذاتية تؤكد ثوابت:
أولاً: عمله ينطلق من رغبة لاواعية لمثل هذا العمل.
ثانياً: أن يدرك من خلال ما يكتشفه في ذاته أهمية اللاوعي وكيفية السماع بأذن ثالثة. أي أن ما يسمعه من المريض لا يلاقي عنده مقاومة تضلله عن إدراك حقيقة الذات المعذبة.
ثالثاً: المعرفة التعليمية ذاتية في البداية قبل أن تصبح تدريبية.
من هذا المنطلق أخرج فرويد البحث من الإطار العيادي لكي يطال في تحليله المجالات الأخرى من فلسفية، دينية، أدبية، فنية، أنتروبولوجية واجتماعية دون أن يتخلى عن موقفه التحليلي هدنة التفتيش عن الحقيقة في المجال العيادي والتي تحمل فضيلة علاجية لا تحول دون التفتيش عن الحقيقة في المجالات الأخرى.
فالتحليل في نظره هو أولاً وآخراً يعتمد على تحليل الخطاب إن كان عيادياً في صيغتة المرضية أو فلسفياً أو دينياً أو حتى سياسياً. فاللاوعي الذي يحمل معرفة تتحكم بنا ونجهلها في آن واحد، موجودة في كل خطاب لغوي.
فهذه المنهاجية التحليلية هي بنظري ما بقي من الإرث الفرويدي. وأضحى أي شخص يتكلم في أي مجال كان ولو لم يكن على علاقة بالتحليل، يحسب اكبر حساب إن ما زل لسانه وقال عكس ما كان يريد ان يقوله.
لا سيما في السياسة <أنظر زلات لسان بوش> أي بمفهوم آخر أصبح اللاوعي في مفهومه الفرويدي معمماً ومتداولاً في كل الأوساط الفكرية، هذا بالاضافة إلى بعض الأحلام التي تفاجئنا بأفعال ونزوات لم نكن نعهدها في أنفسنا. فمما لا شك فيه أننا أصبحنا نأخذها بعين الاعتبار لأن سيناريو الحلم هو من صنع أنفسنا وقد تكوًّن هذه الأحلام انطلاقاً من معرفة كامنة في مكان <آخر> ليس لنا سلطة عليه، ذلك لأنها تنطق من آخر.
كذلك علاقة التحليل النفسي في التربية، فأصبحنا منذ فرويد أكثر معرفة ووعياً للنزوات الجنسية التي تطال الطفل منذ الطفولة الأولى. فعندما كشف فرويد النقاب عن بزوغ الرغبات الجنسية في الطفولة منذ السن الثالثة، شكلت صدمة للواقع الإنساني واعتبرت في حينه فضيحة لا يتفوه بها إلاّ من فقد توازنه. علماً بأن فرويد لم يقل بشيء جديد فجميع المربيات وأكثر الأمهات يتفاجأن سواء بممارسات جنسية لأطفالهن أو بأسئلة تطال مصدر الطفل وسر الغرفة المغلقة وكيفية الحمل ومكان الولادة، كلها أسئلة محرجة فمنذ ذلك الزمن المستهجن أضحت هذه المعرفة متداولة وتؤخذ بعين الاعتبار في كل برنامج تربوي حديث.
كذلك العقدة الأوديبية لم تعد سراً على أحد فقد انتقلت من الخاص إلى العام، وأصبحت العلاقات الزوجية مرهونة بنجاحها بمقدار ما يكون الرجل قد انفصل عن أمه وبمقدار ما تكون الزوجة قد أطلقت عملية الحداد بموضوع والدها. أو حتى ارتباط هذا التعلق يلعب دوراً بقدرية العنوسة والعزوبية، أي كما يقال ما أتى النصيب بعد. فالأوديب اكتشفه فرويد بنفسه عند وفاة والده قبل أن يكتشفه عند مرضاه. وقد شوّه تفكيره باختزاله بمفهومه الأسطوري. فهو بالواقع وفي الاساس بنية نفسية لا بد منها لكي يحصل الانسان على هوية ذاتية تعبر عنه وتركيبة وسيطة بينه وبين العالم كي يحدد مكانه. أي أن الخلية العائلية الثلاثية من أب وأم وإبن أو إبنة، هي نقطة الانطلاق للتعريف ولدخول المجتمع.
