تداعيات خلاف الديمقراطيين والجمهوريين حول الانسحاب من العراق
الجمل: الخلاف والصراع بين المعارضين والمؤيدين لبقاء القوات الأمريكية في العراق، انتقل إلى مرحلة نوعية جديدة، تتميز بطابعها المؤسسي الرسمي، وذلك عندما أجاز مجلس النواب الأمريكي نهار الجمعة 23 آذار الحالي، مشروع قانون يربط بين تمويل القوى الأمريكية الموجودة في العراق، وانسحابها الكامل بحلول أيلول عام 2008 أي بعد 18 شهراً.
• خارطة الصراع:
برغم فوز الحزب الديمقراطي الأمريكي، بأغلبية مقاعد مجلس النواب الأمريكي، وبرغم أن مشروع القرار كان مقدماً بواسطة زعماء النواب الديمقراطيين، فقد جاءت النتيجة بعكس التوقعات، فقد فاز القرار بأغلبية 218 عضواً، ومعارضة 212 من أعضاء مجلس النواب.
إن هذا الفارق الضئيل يعكس مدى تداخل المصالح واختلاط الأوراق بين النواب الديمقراطيين والجمهوريين، فقد تبين أن الجمهوريين كانوا منقسمين إلى ثلاث مجموعات:
- المؤيدين لمشروع القرار.
- المعارضين لمشروع القرار.
- الممتنعين عن التصويت.
أما الجمهوريين فكانت مواقفهم على النحو الآتي:
- المعارضين لمشروع القرار.
- المؤيدين لمشروع القرار.
- الممتنعين عن التصويت.
وعلى خلفية هذه المواقف كانت المواقف المؤيدة، والمعارضة، والممتنعة في عملية التصويت، داخل المجلس خليطاً غير متجانس من الأصوات الجمهورية والديمقراطية، فقد صوت بعض الديمقراطيين إلى جانب الجمهوريين، وصوت بعض الجمهوريين إلى جانب الديمقراطيين. أما الامتناع عن التصويت فكانت أغلبيته بواسطة النواب الديمقراطيين والذين امتنع بعضهم لأسباب غريبة، من أبرزها أن عدداً من النواب الديمقراطيين قد رفض التصويت إلى جانب مشروع القرار، تحت زعم أن 18 شهراً تعتبر فترة طويلة.
• المرحلة القادمة:
خلال الأيام القادمة سوف يتم تقديم نفس مشروع القرار إلى مجلس الشيوخ الأمريكي، لكي ينظر فيه، وفي حالة إجازة المشروع بواسطة مجلس الشيوخ، فإن إدارة بوش تجد نفسها مطالبة بتنفيذ قرار مجلس النواب والشيوخ، أو رفض القرار عن طريق استخدام حق النقض (الفيتو) الذي يتمتع به الرئيس الأمريكي، وهو ما أكده جورج بوش، عندما أعلن عن رفضه الالتزام بتحديد تاريخ أو جدول زمني للانسحاب من العراق.
المشكلة التي تواجه تمرير القرار في مجلس الشيوخ تتمثل في أن الفارق بين الديمقراطيين والجمهوريين هو صوت واحد، وذلك لأن عدد الديمقراطيين في مجلس الشيوخ يتجاوز عدد الجمهوريين بعضو واحد، ولما كان هناك الكثير من الخلافات بين الديمقراطيين حول موضوع العراق، وبالذات السيناتورات والنواب اليهود في الحزب الديمقراطي، إلا أنهم يقومون بنفس اللعبة المزدوجة المتمثلة في الانتماء للحزب الديمقراطي، والقيام بدور (حصان طروادة) لصالح الجمهوريين واللوبي الإسرائيلي في المسائل والقضايا الشرق أوسطية.
