تركيا تستخدم تفجير اسطنبول كذريعة للتدخل في سوريا والعراق
بدا، أمس، أن تركيا راغبة في استغلال سريع للهجوم الإرهابي الذي استهدف منطقة السلطان أحمد في القلب السياحي لمدينة إسطنبول، والذي وجهت أصابع الاتهام فيه لتنظيم «داعش» الإرهابي، لتنفيذ أجندة تتجاوز الإطار التركي باتجاه العمقَين السوري والعراقي.
وبعد يومَين على التفجير الإرهابي، الذي لم يصدر أي تبنٍّ رسمي بشأنه من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، أعلنت الحكومة التركية أنها ردت على الاعتداء الانتحاري، الذي أسفر عن مقتل عشرة سياح ألمان في إسطنبول الثلاثاء الماضي، عبر قصف مئات من الأهداف العائدة إلى تنظيم «داعش» في سوريا والعراق.
وتزامن إعلان هذا الأمر مع مقتل ستة أشخاص وإصابة 39 آخرين بجروح في هجوم بسيارة مفخخة نسب إلى متمردي «حزب العمال الكردستاني» في جنوب شرق تركيا.
وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في أنقرة: «بعد الاعتداء الجبان في إسطنبول، استهدفت قواتنا المسلحة بنيران المدفعية والدبابات نحو 500 موقع لداعش في سوريا والعراق».
وأضاف داود أوغلو أن نحو 200 جهادي قتلوا في هذا القصف.
ولكن يتعذر تأكيد هذه الحصيلة لدى مصدر مستقل.
وتابع: «لقد ضربنا داعش ومواقعه ومخابئه بكل إمكاناتنا، سواء في بعشيقة (العراق) أو على طول الحدود مع سوريا»، مؤكداً أن «أي هجوم يستهدف ضيوف تركيا سيتم الرد عليه».
وكان الجيش التركي أكد الأسبوع الماضي أنه صد هجوما ثانيا في شهر واحد شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» على قاعدة بعشيقة الواقعة في شمال العراق، حيث يدرِّب جنودٌ أتراك مقاتلين عراقيين.
لكن الحكومة العراقية نفت أي هجوم على القاعدة التركية.
كذلك، أكد رئيس الوزراء التركي أن بلاده عازمة على طرد الجهاديين من حدودها مع سوريا البالغ طولها 900 كلم، وقال: «سنتصدى بعزم لتنظيم داعش الإرهابي حتى يغادر الحدود التركية نهائيا».
واتُهمت أنقرة لفترة طويلة بالتهاون حيال تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكنها انضمت بضغط من حلفائها الصيف الفائت إلى التحالف الدولي ضد الجهاديين وقصفت مرارا مواقع لهم.
ومنذ الاعتداء الذي خلف 103 قتلى في العاشر من تشرين الأول الماضي، أمام محطة الحافلات في أنقرة، والذي نسب إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، كثفت الشرطة التركية اعتقال أشخاص يشتبه في انتمائهم إلى التنظيم المتطرف وعززت المراقبة على حدودها.
وأعلن وزير الداخلية أفكان آلا توقيف سبعة مشتبه بهم في عملية إسطنبول.
وتؤكد السلطات التركية أن سورياً في الثامنة والعشرين من عمره يدعى نبيل فضلي، بحسب وسائل الإعلام، هو الذي نفذ الاعتداء.
وفضلا عن استهدافها من جانب الجهاديين، يستمر النزاع بين السلطات التركية والمتمردين الأكراد منذ الصيف الفائت، وخصوصا في جنوب شرق البلاد ذي الغالبية الكردية، بعد وقف لإطلاق النار استمر أكثر من عامين.
وليل أمس الأول، قتل خمسة مدنيين بينهم ثلاثة أطفال وشرطي في اعتداء بشاحنة مفخخة نسب إلى المتمردين الأكراد، واستهدف المقر العام للشرطة في تشينار على بعد 30 كيلومتراً جنوب شرق دياربكر. وأسفر أيضا عن إصابة 39 شخصا.
وبعد انفجار الشاحنة المفخخة، واصل أشخاص قالت السلطات التركية إنهم متمردون من «حزب العمال الكردستاني»، هجومهم مستخدمين قاذفات صواريخ، وردت عليهم قوات الأمن، من دون أن يتضح ما إذا أدى ذلك إلى وقوع إصابات أخرى.
وروى صدقي دينتش المقيم قرب مركز الشرطة: «كنا نتوجه للنوم عندما سمعنا دوي انفجار هائل».
وتابع: «وقعت أرضا ثم سمعت إطلاق النار وعندها اختبأت مع الأطفال (في القبو) حيث بقينا حتى لم نعد نسمع أي ضجيج».