كل هذه المكتسبات الفرويدية اضحت بعد أن تمّ تداولها في الشأن العام معرفة خرجت من التحليل النفسي إلى الوعي بعدما تمّ اكتشافها في اللاوعي.
لماذا التحليل النفسي؟
يقولون إن التحليل النفسي قد تراجع عما كان عليه في السابق، وإن دخوله شمال اميركا قد باء بالفشل، وإن التيارات العلاجية المتعددة من سلوكية إلى معرفية إلى نفس جسدية وحتى تنويمية (هناك في السوق العلاجية المتداولة أكثر من 250 طريقة مختلفة) قد أزاحت التحليل من مكان السيادة، وهمشته بعد أن احتلت العديد من أماكنه.
كل هذا صحيح فرويد في آخر حياته كتب مقالاً <تحليل انتهى وتحليل لا ينتهي>، هو أشبه بوصية عن ما توصل اليه من نتائج والعقبات التي اعترضته ولا تزال. من أهم صفات فرويد أنه كان يتمتع بفكر علمي منهجي، وبصدقية وصراحة وشفافية ومصداقية فكرية، تجعله لا يتورع في نقل ما توصل اليه من استنتاجات وحلول وما بقي غامضاً ومستعصياً على الحل أو التفسير لبعض الجوانب النفسية.
فهو لم يبشر بالسعادة ولا اعتبر التحليل أنه بديل عن الدين بل كشف عن طبيعة الانسان الحقيقية وبدد الأوهام حول سعادة مصطنعة أو مفتعلة، فلذلك صرح إلى فرينزي ويونغ قبل وصوله إلى أميركا فقال: إنهم ينتظرونني ولكن لا يعرفون إنني قد جلبت لهم الطاعون.
بمعنى أن التحليل النفسي يكشف عن المخبأ، عن الرذائل، عن الشواذات، عن الكذب عن الخداع ويبدد الكبت، لكي يصل الى حقيقة قد تكون غير مفرحة ولكنها تعبر عن الواقع النفسي من دون مواربة، أحببت أو لم تحب فهكذا هو تكوين الانسان فالتعامل مع الحياة على أساس الواقعية أجدى نفعاً من سعادة مصطنعة وقد تكون مضللة وذات عواقب تراجيدية.
فنظرته الى أميركا كانت سلبية ولم يرتج منها أن تعتمد منهاجية واقعية تبدو لهم وهم النهاية السعيدة Happy End.
من هذا المنطلق اعتبر فرويد في وصيته الاخيرة أن التحليل النفسي يعالج الامراض النفسية ولكنه قد يصطدم بعقبتين تتلخصان بعقدة الخصاء، سماها الصخرة التي تتحطم عليها الامواج.
العقبة الاولى تطال الرجل: عندما يأخذ التحليل منحى سلبياً وعدائياً في بعض الاحيان مع المحلل وذلك لاختلاط يصعب تبديده ما بين السلبية في التعامل مع الرجال أقرانه، والمثلية الجنسية فنراه يدخل في منافسة صراع على السلطة خوفاً من أن يقع في السلبية التي تجعله تحت رحمة الآخر، يتصرف به جنسياً كما يشاء ويعود ذلك إلى عدم تقبله للخصاء، أي أن يتساوى مع المرأة في بعض المواقف الأنثوية.
العقبة الثانية: عند المرأة، في آخر التحليل قد تبقى متمسكة بالفالوس الوهمي، فيصعب عليها أن ترتمي بأحضان أنوثتها خوفاً منها أن تصبح ضحية الرجل، لذلك تدخل معه بصراع مستمر وتنمي عداء لأقرانها النساء المستسلمات وتحاكي الرجل في مسلكه.
هاتان العقبتان تركهما فرويد كلغز لتلامذته ولمن سيأتي بعده، كعقبة لم يستطع تجاوزها وهذا ما حدى بجاك لاكان إلى إيجاد حل وفك هذا اللغز.