تداعيات خلاف الديمقراطيين والجمهوريين:
• التداعيات الحالية:
يرتبط القرار بين عملية سحب القوات الأمريكية من العراق، وتقديم مبلغ التمويل الإضافي للقوات البالغ قدرها 124 مليار دولار. وفي حالة رفض الانسحاب المنصوص عليه في مشروع قرار مجلس النواب بواسطة مجلس الشيوخ، أو بواسطة (فيتو) البيت الأبيض، فإن عملية تمويل القوات الأمريكية في العراق، تصبح أمراً أكثر صعوبة وتعقيداً.
كذلك مشروع القرار المشروط يؤدي إلى المزيد من فرز المواقف داخل الكونغرس (مجلس النواب والشيوخ)، والإدارة الأمريكية، وأيضاً الشارع الأمريكي.
أما بالنسبة للحكومة العراقية، فمشروع قرار مجلس النواب يمثل الـ(كرت الأصفر) لحكومة نوري المالكي، بأن أيامها أصبحت معدودة وبالتالي فإن عليها العمل من أجل الاستعداد للمرحلة القادمة التي لن تكون فيها القوات الأمريكية، أو الإدارة الأمريكية موجودة على الساحة العراقية.. أما بالنسبة للمعارضة العراقية، فمن المتوقع أن تقوم بترتيب تحالفاتها وتجميع قواها الذاتية من أجل المواجهات القادمة، والتي سوف تختل فيها الكثير من التوازنات الميدانية بسبب عدم مشاركة القوات الأمريكية، وبالنسبة للميليشيات والفصائل العراقية، يمكن الإشارة إلى الآتي:
- الميليشيات والفصائل السنية: سوف ترتب قواها من أجل السيطرة على وسط العراق، وتحديداً العاصمة بغداد.
- الميليشيات والفصائل الشيعية: سوف تعتمد بقدر أكبر على الدعم الإيراني من أجل تثبيت وضعها باعتبارها صاحبة الأغلبية في العراق.
- الميليشيات والفصائل الكردية: سوف تحاول العمل من أجل تفادي المواجهة مع الجيش الكردي، عن طريق التخفيف من نزعتها الاستقلالية ولو مؤقتاً، أو الحصول على ضمانات أمريكية بعدم السماح لتركيا بالتدخل عسكرياً في العراق، إضافة إلى أنها سوف تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الفصائل والقوى السنية والشيعية العراقية، وذلك تفادياً لأي مواجهة داخل العراق.. كذلك قد تضطرب وتتوتر علاقة الفصائل والميليشيات الكردية العراقية بحزب العمال الكردستاني –الفصيل الكردي التركي- والذي قد تضطر الفصائل الكردية العراقية إلى فرض المزيد من القيود على تحركاته داخل شمال العراق، وذلك ضماناً لعدم قيام تركيا بعمل عسكري واسع داخل كردستان العراقية، على نحو لا يستثني أحداً.
• التداعيات المؤجلة:
خروج القوات الأمريكية من العراق، معناه سقوط مشروع القرن الأمريكي، الذي أعدته جماعة المحافظين الجدد، وهو أمر سوف يترتب عليه تراجع أطروحة الهيمنة الأمريكية، كذلك سوف يؤدي على درء شبح الحرب على إيران، وقد يقود أيضاً إلى تخفيض القواعد الأمريكية في الخليج العربي، وسحب الأساطيل البحرية من مياه الخليج العربي، وبحر العرب.
أما بالنسبة لمنطقة شرق المتوسط، فإن خروج القوات الأمريكية من العراق، سوف يشكل ضربة قاصمة للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، وسوف يتراجع سقف الطموحات الإسرائيلي إزاء عملية سلام الشرق الأوسط، والانسحاب من الجولان المحتل، كذلك سوف يضعف بقدر كبير معسكر المعتدلين العرب، وبالذات الأردن، وقوى 14 آذار.
الصراع الداخلي العراقي، على خلفية انسحاب القوات الأمريكية، سوف يؤدي إلى تورط دول الجوار العراقي، وبالذات السعودية، الأردن، إيران، وتركيا.. أما سوريا فسوف تكون معاناتها أكبر من جراء تدفقات اللاجئين العراقيين.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد