تركيا و "الإخوان الإسلامويون":

13-06-2013

تركيا و "الإخوان الإسلامويون":

الجمل - تيري ميسن- ترجمة: د. مالك سلمان:

خلال 10 أيام, أدى قمع الاحتجاجات المناهضة لإيردوغان إلى قتل 3 أشخاص وجرح وإصابة 5,000 آخرين.
بالنسبة إلى تيري ميسن, لا يحتج الشعب التركي ضد أسلوب رسب تايب إيردوغان الأوتوقراطي, وإنما ضد سياساته؛ وبكلمات أخرى, ضد "الإخوان الإسلامويين" الذين ينتمي إليهم. فما بدأ في "ساحة تكسيم" ليس ثورة ألوان حول مشروع بناء جديد, بل انتفاضة انتشرت في كافة أنحاء البلاد؛ وباختصار, إنها ثورة تستحضر "الربيع العربي".
إن الانتفاضة التركية متجذرة في تناقضات حكومة إيردوغان. حيث كشفت الأخيرة – بعد أن قدمت نفسها بصفتها "ديمقراطية إسلامية" (مبنية على نموذج "الديمقراطية المسيحية") – بشكل مفاجىء عن طبيعتها الحقيقية مع قدوم "ثورات ألوان" ‘الربيع العربي’.
فمن ناحية السياسة الداخلية والخارجية, هناك قبل وبعد التغير المفاجىء. إذ شملت المرحلة السابقة على التسلل إلى المؤسسات. أما المرحلة اللاحقة فقد تميزت بالطائفية. من قبل, احتلت نظرية أهمت دافوت أوغلو حول "صفر مشاكل" مع جيران تركيا موقعاً مركزياً. حيث بدا أن "الإمبراطورية العثمانية" السابقة تستفيق من نومها وتعود إلى الواقع. وبعد ذلك, حدث العكس: اختلقت تركيا مشاكلَ مع جميع جيرانها وشنت الحربَ على سوريا.

"الإخوان الإسلامويون"
تزعَمَ هذه النقلة "الإخوان الإسلامويون", وهي منظمة سرية طالما ارتبط بها إيردوغان وفريقه, على الرغم من إنكارهم. وحتى لو كانت هذه النقلة نتيجة للنقلة التي حصلت في قطر – وهي ممول "الإخوان الإسلامويين" – فإنها تنطوي على نفس المضامين: أنظمة استبدادية كانت تدعي عداءَها لإسرائيل لكنها سرعان ما أخذت تتصرف كحليفة لها.
من الضروري أن نتذكر أن اسم "الربيع العربي" الذي جاء به الغرب هو ضرب من الخداع لإقناع الناس أن الحركات الشعبية هي التي أسقطت الحكومتين التونسية والمصرية. إذ إن هدف الثورة الشعبية في تونس لم يكن إسقاط النظام, بل تحقيق تغيرات اقتصادية واجتماعية. فالولايات المتحدة, وليس الشارع, هي التي أمرت زين العابدين بن علي وحسني مبارك بالتنحي. كما أن الناتو هو الذي أسقط وقتل معمر القذافي. كما أن الناتو و "مجلس التعاون الخليجي" هما من غذيا الهجومَ على سوريا.
تم إيصال "الإخوان الإسلامويين" إلى السلطة في بلدان شمال أفريقيا – باستثناء الجزائر – من قبل هيلاري كلينتون. وكان مستشارو الاتصالات التركية في كل مكان ومن ورائهم حكومة إيردوغان. وفي كل مكان, كانت "الديمقراطية" واجهة سمحت ﻠ "الإخوان" بأسلمة الشركات مقابل تبني الرأسمالية الأمريكية شبه الليبرالية.
ويعكس مصطلح "الأسلمة" البلاغة التي يستخدمها "الإخوان", وليس الواقع الفعلي. إذ إن "الإخوان" يهدفون إلى الهيمنة على الأفراد استناداً إلى مبادىءَ لا علاقة لها بالقرآن. كما أن ذلك يتعلق بدور المرأة في المجتمع, ويفرض أسلوباً حياتياً تقشفياً بلا مشروبات كحولية ولا تدخين, وبلا جنس أيضاً ... على الأقل بالنسبة إلى الآخرين.
في السنوات العشر الأخيرة, بقي "الإخوان" تحت الرادار, تاركينَ تحويلَ التعليم العام بين يدي الطائفة التي تديرها منظمة "فتح الله غولين" التي ينتمي إليها الرئيس عبد الله غول.
وعلى الرغم من أن "الإخوان" يعلنون كراهيتهم لأسلوب الحياة الأمريكي, إلا أنهم ينعمون بحماية الأنغلو- أمريكيين (بريطانيا, والولايات المتحدة, وإسرائيل) الذين طالما تمكنوا من تسخير العنف الإسلاموي ضد من يقاومهم. عينت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في وزارتها مساعدتها السابقة هوما عابدين (زوجة عضو الكونغرس الصهيوني السابق أنطوني واينر), والتي تترأس والدتُها صالحة عابدين الفرع النسائي ﻠ "الإخوان". وقد تمكنت كلينتون من تحريك "الإخوان" عبر هذه القناة.
إن "الإخوان" هم الذين زودوا القاعدة بإيديولوجيتها عبر أحد أعضائهم, أيمن الظواهري, الذي نظمَ عملية اغتيال الرئيس السادات والذي يتزعم حالياً هذه المنظمة الإرهابية. وطالما كان أيمن الظواهري, مثله مثل بن لادن, عميلاً لأجهزة الاستخبارات الأمريكية. وعلى الرغم من تصنيفه بصفته عدواً معلناً, فقد كان يلتقي بشكل دوري – من سنة 1997 إلى سنة 2001 – بضباط "سي آي إيه" في السفارة الأمريكية في باكو في سياق "عملية غلاديو بي", كما شهدَت المترجمة السابقة ﻠ "إف بي آي" سيبيل إدموندز.

دكتاتورية تقدمية
أثناء سجنه, ادعى إيردوغان أنه انفصلَ عن "الإخوان" وترك الحزب. وبعد انتخابه قام بفرض نظام دكتاتوري. فقد أمر باعتقال وسجن ثلثي الجنرالات المتهمين بالتورط في "غلاديو", الشبكة السرية التي تديرها الولايات المتحدة. وإضافة إلى ذلك, قام بسجن أكبر عدد من الصحفيين في أي بلد. وقد تجاهل الإعلام الغربي هذه الحقيقة في إحجام منه عن توجيه الانتقادات لبلد عضو في الناتو.
إن الجيش هو الحامي التقليدي للعلمانية "الكمالية". ولكن بعد هجمات 11 أيلول, كان الضباط الكبار قلقين حول التحول الشمولي في الولايات المتحدة, فاتصلوا بنظرائهم في روسيا والصين. ولقتل هذه المبادرات في مهدها, قام بعض القضاة بتذكيرهم بروابطهم التاريخية مع الولايات المتحدة.
إذا كان من الممكن للصحفيين, مثل أية مهنة أخرى, أن يكونوا أوغاداً, فإن أعلى نسبة قمع واعتقال في العالم تشير إلى سياسة: الاستفزاز والقمع. فباستثناء "أولولسال", تحول التلفزيون إلى رثاء رسمي, بينما تبعت الصحافة الطريق نفسه.

"صفر مشاكل" مع جيرانها
كانت السياسة الخارجية لأهمت دافوت أوغلو مضحكة بالقدر نفسه. فبعد سَعيه لمعالجة المشاكل العالقة من "الإمبراطورية العثمانية" قبل قرن من الزمان, حاولَ أن يلعب دور أوباما ضد نتنياهو من خلال تنظيم "قافلة الحرية" المتوجهة إلى فلسطين. لكنه, وبعد أقلَ من شهرين على القرصنة الإسرائيلية, قبلَ ببعثة التحقيق الدولية لتغطية الموضوع واستمر في تعاونه مع تل أبيب بشكل سري.
وكعربونٍ عن التعاون بين "الإخوان" والقاعدة, وضع "الإخوان" على متن "مارڤي مرمرة" المهدي حتاري, وهو القائد الثاني في القاعدة في ليبيا ومن المرجح أنه عميل بريطاني.

كارثة اقتصادية
كيف أهدرت تركيا ليس فقط عقداً من الجهود الدبلوماسية لاستعادة علاقاتها الدولية, بل نموَها الاقتصادي أيضاً؟ في شهر آذار/مارس 2011, شاركت تركيا في عملية الناتو ضد ليبيا التي كانت أحد شركائها الاقتصاديين الرئيسين. وبعد تدمير ليبيا نتيجة للحرب, خسرت تركيا سوقَها. وفي الوقت نفسه, انكبت أنقرة على الحرب ضد جارتها سوريا التي كانت قد وقعت معها, قبل ذلك بسنة واحدة, اتفاقية لتحرير التجارة بين البلدين. وجاءت النتيجة بسرعة البرق: كان معدل النمو في سنة 2010 (9.2%), لكنه هبط في سنة 2012 إلى (2.2%), ولا يزال الهبوط مستمراً.
علاقات عامة
إن وصول "الإخوان الإسلامويين" إلى السلطة في شمال أفريقيا ضربَ دماغ حكومة إيردوغان على الفور. فمن خلال إشهاره للطموح الإمبريالي العثماني, أثارَ قلق الجماهير العربية كبداية, ومن ثم ألبَ غالبية شعبه ضده.
فمن جهة, تقوم الحكومة بتمويل "فتح 1453" – وهو فيلم بلغت تكاليفه أرقاماً خيالية بالنسبة إلى البلد – الذي من المفترض أنه يحتفي فتح القسطنطينية, على الرغم من المغالطات التاريخية التي تتخلله. ومن جهة أخرى, تحاول الحكومة حظرَ المسلسل الأكثر شهرة في الشرق الأوسط, "حريم السلطان", لأن الحقيقة لا ترسم صورة مسالمة عن العثمانيين.

السبب الحقيقي وراء الانتفاضة
في السياق الحالي, ركز الإعلام الغربي على تفاصيلَ معينة: مشروع سكني في اسطنبول, وحظر بيع الكحول في ساعات متأخرة من الليل, أو التصريحات التي تشجع على النمو السكاني. كل هذا صحيح, لكن هذه الأسباب لا تقود إلى ثورة.
من خلال الكشف عن طبيعتها الحقيقية, نأت حكومة إيردوغان بنفسها عن شعبها. إذ إن أقلية من السنة فقط يتماهونَ مع برنامج "الإخوان" الرجعي والمنافق. وكما هو واقع الأمر فإن 50% من الأتراك سنة, و 20% علويون, و 20% أكراد (معظمهم سنة), وينتمي 10% إلى أقليات أخرى. من الواضح إحصائياً أنه ليس بمقدور حكومة إيردوغان الصمود في وجه الانتفاضة التي ساهمت سياساتها هي بإشعالها.
فمن خلال إسقاط إيردوغان, سيتمكن الأتراك ليس فقط من حل مشاكلهم بل أيضاً من إنهاء الحرب على سوريا. وطالما أشرتُ إلى أن الحربَ ستتوقف في اللحظة التي يقوم فيها أحد داعميها الأجانب بمغادرة الساحة. وهذا ما سيحدث قريباً جداً. كما سيتمكن الشعب التركي من إيقاف تمدد "الإخوان". وسوف يلقي سقوط إيردوغان بظلاله على سقوط أصدقائه أيضاً: الغنوشي في تونس, ومرسي في مصر. فمن غير المحتمل أن تستمر هاتان الحكومتان, اللتان أوصلتهما إلى السلطة انتخابات مزورة, بعد سقوط داعمهما القوي.

تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 11 حزيران/يونيو 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...