إن تَراجع التحليل أمام بقية الأصناف العلاجية النفسية، يعود بالدرجة الأولى كونه يعادي الإيحاء الذاتي فكل هذه الوسائل العلاجية تعتمد وتركز على الإيحاء، على حساب الحقيقة الذاتية. هذا من ناحية ولكن من ناحية اخرى يبدو ان المحللين النفسيين هم من طينة هذا البشر، لهم مشاكلهم وعقدهم وبصورة خاصة مقاومة لاواعية فقد ساهموا بشكل أو بآخر في تشويه التحليل النفسي. أضف الى ذلك أن المجتمع الغربي الذي يعاني من فقدان القيمة الروحية، وجد في التحليل ملاذاً كما لو كان أشبه بالملل والنحل الدينية، يترأس كل جماعة سيد يتوسط المجموعة ويوزع الأفكار من دون منازع.
ولكن بقي النموذج الفرويدي بطبيعته الاولى الطريق الذي إن سلكها أي فرد لتوصل إلى نفس اكتشافات فرويد، أي اللاوعي في مضمونه المكبوت وغير المكبوت بالإضافة إلى اكتشاف معرفة رغبته الحقيقية بعد أن كانت تضلله عنها.
الظاهرة الأخيرة والسؤال الذي يطرحه كل مواطن عربي هو: لماذا لم يدخل التحليل النفسي مجتمعنا العربي ويصبح متداولاً كما هو الحال في الغرب؟
سأقتصر على جواب بشكل مقتضب لأنه يتطلب معالجة طويلة:
1 خلافاً لما هو سائد، دخل التحليل الى مصر في الاربعينات، أي قبل أن يدخل إلى إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا. واستمر حتى الثورة المصرية وبعدها تبدد المحللون في جميع أقطار أوروبا، وبينهم مصطفى صفوان وسامي علي. وكان المؤسس مصطفى زيور. ويعود السبب الأساسي لفشل التحليل النفسي في مصر إلى العامل السياسي بدرجة أولى: أي إنه لا يتعايش مع نظام ديكتاتوري.
السبب الثاني: هو التركيز على محور الأنا وهي غريبة عن الثقافة الدينية الإسلامية لأن الآخر هو الجمع بالنحن.
2 الثقافة العربية هي في الاساس دينية فاللاوعي في المفهوم الشعبي والديني هو من علم الله وكل فكرة تريد أن تكشف عن هذا اللاوعي تصبح دخيلة وتدخل في منافسة مع الدين. وكلما زاد التزمت كلما ضاقت فسحة تحرر الأنا واكتشاف اللاوعي.
3 قامت أول جمعية تحليلية في العالم العربي في لبنان: أسسها الدكتور منير شمعون وعدنان حب الله وعادل عقل سنة .1980 وقد جمعت العديد من المحللين في لبنان وفي فرنسا من أصل عربي.
كذلك تأسس المركز العربي للأبحاث النفسية والتحليلية وتخصص في نشر الثقافة النفسية وتحضير وإعداد المعالجين والمحللين النفسيين وله أتباع في لبنان وفي جميع أنحاء العالم العربي.
كذلك تأسست منذ ثلاث سنوات الجمعية المغربية للتحليل النفسي، كما تأسست الجمعية المصرية للتحليل النفسي.
وكل هذه الجمعيات تدخل في إطار الإرث الفرويدي وتتبع تعاليمه، لا سيما بعد أن أدخل عليها جاك لاكان التعديلات التصحيحية وأضفى عليها الأنوار الفكرية كي يبدد الأخطاء المتراكمة والتشويهات فيعيدها إلى أصالتها، بعد أن أدخلها التيار الفكري الغربي في مأزق بمنافسة الدين.
وهنالك كلمة للاكان يقول فيها إن هذه المنافسة مع الدين غير متكافئة وسيكون النصر للدين في النهاية لأن التحليل النفسي هو بمثابة العارض العصري الذي أفرزه الخطاب العلمي فالتحليل النفسي سيطاله الكبت ككل عارض ولكن على أساس مبدأ الكبت سيكون هنالك جولة جديدة لعودة المكبوت.