وأغلقت قوات الأمن كل المداخل المؤدية إلى تشينار وبدأت عملية واسعة النطاق للعثور على المهاجمين.
ويسري حظر تجول في منطقة سور في دياربكر منذ الثاني من كانون الأول الماضي، فيما فرض حظر تجول على مدينتَي جيزرة وسيلوبي في محافظة شرناك منذ 14 كانون الأول.
وبحسب تقرير نشره فرع رابطة حقوق الانسان غير الحكومية في دياربكر، فإن 170 مدنيا قتلوا في ظل حظر التجول المفروض في سبع بلدات ومدن في جنوب شرق البلاد في 16 آب الماضي.
وفي دياربكر فقط قتل 37 مدنيا بينهم عشرة أطفال وثلاث نساء بحسب المنظمة الحقوقية، في حين تؤكد الحكومة التركية مقتل مئات «الإرهابيين»، لكنها تنفي سقوط مدنيين بهذه الأعداد.
وفي أعمال عنف أخرى نسبت إلى «حزب العمال الكردستاني»، شن مسلحون هجوما صاروخيا على مركز للدرك في محافظة ماردين، من دون تسجيل وقوع ضحايا.
في هذا الوقت، أشارت تقارير إلى أن شرطيا قتل في منطقة التينداغ في العاصمة أنقرة كما أفادت وكالة «دوغان»، ولكن لم ترد معلومات عن أي رابط محتمل بـ «حزب العمال الكردستاني».
إلى ذلك، فتح القضاء التركي تحقيقا مع مُوَقِّعي عريضة، بينهم عدد كبير من أساتذة الجامعات الأتراك، تطالب بإنهاء المعارك في جنوب شرق تركيا حيث غالبية السكان من الأكراد، ما أثار غضب الرئيس رجب طيب أردوغان.
وباشر التحقيق أحد وكلاء النيابة في إسطنبول بتهمة «الدعاية الإرهابية» و «التحريض على انتهاك القانون» أو «إهانة المؤسسات والجمهورية التركية» وفق وكالة أنباء «الأناضول».
ووقَّع نحو 1200 من المثقفين «مبادرة الجامعيين من أجل السلام» المطالبة بإنهاء تدخل قوات الأمن التركية في جنوب شرق البلاد حيث تشهد مناطق غالبية سكانها من الأكراد معارك دامية بين الجيش ومناصرين لـ «حزب العمال الكردستاني».
وفي النص الذي يحمل عنوان «لن نكون شركاء في هذه الجريمة» ندد الموقعون «بمجزرة متعمدة ومخطط لها في انتهاك كامل للقوانين التركية وللمعاهدات الدولية التي وقعتها تركيا».
ووقَّع العريضة مثقفون أتراك وأجانب مثل المفكر الأميركي نعوم تشومسكي.
ويستهدف التحقيق جميع الموقعين الأتراك وعددهم 1128 شخصا وفق وكالة أنباء «دوغان»، وهم يواجهون عقوبات بالسجن خمس سنوات في حال إدانتهم.
وأثارت العريضة غضب أردوغان الذي اتهم الموقعين «بالخيانة» وبتشكيل «طابور خامس» لمصلحة قوى أجنبية بهدف زعزعة أمن تركيا.
وقال أردوغان في خطاب في أنقرة «هذه الزمرة من الجامعيين انحازت بوضوح غلى معسكر المنظمة الإرهابية (ويعني حزب العمال الكردستاني) ونفثت حقدها على الشعب التركي». واضاف: «أنتم لا تفقهون شيئا، أنتم لستم مثقفين، كل ما تريدونه هو إثارة القلاقل في هذا البلد».
وأعرب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عن موقف مماثل بقوله إنه «لأمر محزن حقا أن يوقِّع بعض من مفكرينا مثل هذا الإعلان في حين أننا نقاتل الإرهاب».
في المقابل، كتبت ممثلة منظمة «هيومن رايتس ووتش» إيما سنكلير وب في تغريدة على موقع «تويتر» ان داود أوغلو لا يعترف على ما يبدو «بحق التعبير والحرية الجامعية».
وأثار سيدات بيكر، القومي المتطرف وزعيم المافيا التركية، غضب المعارضة عندما هدد الموقعين الاربعاء بـ «حمام دم» في تصريحات نشرتها كل وسائل الإعلام التركية.
وقالت وكالة أنباء «دوغان» إن جامعة دوزجة قررت فصل المحاضرة في علم الاجتماع لطيفة أكيوز لأنها وقَّعت العريضة، فيما أصدر القضاء مذكرة توقيف بحقها.
وأضافت الوكالة أن تحقيقات تُجرى مع مُوَقِّعين من جامعتَين في ديار بكر ومردين في جنوب شرق البلاد.
وتم استجواب أستاذ محاضر في جامعة هكاري بشأن العريضة.
وكالات
إضافة تعليق جديد