عدنان حب الله
المصدر: السفير
في حقل الطب النفسي، فقد طبّع الإرث الفرويدي هذا الحقل بمنهاجية جديدة لم تكن معهودة من قبل، فلم تعد الأعراض النفسية غامضة تحتفظ بمكنونها المعنى الذي تنطق به وأصبح بالإمكان تأويلها ونقلها من اللاعقلانية إلى العقلانية والإضفاء عن طريق كشف مكنونها إمكانية علاجية لم تكن متوفرة سابقاً.
وكان لفرويد الفضل في علاج الكثير من الأمراض النفسية دون إقفال الطريق أمام إمكانية التطور في اكتشاف علاج الأمراض المستعصية أمثال الذهان والانحرافات المتعددة.
ورغم اعتراض الكثير من الأطباء على نظرياته إلاّ أنهم لم يستطيعوا الالتفاف حولها، لأن تطابق النظري مع العيادي كان يفرض الإقرار بصحة نظريته رغم اقتناعهم بالمصادر البيولوجية للمرض.
فرويد استطاع أن يكشف عن واقع وبنية نفسية كانت في الماضي بحكم المعتقد الديني وفيما بعد تحت سيطرة التفاعلات البيولوجية.
أهم ما يميز الإرث الفرويدي عن غيره: هو أولاً اكتشاف اللاوعي والثاني اختراع المنهاجية التحليلية في العمل العيادي.
وأحدث ذلك صدمة في حقل الفكر الغربي جعلت في البداية الكثير من المفكرين يتهمونه بالشعوذة تحت ستار علمي فكيف يمكن للإنسان أن يكون منقسماً على ذاته بين وعي ولاوعي ويبقى محافظاً على انسجامه وتماسك وحدته الفكرية. ومن هنا وجد التحليل النفسي مقاومة عنيفة من قبل نرجسية كانت تضلل الانسان عن ذاته.
شبه فرويد اكتشافه لنظرية اللاوعي بما حصل لكوبرنيك وداروين.
فالأول عندما اكتشف أن الأرض ليست وسط العالم بل مجرد كوكب يدور في فلك الشمس مثل بقية الكواكب صدم ركناً من أركان الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تعتقد أن الأرض كناية عن خلق الله للكون على قياس الانسان وإضفاء الأفضلية له.
والثاني أي داروين: في نظرية النشوء بيّن أن الانسان خلافاً لما كان سائداً أن الله خلقه على صورته، مما عزز تميّزه عن سائر المخلوقات فأصله يعود إلى فصيلة القردة. ولم يستطع الاستمرار والتكاثر إلاّ بفضل تمييزه عن باقي الحيوانات بذكاء جعله يتطور ويصل إلى المستوى الحضاري. وفرويد اعتبر أن نظرية اللاوعي كمحور أساسي في العمليات النفسية والانتاج الفكري، قد جردت الانسان من نرجسيته المعتمدة على الأنا المتفاقمة. فانتقل المحور من الأنا إلى الذات اللاواعية وإن كانت الأولى مضللة ففي الثانية تكمن حقيقة ذاته من دونها لا يمكن أن يجد معنى لحياته.
انطلاقة فرويد كانت دائماً عيادية كونه طبيب اختصاصي بالامراض العصبية جعله عرضة لمعالجة الكثير من أمراض العصاب التي لم تكن تحمل في سببيتها أي عطل في الجهاز العصبي. فمعنى ذلك أنها كانت تصدر عن النفس بكل صراعاتها ولما تعرضت له من صدمات في خلال تكونها اكتشف فرويد أول ما اكتشف أن لهذه الأعراض معنى أو أشبه بلغز جسدي نفسي يخفيه المريض عن وعيه لأنه يهدد الأنا التي يعتمد عليها. من هنا بدأت الرحلة التي رافقته حتى نهاية حياته سنة .1938
الفرق بينه وبين الأطباء المعاصرين يكمن في تكوينه وبنيته النفسية، لأن الغوص في هذا المضمار لا يخلو من المخاطر والأعراض في تأويلها الخارجي لا تخلو من ردات فعل على الطبيب نفسه. وهنا يجب الإشادة بشخصية فرويد الفذة بأنه كان يتمتع بقدرة فكرية هائلة وبتصميم، لا يتراجع للكشف عن الحقيقة. وهذا ما لم يحظَ به صديقه بروير الذي تراجع في أول الطريق، فالخوض في النفس هو أشبه بالسير في السراديب المظلمة قبل أن يصل إلى الأفق الذي يرى منه النور.
فالاكتشاف يتميز عن الاختراع:
الأول يطأ الباحث أرضاً لم يطأها غيره من قبل، ولكي يصل إلى هذا الاكتشاف يجب أن يتمتع بقدرة هائلة على تحمل الوحدة. ولكن ما يكتشفه يتميز بأنه كان واقعاً موجوداً قبلاً، ولكن لم يحصل قبله لأحد أن تمكن من الوصول إليه على غرار ما حصل لكريستوفر كولومبس: فاكتشافه للقارة الأميركية لا يعني أنها لم تكن موجودة ولكنها كانت غير معروفة. كذلك بالنسبة للاوعي فهو كان موجوداً قبل فرويد ويشكل جزءاً من البنية النفسية ولكن لم يحصل أن تمكن أحد من الدلالة عليه. قد يكون الفلاسفة تكلموا عن الفكرة اللاواعية ولكن لم يتيسر لأحدهم أن تكلم عن اللاوعي كقوة ديناميكية تتحكم بتصرفاتنا وكمخزن لرغباتنا وللمكبوت بصورة عامة، وكمصدر لأفراحنا وأتراحنا.
اللاوعي
فاللاوعي الفرويدي خلافاً لما يتصور البعض سلة مهملات للغرائز والموروث الهمجي، فهو المكان الغائب عن وعينا الذي يحمل في طياته الإبداع الفكري والفني إضافة إلى النزوات الجنسية والعنفية. وهو متواصل باستمرار مع الأنا الحاضرة. لكن ما يجعله مغلقاً وبعيداً عن متناول معرفتنا هو أن المقاومة المكونة في الأنا تحول دون إدراكه ويعود ذلك إلى الاكتشاف الثاني وهو الكبت. فاللاوعي متكون في الانسان منذ الطفولة انطلاقاً من الكبت الأولي الذي يعود تاريخه إلى بداية دخول الانسان الأول في حقل اللغة، أي أن اللغة هي التي تشترط تكوين اللاوعي.
من هذا المنطلق اكتشف فرويد عن طريق الرضى أن فتح المجال للتعبير اللغوي ممكن أن يقودنا إلى المكبوت وفك رباطه مما يحرر المريض من أعراضه ويفتح مجالات عديدة للإبداع.
في موازاة لعملية الاكتشاف للاوعي اخترع فرويد ما يسمى العلاج بالتحليل النفسي، على اعتبار أنه يجب أن يهيئ للمريض الإطار اللازم لكي ينطلق الكلام على سجيته ضمن نظم التداعي الحر الذي يقودنا حتماً إلى النواة المرضية التي كانت سبباً للمعاناة النفسية. وهذا الإطار الذي اعتمده فرويد يشكل جواً معقماً من كل تداخلات خارجية معطلة. ويتطلب في المقابل إنصاتاً عائماً من قبل المحلل ضمن حيادٍ مطلق لا يكون طرفاً في أية مشكلة أي أن العلاقة لا تختزل بين مريض ومعالج بل تتعدى لتطال تواصلاً مستمراً بين لاوعي المريض ولا وعي المحلل. من هذا المنطلق وضع فرويد الشرط الأول في تعاطي المهنة أن يكون المحلل قد خضع مسبقاً لعملية تحليلية ذاتية تؤكد ثوابت:
أولاً: عمله ينطلق من رغبة لاواعية لمثل هذا العمل.
ثانياً: أن يدرك من خلال ما يكتشفه في ذاته أهمية اللاوعي وكيفية السماع بأذن ثالثة. أي أن ما يسمعه من المريض لا يلاقي عنده مقاومة تضلله عن إدراك حقيقة الذات المعذبة.
ثالثاً: المعرفة التعليمية ذاتية في البداية قبل أن تصبح تدريبية.
من هذا المنطلق أخرج فرويد البحث من الإطار العيادي لكي يطال في تحليله المجالات الأخرى من فلسفية، دينية، أدبية، فنية، أنتروبولوجية واجتماعية دون أن يتخلى عن موقفه التحليلي هدنة التفتيش عن الحقيقة في المجال العيادي والتي تحمل فضيلة علاجية لا تحول دون التفتيش عن الحقيقة في المجالات الأخرى.
فالتحليل في نظره هو أولاً وآخراً يعتمد على تحليل الخطاب إن كان عيادياً في صيغتة المرضية أو فلسفياً أو دينياً أو حتى سياسياً. فاللاوعي الذي يحمل معرفة تتحكم بنا ونجهلها في آن واحد، موجودة في كل خطاب لغوي.
فهذه المنهاجية التحليلية هي بنظري ما بقي من الإرث الفرويدي. وأضحى أي شخص يتكلم في أي مجال كان ولو لم يكن على علاقة بالتحليل، يحسب اكبر حساب إن ما زل لسانه وقال عكس ما كان يريد ان يقوله.
لا سيما في السياسة <أنظر زلات لسان بوش> أي بمفهوم آخر أصبح اللاوعي في مفهومه الفرويدي معمماً ومتداولاً في كل الأوساط الفكرية، هذا بالاضافة إلى بعض الأحلام التي تفاجئنا بأفعال ونزوات لم نكن نعهدها في أنفسنا. فمما لا شك فيه أننا أصبحنا نأخذها بعين الاعتبار لأن سيناريو الحلم هو من صنع أنفسنا وقد تكوًّن هذه الأحلام انطلاقاً من معرفة كامنة في مكان <آخر> ليس لنا سلطة عليه، ذلك لأنها تنطق من آخر.
كذلك علاقة التحليل النفسي في التربية، فأصبحنا منذ فرويد أكثر معرفة ووعياً للنزوات الجنسية التي تطال الطفل منذ الطفولة الأولى. فعندما كشف فرويد النقاب عن بزوغ الرغبات الجنسية في الطفولة منذ السن الثالثة، شكلت صدمة للواقع الإنساني واعتبرت في حينه فضيحة لا يتفوه بها إلاّ من فقد توازنه. علماً بأن فرويد لم يقل بشيء جديد فجميع المربيات وأكثر الأمهات يتفاجأن سواء بممارسات جنسية لأطفالهن أو بأسئلة تطال مصدر الطفل وسر الغرفة المغلقة وكيفية الحمل ومكان الولادة، كلها أسئلة محرجة فمنذ ذلك الزمن المستهجن أضحت هذه المعرفة متداولة وتؤخذ بعين الاعتبار في كل برنامج تربوي حديث.
كذلك العقدة الأوديبية لم تعد سراً على أحد فقد انتقلت من الخاص إلى العام، وأصبحت العلاقات الزوجية مرهونة بنجاحها بمقدار ما يكون الرجل قد انفصل عن أمه وبمقدار ما تكون الزوجة قد أطلقت عملية الحداد بموضوع والدها. أو حتى ارتباط هذا التعلق يلعب دوراً بقدرية العنوسة والعزوبية، أي كما يقال ما أتى النصيب بعد. فالأوديب اكتشفه فرويد بنفسه عند وفاة والده قبل أن يكتشفه عند مرضاه. وقد شوّه تفكيره باختزاله بمفهومه الأسطوري. فهو بالواقع وفي الاساس بنية نفسية لا بد منها لكي يحصل الانسان على هوية ذاتية تعبر عنه وتركيبة وسيطة بينه وبين العالم كي يحدد مكانه. أي أن الخلية العائلية الثلاثية من أب وأم وإبن أو إبنة، هي نقطة الانطلاق للتعريف ولدخول المجتمع.
كل هذه المكتسبات الفرويدية اضحت بعد أن تمّ تداولها في الشأن العام معرفة خرجت من التحليل النفسي إلى الوعي بعدما تمّ اكتشافها في اللاوعي.
لماذا التحليل النفسي؟
يقولون إن التحليل النفسي قد تراجع عما كان عليه في السابق، وإن دخوله شمال اميركا قد باء بالفشل، وإن التيارات العلاجية المتعددة من سلوكية إلى معرفية إلى نفس جسدية وحتى تنويمية (هناك في السوق العلاجية المتداولة أكثر من 250 طريقة مختلفة) قد أزاحت التحليل من مكان السيادة، وهمشته بعد أن احتلت العديد من أماكنه.
كل هذا صحيح فرويد في آخر حياته كتب مقالاً <تحليل انتهى وتحليل لا ينتهي>، هو أشبه بوصية عن ما توصل اليه من نتائج والعقبات التي اعترضته ولا تزال. من أهم صفات فرويد أنه كان يتمتع بفكر علمي منهجي، وبصدقية وصراحة وشفافية ومصداقية فكرية، تجعله لا يتورع في نقل ما توصل اليه من استنتاجات وحلول وما بقي غامضاً ومستعصياً على الحل أو التفسير لبعض الجوانب النفسية.
فهو لم يبشر بالسعادة ولا اعتبر التحليل أنه بديل عن الدين بل كشف عن طبيعة الانسان الحقيقية وبدد الأوهام حول سعادة مصطنعة أو مفتعلة، فلذلك صرح إلى فرينزي ويونغ قبل وصوله إلى أميركا فقال: إنهم ينتظرونني ولكن لا يعرفون إنني قد جلبت لهم الطاعون.
بمعنى أن التحليل النفسي يكشف عن المخبأ، عن الرذائل، عن الشواذات، عن الكذب عن الخداع ويبدد الكبت، لكي يصل الى حقيقة قد تكون غير مفرحة ولكنها تعبر عن الواقع النفسي من دون مواربة، أحببت أو لم تحب فهكذا هو تكوين الانسان فالتعامل مع الحياة على أساس الواقعية أجدى نفعاً من سعادة مصطنعة وقد تكون مضللة وذات عواقب تراجيدية.
فنظرته الى أميركا كانت سلبية ولم يرتج منها أن تعتمد منهاجية واقعية تبدو لهم وهم النهاية السعيدة Happy End.
من هذا المنطلق اعتبر فرويد في وصيته الاخيرة أن التحليل النفسي يعالج الامراض النفسية ولكنه قد يصطدم بعقبتين تتلخصان بعقدة الخصاء، سماها الصخرة التي تتحطم عليها الامواج.
العقبة الاولى تطال الرجل: عندما يأخذ التحليل منحى سلبياً وعدائياً في بعض الاحيان مع المحلل وذلك لاختلاط يصعب تبديده ما بين السلبية في التعامل مع الرجال أقرانه، والمثلية الجنسية فنراه يدخل في منافسة صراع على السلطة خوفاً من أن يقع في السلبية التي تجعله تحت رحمة الآخر، يتصرف به جنسياً كما يشاء ويعود ذلك إلى عدم تقبله للخصاء، أي أن يتساوى مع المرأة في بعض المواقف الأنثوية.
العقبة الثانية: عند المرأة، في آخر التحليل قد تبقى متمسكة بالفالوس الوهمي، فيصعب عليها أن ترتمي بأحضان أنوثتها خوفاً منها أن تصبح ضحية الرجل، لذلك تدخل معه بصراع مستمر وتنمي عداء لأقرانها النساء المستسلمات وتحاكي الرجل في مسلكه.
هاتان العقبتان تركهما فرويد كلغز لتلامذته ولمن سيأتي بعده، كعقبة لم يستطع تجاوزها وهذا ما حدى بجاك لاكان إلى إيجاد حل وفك هذا اللغز.
إن تَراجع التحليل أمام بقية الأصناف العلاجية النفسية، يعود بالدرجة الأولى كونه يعادي الإيحاء الذاتي فكل هذه الوسائل العلاجية تعتمد وتركز على الإيحاء، على حساب الحقيقة الذاتية. هذا من ناحية ولكن من ناحية اخرى يبدو ان المحللين النفسيين هم من طينة هذا البشر، لهم مشاكلهم وعقدهم وبصورة خاصة مقاومة لاواعية فقد ساهموا بشكل أو بآخر في تشويه التحليل النفسي. أضف الى ذلك أن المجتمع الغربي الذي يعاني من فقدان القيمة الروحية، وجد في التحليل ملاذاً كما لو كان أشبه بالملل والنحل الدينية، يترأس كل جماعة سيد يتوسط المجموعة ويوزع الأفكار من دون منازع.
ولكن بقي النموذج الفرويدي بطبيعته الاولى الطريق الذي إن سلكها أي فرد لتوصل إلى نفس اكتشافات فرويد، أي اللاوعي في مضمونه المكبوت وغير المكبوت بالإضافة إلى اكتشاف معرفة رغبته الحقيقية بعد أن كانت تضلله عنها.
الظاهرة الأخيرة والسؤال الذي يطرحه كل مواطن عربي هو: لماذا لم يدخل التحليل النفسي مجتمعنا العربي ويصبح متداولاً كما هو الحال في الغرب؟
سأقتصر على جواب بشكل مقتضب لأنه يتطلب معالجة طويلة:
1 خلافاً لما هو سائد، دخل التحليل الى مصر في الاربعينات، أي قبل أن يدخل إلى إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا. واستمر حتى الثورة المصرية وبعدها تبدد المحللون في جميع أقطار أوروبا، وبينهم مصطفى صفوان وسامي علي. وكان المؤسس مصطفى زيور. ويعود السبب الأساسي لفشل التحليل النفسي في مصر إلى العامل السياسي بدرجة أولى: أي إنه لا يتعايش مع نظام ديكتاتوري.
السبب الثاني: هو التركيز على محور الأنا وهي غريبة عن الثقافة الدينية الإسلامية لأن الآخر هو الجمع بالنحن.
2 الثقافة العربية هي في الاساس دينية فاللاوعي في المفهوم الشعبي والديني هو من علم الله وكل فكرة تريد أن تكشف عن هذا اللاوعي تصبح دخيلة وتدخل في منافسة مع الدين. وكلما زاد التزمت كلما ضاقت فسحة تحرر الأنا واكتشاف اللاوعي.
3 قامت أول جمعية تحليلية في العالم العربي في لبنان: أسسها الدكتور منير شمعون وعدنان حب الله وعادل عقل سنة .1980 وقد جمعت العديد من المحللين في لبنان وفي فرنسا من أصل عربي.
كذلك تأسس المركز العربي للأبحاث النفسية والتحليلية وتخصص في نشر الثقافة النفسية وتحضير وإعداد المعالجين والمحللين النفسيين وله أتباع في لبنان وفي جميع أنحاء العالم العربي.
كذلك تأسست منذ ثلاث سنوات الجمعية المغربية للتحليل النفسي، كما تأسست الجمعية المصرية للتحليل النفسي.
وكل هذه الجمعيات تدخل في إطار الإرث الفرويدي وتتبع تعاليمه، لا سيما بعد أن أدخل عليها جاك لاكان التعديلات التصحيحية وأضفى عليها الأنوار الفكرية كي يبدد الأخطاء المتراكمة والتشويهات فيعيدها إلى أصالتها، بعد أن أدخلها التيار الفكري الغربي في مأزق بمنافسة الدين.
وهنالك كلمة للاكان يقول فيها إن هذه المنافسة مع الدين غير متكافئة وسيكون النصر للدين في النهاية لأن التحليل النفسي هو بمثابة العارض العصري الذي أفرزه الخطاب العلمي فالتحليل النفسي سيطاله الكبت ككل عارض ولكن على أساس مبدأ الكبت سيكون هنالك جولة جديدة لعودة المكبوت.
عدنان حب الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد